بين تطور علاقاتها مع روسيا ومحاولاتها توسيع نفوذها السياسي في إفريقيا لمواجهة مشاكلها الاقتصادية والسياسية في المنطقة، تُطلق الجزائر مشاريع جديدة في القارة الإفريقية، وسط مخاوف أن تكون هذه المشاريع تمهيدا لحليفها في موسكو لتثبيت وتوسيع نفوذه في إفريقيا.

منذ أشهر وبعد العزلة الدولية التي بدأت تعاني منها روسيا نتيجة غزوها لأوكرانيا، سعت موسكو لتطوير علاقاتها مع الجزائر واستخدامها كبوابة للعبور نحو الشرق والجنوب الإفريقيين، مستغلة بذلك الاتفاقيات المتعلقة بالجانب العسكري مع الجزائر، إضافة إلى تقاطع المصالح بشأن ملفات الطاقة.

مشاريع اقتصادية جديدة بميزانيات عالية أعلنت الجزائر، أنها ستنفّذها في عدد من الدول الإفريقية، ذلك رغم أن الجزائر نفسها تعاني من أزمة اقتصادية كغيرها من الدول، أزمة أودت بالطبع إلى توتر سياسي، فما هي أهداف الجزائر من هذه المشاريع، وهل تكون مساعدة غير مباشرة لروسيا من أجل التوسع في القارة الإفريقية.

مليار دولار من الجزائر

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أعلن ضخ مليار دولار أميركي لصالح “الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي” من أجل التضامن والتنمية، لتمويل مشروعات تنموية في الدول الإفريقية، ذلك في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الجزائر كغيرها من الدول الإفريقية.

بين تمهيد الطريق إلى روسيا ومحاولة فرض الجزائر نفسها كقوة إقليمية في إفريقيا، تطلق الجزائر هذه المشاريع التي أكد تبون على لسان رئيس الوزراء أيمن بن عبد الرحمن خلال أشغال الدورة الـ 36 لقمة رؤساء دول “الاتحاد الإفريقي” حول السلم والأمن في إفريقيا، أن الوكالة ستباشر فورا إجراءات تنفيذ هذه المبادرة الاستراتيجية الهادفة، بالتنسيق مع الدول الإفريقية الراغبة في الاستفادة منها.

الباحث في الشؤون الإفريقية رامي زهدي، رأى أن قرار الرئيس الجزائري الأخير حول المشروعات في إفريقيا يبدو غريبا إلى حد ما، خاصة وأن الجزائر لم تعتد على هذه القرارات كغيرها من الدول، لكنه استبعد في الوقت ذاته أن يكون تمهيدا بشكل مباشر لإفساح الطريق أمام روسيا.

قد يهمك: استراتيجية مصر تجاه شرق آسيا.. دوائر حركة جديدة؟

زهدي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “قرار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عبر الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية، ضخ مليار دولار لتمويل مشاريع إفريقية ذات صلة بأعمال التنمية أو دعما للتضامن، يبدو من حيث الشكل والمضمون خطوة غير متكررة كثير في العمل الإفريقي، على الأغلب تأتي المساعدات بهذا الشكل من قوى خارجية وعلى الأغلب الجزائر بحد ذاتها لم تكن أبدا دولة تنتهج هذا النهج على غرار ليبيا ومصر ونيجيريا”.

مصالح روسيا

زهدي استبعد فكرة أن تكون روسيا مباشرة خلف هذا الإعلان، لكنه أكد في الوقت ذاته أن النفوذ الروسي في القارة الإفريقية، يمر بمرحلة مؤثرة، في ظل التنافس على الوجود في إفريقيا، وأضاف “روسيا ربما من الأفضل أن تضخ الأموال بشكل معلن لدول مختلفة في إفريقيا، ليكون التأثير مباشر أكثر”.

على الرغم من احتمالية أن تكون روسيا ليست وراء هذا المشاريع، لكن التوسع الجزائري في إفريقيا، ستستغلّه بالتأكيد موسكو لدخول إفريقيا بشكل أوسع من البوابة الجزائرية، خاصة مع تطور العلاقات الروسية الجزائرية مؤخرا، وسعي روسيا للبحث عن أي مخرج من عزلتها الدولية، لتجد الجزائر كأبرز المخارج لها للتوسع باتجاه الشرق والجنوب.

حول أهداف الجزائر من إطلاق هذه المشاريع، فإن الخبير في الشؤون الإفريقية، أوضح أن الجزائر تسعى من خلال هذه المشاريع، إلى دعم موقفها في القارة الإفريقية كقوة إقليمية مؤثرة في القارة، “لأنه عند الحديث عن القوى المؤثرة في القارة، نجد أن مصر ونيجيريا وجنوب إفريقيا في المقدمة ثم تأتي كينيا والسنغال والمغرب ثم الجزائر، ربما يكون هناك توجه جديد للجزائر لدعم موقفها السياسي”.

العديد من المصالح تقاطعت مؤخرا بين موسكو الجزائر التي تريد نفوذ أكبر حول العالم، والابتعاد إلى حد ما عن الإملاءات الغربية، فضلا عن التعاون العسكري الممتد لعشرات السنوات مع موسكو، ذلك ما قد يؤدي بحسب ما يتم تداوله في الأوساط الغربية إلى إمكانية التوجه لعزل الجزائر في حال استمرت بالتعاون مع موسكو وكانت سببا في توسيع نفوذها في إفريقيا لاحقا.

العلاقات الجزائرية الروسية شهدت تطورات عديدة خلال الأشهر الماضية، وبلغت ذروتها عندما أعلنت الجزائر تبني الموقف الروسي أمام وضع أوروبا سقف لأسعار الغاز، معتبرة أن إجراءات الاتحاد الأوروبي “أحادية الجانب”.

هل تتراجع الجزائر؟

مع تصاعد وتيرة الرفض الأميركي والأوروبي لزيادة وتيرة التعاون مع روسيا، أصبحت الجزائر مترددة في تنفيذ العديد من الاتفاقيات مع موسكو، خشية من الرد الغربي، ذلك في وقت تسعى فيه موسكو أن تورّط الجزائر في اتفاقيات وتعاونات أكثر حتى تكاد تصل الجزائر إلى نقطة اللاعودة”.

ذلك ما بدا واضحا من تأكيد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، مطلع الشهر الجاري في تصريحات نقلتها وكالات روسية، إجراء تمرين عسكري مشترك مع الجزائر في منطقة بشار الجزائرية مطالبا الغرب بالكف عن ضغوطه على الجزائر، وذلك ما حاولت الجزائر نفيه قبل أسابيع، لكن موسكو أصرّت على الإعلان أن التعاون العسكري قائم بين الجانبين.

حتى الآن لا يبدو أن الجزائر حسمت موقفها في الذهاب إلى نقطة اللاعودة في تطوير علاقاتها مع روسيا، وتراقب الأوساط السياسية ولعل الزيارة المرتقبة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى روسيا في أيار/مايو القادم، التي ستكشف نتائجها ملامح التوجه الجزائري خلال الفترة القادمة، رغم أن الأخيرة حاولت إيصال رسائل عديدة تؤكد من خلالها على الحياد والتعاون مع جميع الأطراف الدولية، إلا أن تعاونها مع موسكو ما يزال يثير حفيظة الغرب.

هناك رغبة جزائرية بأن تكون لاعبا أكثر أهمية على الساحة الدولية والإفريقية على وجه التحديد، لكن حتى الآن لم تجد نفسها في أي موقع الأطراف الدولية، فهي تتقارب مع روسيا وتبرم الاتفاقيات الاقتصادية في مجال الطاقة مع أوروبا، ومؤخرا تسعى لإطلاق مشاريع اقتصادية في دول إفريقية، أما روسيا فهي تستغل الرغبة الجزائرية، وتقدم لها المغريات خاصة في مجال التسليح، طمعا بمكانة الجزائر في شمال إفريقيا، على أمل أن تكون الجزائر بوابة لها لمزيد من التوسع في إفريقيا لا سيما على المستوى الاقتصادي.

الجزائر تواجه كذلك العديد من العقبات أمام تقرير مستقبل علاقاتها مع روسيا، خاصة وأنها أحد أكبر المستفيدين من العقوبات على روسيا، والتي أدت بطبيعة الحال إلى تضاعف الطلب على الغاز الجزائري، وفي وقت ترى الجزائر أن تعزيز علاقاتها مع روسيا يخدم التوازن العالمي القائم على ثنائية القطبية، إلا أنها كذلك قد تدفع ثمن هذا التقارب استعداء الغرب والولايات المتحدة الأميركية وحلفائهم في المنطقة.

حتى الآن لا يبدو أن مزيد من التّقرب الروسي الجزائري يمكن أن يحدث، خاصة مع زيادة مصالح الجزائر مع الدول الأوروبية في مجالات الغاز والطاقة، واستفادتها الاقتصادية الكبيرة من هذه المصالح، كذلك فإن السياسيون في أميركا والغرب يراقبون عن كثب ردود الفعل الجزائري على محاولات روسيا التقارب معها، لذلك فإن الجزائر ستكون حذرة إلى حدّ كبير من التقدم في هذا التقارب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.