مع استمرار غرق روسيا في المستنقع الأوكراني، يبدو أن الشعب الروسي بدأ يدرك الخطأ القاتل الذي ارتكبه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، باستعداء العالم وغزو الأراضي الأوكرانية، وما تسببه بضغوط هائلة على روسيا من الناحيتين العسكرية والاقتصادية.

حتى الشيوعيين في روسيا، وهم من أشد المؤيدين لعمليات غزو أوكرانيا، بدأ يعلو صوتهم ضد القيادة الروسية، عندما أدركوا أن قيادتهم أقدمت على تحدي النظام العالمي، دون دراسة تبعات قراراتها بالدخول في حرب مع الغرب، فهل يكون الشيوعيون في روسيا سببا في إسقاط بوتين.

مظاهرات في موسكو ضد بوتين

خلال الأيام الماضية شهد الميدان الأحمر في روسيا، توجه عشرات الشيوعيين الروس، لتنظيم مظاهرات تطالب بإزاحة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الحكم، وذلك بسبب الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية.

احتجاج الشيوعيين في موسكو، بالتأكيد لم يأتِ على قرار غزو أوكرانيا، لكن هذه المجموعة من الروس، جاء احتجاجهم على الطريقة أو الآلية التي تم عبرها إدارة العملية، فضلا عما تسبب به من مواجهة روسية مع الغرب، انعكست بشكل سلبي ومباشر على حياة المواطن الروسي.

وسائل إعلام محلية نشرت تسجيلات مصورة، تُظهر تجمع مجموعة من الروس في الميدان الأحمر، وهم يحتجون على سياسة الرئيس الروسي، معتبرين أن “من هم في السلطة لا يمتلكون الكفاءة لقيادة روسيا”.

وسائل إعلام محلية نقلت عن عضو الحزب الشيوعي في روسيا قوله، إن “الشعب سيغير الحكومة تحت قيادة الحزب الشيوعي الروسي”.

الباحث في العلاقات الدولية عبد الرحمن صلاح الدين، رأى أن الشيوعيين قد لا يشكلون تعبيرا حقيقيا عن واقع المجتمع الروسي وتطلعاته، مشيرا إلى أن خسارة بوتين لرهان كسب الحرب بطريقة خاطفة كلّف روسيا الكثير لا سيما على الصعيد الاقتصادي، ما أثّر على حياة المواطنين الروس.

صلاح الدين قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “لا يشكل الشيوعيون في روسيا تعبيرا حقيقيا عن واقع المجتمع الروسي وتطلعاته، وذلك بسبب كونهم لا يتمتعون بثقل شعبي كبير، كذلك الشيوعيون هم أكثر بُعدا عن الغرب من بوتين نفسه”.

قد يهمك: أسعار الغاز في أوروبا إلى مستويات ما قبل الغزو.. بوتين خسر حرب الشتاء؟

من المعروف أن بوتين خسر الرهان الأول، وهو رهان كسب الحرب في أيام معدودات، فيما العمل على الرهان الثاني وهو تراجع داعمي أوكرانيا تحت الضغط الاقتصادي وارتفاع أسعار الطاقة، وهذا الرهان عمليا جعل بوتين يخسر المرحلة الاولى منه، مع تمكن أوروبا من إيجاد بدائل قصيرة الأمد للغاز الروسي على الأقل خلال هذا الشتاء.

 كذلك عبر اتفاق الدول السبع الكبار والاتحاد الأوروبي على وضع سقف لأسعار النفط الروسي، وما سيليه من وضع سقف للمشتقات النفطية الروسية والغاز الروسي. لكن تبقى لروسيا رهانات كثيرة يمكن أن نلخصها في الضغط على اقتصادات أوروبا وفي عدم توحيد وجهة النظر الغربية عموما والأوروبية خصوصا تجاه قضية التعاطي مع الحرب الروسية الأوكرانية.

روسيا تحت ضغوط هائلة

صلاح الدين أوضح كذلك، أن روسيا الآن تحت ضغوط هائلة تتمثل في العقوبات القاسية المفروضة عليها، وفي الاستنزاف الكبير الذي تسببه الحرب لمواردها المالية، ذلك يمكن قراءته في عجز الميزانية الروسية، وفي تقلّص الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الروسي، عدا عن ارتفاع حدّة الديون على الدولة والمؤسسات والأفراد، وكذلك في الاستنزاف الواسع للاحتياطي النقدي الروسي. 

كون التأثيرات السريعة على الاقتصاد الروسي جاءت أقل من المتوقع، فهذا لا يعني أن التأثيرات متوسطة الأمد ستكون أيضا أقل في المتوقع، خصوصا إذا طال أمد الحرب لسنوات ومعه أمد العقوبات، وهذا يعني خسارة روسيا لسنوات طويلة من النمو الاقتصادي ومن تخزين الاحتياطات النقدية، والتأثير الأكبر سيكون طبعا على الطبقات المتوسطة والفقيرة.

زيادة الضغط الاقتصادي على روسيا، يعني مزيدا من معاناة المواطن الروسي، ومع تفاقم الوضع الاقتصادي، قد نشهد حركات احتجاجية واسعة للضغط على القيادة الروسية، لوقف استعداء العالم، ذلك ما قد يجعل القيادة الروسية منشغلة بحل المشاكل الداخلية، وعدم فتح جبهات جديدة في أوكرانيا.

تعرف القيادة الروسية على طول أمد الحرب وعدم التوصل لحل لن يؤدي فقط إلى استنزاف واسع اقتصادي لها، بل ايضا استنزاف بشري واجتماعي.

حول ذلك قال صلاح الدين، “حتى الآن خسرت سنوات من النمو الاقتصادي الإيجابي، لكن في المقابل فإن دولة بحجم روسيا ودورها لا تستطيع أن تتقبل الهزيمة وهي بالتأكيد ستفعل كل ما يمكن فعله لكسب هذه الحرب، والحل هنا هو بالتوصل لأحد طريقين، الأول حل سياسي نهائي يعطي لروسيا مكاسب، والثاني هو تجميد الجبهات ووقف القتال عمليا دون اتفاق سلام موقّع، لكن هذا الطريق لا يضمن رفع العقوبات على روسيا”.

وتيرة احتجاج وغضب الروسي بدأ منذ أشهر، عندما بدأت تتوضح معالم وتبعات استعداء بوتين للغرب، فضلا عن الضغوط الاقتصادية، وهنا رأى الباحث السياسي الدكتور باسل معراوي، أن غضب الشعب الروسي جاء بعدما أدرك أن قيادته أقدمت على تحدي النظام العالمي عندما قررت غزو أوكرانيا.

معراوي قال في حديثه لـ”الحل نت”، “كانت سلسلة الاخفاقات الروسية في الشهر الأول للغزو واضحة، وتدل على فساد مستشري في صفوف الجيش، أدت لهدر أموال طائلة وبيّنت عجز الجيش الروسي خططيا وعلى حالة سيئة من الجاهزية وافتقار التدريب، حتى إن سمعة الصناعة العسكرية الروسية قد تهاوت للحضيض لظهور تخلفها التكنولوجي أمام الأسلحة الغربية البسيطة”.

الشعب الروسي شعر بالإحباط، عندما بدأ الفشل في كييف، وتتالي الإخفاقات على أن حربا استنزافية، قد أوقعهم بها رئيسهم، ثم بدأت حزمات العقوبات الهائلة وغير المسبوقة بالتاريخ تؤتي نتائجها على الاقتصاد الروسي وحالة المواطن المعيشية.

كما أن قرار التعبئة الجزئية التي نفذها الرئيس بوتين بعد مكابرته بأنها عملية عسكرية خاصة، قد أكدت انها حرب استنزاف طويلة.

تواجه المظاهرات ضد الغزو على أوكرانيا بقمع شديد في روسيا. حيث تم إيقاف الآلاف منذ بدء الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية في شباط/ فبراير الماضي 2022.

ضغط على المواطن الروسي

فضلا عن الإجراءات التي اتخذتها أوروبا لتجاوز أزمة الطاقة، فقد أدت هذه الحرب إلى خسائر فادحة في الاقتصاد الروسي، الذي لم ينجو من تبعات سلبية كبيرة ستستمر خلال العام الجاري، رغم ارتفاع أسعار النفط في بعض الأوقات.

حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي كانت قد اتفقت قبل أسابيع، على حدِّ أقصى لأسعار النفط الروسي المنقول بحرا قدره 60 دولارا للبرميل، مع آلية تعديل لإبقاء سقف السعر أقل بخمسة بالمئة من سعر السوق.

هذا الاتفاق، يأتي ضمن محاولة الغرب للضغط على عائدات “الكرملين” النفطية مع الحفاظ على الإمدادات العالمية ثابتة وتجنب زيادة الأسعار، وصُمم هذا الحد على أنه طريقة للسماح لروسيا، أكبر مصدر للنفط العالمي، بتزويد الأسواق، من دون أن تحصل موسكو على الفائدة الكاملة من بيعها النفط.

عجزٌ يُقدر بـ 147 مليار دولار في الموازنة الروسية، بحسب إعلان موسكو مطلع العام الجاري، وذلك نتيجة الانخفاض في صادرات النفط في روسيا، فضلا عن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، ما جعل الاقتصاد الروسي في مهب العاصفة.

بصرف النظر عما إذا كان الشيوعيون في روسيا هم الشرارة أم لا، فإن استمرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في سياسته لاستعداء الغرب عبر استمرار عمليات غزو أوكرانيا، ستكون لها تبعات مضاعفة على المواطن الروسي، الذي ربما سيصل لمرحلة أن يصرخ بوجه بوتين مناديا بتغيير سياسة قيادة بلاده، لوقف استعداء العالم، وإلا المطالبة بإسقاط بوتين من حكم روسيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة