أعلنت الولايات المتحدة والفلبين في الثاني من شباط/فبراير 2023 أن الولايات المتحدة تعمل على توسيع وجودها العسكري عبر المزيد من القواعد العسكرية في الدولة الواقعة جنوب شرق آسيا، الأمر الذي يعطي الولايات المتحدة ميزة محتملة في سعيها لإحباط جهود الصين المحتملة للسيطرة على تايوان. ويذكر بان أقصى جزيرة في شمال الفلبين تقع على بعد حوالي 118 ميلا (190 كيلومترا) من تايوان. 

في الوقت الذي تعتبر فيه تايوان نفسها دولة مستقلة، وهي جزيرة تقع قبالة سواحل الصين، تؤكد الصين أنها مقاطعة انفصالية تريد السيطرة عليها مرة أخرى، وقد زادت من تهديداتها بالتحرك لتجاوزها في الأشهر الأخيرة. 

علماء في العلوم السياسية وخبراء في السياسة الخارجية الأميركية، نشروا مؤخرا كتابا عن عمليات الانتشار العسكرية الأميركية في الخارج. وهذا ما تعنيه هذه الاتفاقية الجديدة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة والتوترات العسكرية المتصاعدة في شرق وجنوب شرق آسيا: 

1- توسع الاتفاقية نفوذ الولايات المتحدة 

إن هذا الاتفاق العسكري هو توسيع لاتفاق 2014 الذي يدعى اتفاق التعاون الدفاعي المعزز. والاتفاقية الجديدة التي تم توقيعها هذا الأسبوع تسمح للولايات المتحدة بالوصول إلى أربع قواعد عسكرية إضافية في الفلبين والحفاظ على المعدات في تلك القواعد. بالإضافة إلى ذلك، تدعو الاتفاقية الولايات المتحدة إلى إنفاق 82 مليون دولار أميركي على استثمارات البنية التحتية في القواعد الخمس المستخدمة حاليا. 

والآن، سوف تتمكن الولايات المتحدة من الوصول إلى تسعة قواعد في الفلبين، مما يمثل الوجود العسكري الأكثر توسعا لها في البلاد منذ 30 عاما. ويأتي هذا الاتفاق بعد إعلان الولايات المتحدة في تشرين الأول/أكتوبر 2022 أنها ستمنح 100 مليون دولار للجيش الفلبيني. 

2- رسالة تحذير إلى الصين 

الصين عززت في السنوات الأخيرة وجودها العسكري في بحر الصين الجنوبي، وبدأت في توسيع نطاق وجودها العسكري في مناطق أخرى، بما في ذلك دول في إفريقيا، حيث لم تكن متواجدة من قبل. كذلك تواصل الصين البحث عن مواقع أجنبية جديدة لاستضافة قواتها. وفي العام 2022، على سبيل المثال، وقعت الصين صفقة عسكرية جديدة مع جزر سليمان، مما أدى إلى تكهنات بأنها قد تنشئ في النهاية قاعدة عسكرية دائمة هناك. 

من جانبها، أعلنت الولايات المتحدة في الثاني من شباط/فبراير 2023 أيضا افتتاح سفارتها في جزر سليمان، بعد أن مضى ثلاثون عاما على عدم وجود سفارة لها هناك. وينما قال وزير الدفاع الأميركي لويد جيمس أوستن إن هذه الصفقة الجديدة مع الفلبين ضرورية لتدريب ودمج القوات الأميركية والفلبينية، فإنها تزيد أيضا من قدرة الولايات المتحدة على الرد على التهديدات الإقليمية. 

فمن شأن الوجود العسكري الأميركي في جزيرة لوزون الشمالية، على وجه الخصوص، أن يزيد من قدرة الولايات المتحدة على ردع التهديدات الصينية تجاه تايوان. وهذا التوسع في الوصول العسكري يسمح أيضا للولايات المتحدة بالرد بسهولة أكبر وسرعة على العدوان الصيني في بحر الصين الجنوبي أو بحر الفلبين الغربي. 

وقد استجابت الصين بسرعة لأخبار الاتفاقية العسكرية، قالت ماو نينغ، المتحدثة باسم وزارة الخارجية، في الثاني من شباط/فبراير 2023، إن هذه الخطوة “ستؤدي إلى تصعيد التوترات وتعريض السلام والاستقرار في المنطقة للخطر”. 

3- تاريخ عسكري طويل بين الولايات المتحدة والفلبين 

كانت الفلبين مستعمرة أميركية منذ انتصار الولايات المتحدة في الحرب الإسبانية الأميركية في العام 1898 حتى استقلالها عام 1946. وواصلت الفلبين استضافة عشرات الآلاف من القوات الأميركية طوال الحرب الباردة. ومع ذلك، أدت الاحتجاجات الشعبية الواسعة النطاق على الوجود الأميركي في الفلبين إلى مطالبة الولايات المتحدة بمغادرة جميع قواعدها في العام 1992. 

بالرغم من هذا المغادرة، ظلت الولايات المتحدة نشطة في عمليات مكافحة الإرهاب في الفلبين. ففي عام 1998، وقعت الحكومتان اتفاقية تسمح مجددا للأفراد العسكريين الأميركيين بالتواجد في البلاد. وفي عام 2014، توصل البلدان إلى اتفاقية أخرى منحت القوات الأميركية الوصول إلى خمس قواعد عسكرية فلبينية. 

إثر ذلك هدد الرئيس الفلبيني السابق رودريغو دوتيرتي، الذي ترأس البلاد من 2016 إلى 2022، بإنهاء الاتفاقيات العسكرية بين الولايات المتحدة والفلبين مرات عديدة، إلا أن الاتفاقات استمرت طوال فترة ولايته البالغة ست سنوات. 

أيضا أتاح انتخاب الرئيس فرديناند ماركوس جونيور عام 2022 إمكانية زيادة التعاون الأمني بين الولايات المتحدة والفلبين، حيث أظهر الرئيس الجديد استعدادا لإحياء العلاقات الدبلوماسية. فمن جانبها قالت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس في عام 2022 إن الهجوم على الفلبين سيجبر الولايات المتحدة على الدفاع عنها. 

في غضون ذلك، أدركت الأمم المتحدة والولايات المتحدة وجماعات الدفاع عن حقوق الإنسان أن هناك مخاوف جدية وذات مصداقية حول كيفية تعامل حكومة الفلبين مع مواطنيها. وكانت الشرطة الفليبينية قد قتلت آلاف المدنيين خلال مداهمات في إطار حرب البلاد على المخدرات على مدى السنوات العديدة الماضية. كما أصبحت الفلبين أيضا مكانا خطيرا بشكل متزايد للعمل الصحفي وللتعبير عن آراء سياسية مستقلة. 

في حين أن هذا قد يسبب القلق بين نشطاء حقوق الإنسان، فمن غير المرجح أن يؤثر على القرارات العسكرية للولايات المتحدة. إذ وجد الباحثون أن الولايات المتحدة تميل إلى تخفيف مخاوفها بشأن حقوق الانسان فيما يتعلق بنشر قواتها عندما تصبح القضايا الأمنية أكثر بروزا. وقد أعلن أوستن عن أحدث صفقة عسكرية من كويزون سيتي، في منطقة العاصمة الفلبينية، وأشار في الثاني من شباط/فبراير 2023، إلى أن البلدين “يشتركان في قيم الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية”. 

4- الرأي العام الفليبيني سيكون مهما 

بالنظر إلى التاريخ المعقد للولايات المتحدة والفلبين، من المهم معرفة رأي الفلبينيين في احتفاظ الجيش الأميركي بوجود رسمي له هناك اليوم. 

بعد إجراء استبيان سنوي على ما يقارب من 1000 فلبيني من 2018 إلى 2020 حول كيفية رؤيتهم لتأثير الولايات المتحدة والصين في بلادهم. بشكل عام، ترى الأغلبية القوية أن نفوذ الولايات المتحدة إيجابي، ذلك بالرغم من الاختلاف على مر السنين التي أجرينا فيها الاستطلاع. وقلة قليلة من المجيبين كانت آراؤهم سلبية. 

كذلك تم سؤالهم عن نفوذ الصين في بلادهم. وكانت ردود الناس على هذا السؤال أقل إيجابية بكثير. وتشير هذه الردود أيضا إلى أن وجهات النظر بشأن الصين أصبحت أقل تفضيلا بمرور الوقت. 

في الوقت ذاته، تزداد المنافسة بين الولايات المتحدة والصين على النفوذ في منطقة المحيط الهادئ. وسيركز جزء من هذه المنافسة خلال السنوات القادمة على كسب دعم سكان البلدان المضيفة، عندما تحاول الولايات المتحدة أو الصين إنشاء قاعدة عسكرية. وتتأثر النتيجة إلى حد كبير بمدى فاعلية الولايات المتحدة وجيشها في بناء النوايا الحسنة. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.