العلاقات الأميركية الإسرائيلية مرت مؤخرا بمرحلة من التوتر، حيث برزت خلال الفترة الماضية العديد من التحفظات الإسرائيلية على السياسة الأميركية، خاصة بعد أن وجّهت الأخيرة اهتمامها الأكبر لمواجهة النفوذ الصيني المتنامي، فضلا عن الغزو الروسي لأوكرانيا الذي أخذ الاهتمام الأكبر للولايات المتحدة الأميركية خلال العام الماضي.

منذ عودة بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية، ظهرت العديد من المؤشرات التي تدل على عدم رضا الإدارة الأميركية عن سياسات تل أبيب في العديد من الملفات، بينها ملف التصعيد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين واستخدام القوة، إضافة إلى عدم قناعة واشنطن بالسياسة الإسرائيلية إزاء عمليات الغزو الروسي لأوكرانيا، كذلك كان الملف الإيراني بمثابة مفترق طرق بينهما، فكيف سيكون أثر ملفي إيران وأوكرانيا على العلاقات الثنائية

الملف الإيراني أيضا كان سببا في اختلاف الحليفين الأميركي والإسرائيلي، حيث حاول الجانب الأميركي مواجهة الخطر الإيراني في الشرق الأوسط عبر الطرق الدبلوماسية، وإعادة إحياء الاتفاق النووي الأميركي، الأمر الذي رفضته إسرائيل وهي ترى أن إيران لن تتراجع عن مشاريعها العدائية إلا عن طريق القوة، فأخذت تصعّد بالتهديدات وتحاول إقناع الغرب بضرورة طرح الخيار العسكري ضد طهران.

خلافات متصاعدة؟

مجلة “فورين أفيرز” الأميركية تحدثت في مقال عن الخلافات المتصاعدة بين الحليفين أميركا وإسرائيل، ونقلت عن مدير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي السابق عاموس يادلين، قوله إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لا يمكنه الحصول على كل شيء من الولايات المتحدة بدون تنازلات، “ومن أجل حماية الأمن القومي فعلى إسرائيل تقديم تنازلات وتسويات”.

يادلين وصف المرحلة التي تمرّ بها العلاقات الأميركية الإسرائيلية بـ”أوقات شدة”، على الرغم من متانة العلاقة الثنائية خلال العقود الماضية، لكن اختلاف رؤية نتنياهو مع الإدارة الأميركية الحالية، قد يؤدي إلى بعض التوترات في العلاقة لا سيما فيما يتعلق ببعض ملفات الشرق الأوسط.

خلال العام الماضي، كان الموقف الإسرائيلي من الغزو الروسي لأوكرانيا، من أهم المواقف التي أثارت حفيظة الإدارة الأميركية، خاصة وأن إسرائيل ترددت بتقديم الدعم العسكري إلى القوات الأوكرانية، محاولة بذلك الحفاظ على علاقاتها مع موسكو لاعتبارات عدة، أهمها ملف مواجهتها لإيران.

فإسرائيل تعتقد أن حفاظها على خط موصول مع روسيا سيساعدها في مواجهتها للمخاطر الإيرانية، كما أن هناك تنسيق إسرائيلي روسي مستمر، بشأن العمليات التي تشنها القوات الإسرائيلية ضد مواقع الميليشيات الإيرانية في سوريا، فكان الدعم الإسرائيلي لأوكرانيا والمحور الغربي محدودا إلى حدّ كبير ضد روسيا، لذلك بقيت ممسكة بالعصا من المنتصف في الوقت الذي رغبت فيه واشنطن برؤية موقف واضح من قبل تل أبيب إزاء الغزو الروسي لأوكرانيا.

أسباب التوتر

الباحث المختص بالشؤون الإسرائيلية أيمن الرفاتين، رأى أن الخلافات بين حكومة نتنياهو وإدارة بايدن مؤخرا، تعود إلى تصرفات نتنياهو في منطقة الشرق الأوسط، حيث ترى واشنطن أن تل أبيب غير ملتزمة بالهدوء وتسعى إلى تفجير الوضع في المنطقة، مشيرا إلى أن الخلافات الأخيرة لا تنفي أن واشنطن حريصة على أمن إسرائيل ومستقبلها لأنها تمثل قاعدة متقدمة لها في منطقة الشرق الأوسط،

الرفاتي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “التوترات في حكومة نتنياهو وإدارة بايدن، ترجع إلى تصرفات حكومة نتنياهو في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة في الأراضي الفلسطينية، إضافة إلى سياسة التعامل مع إيران، في وقت تخشى الإدارة الأميركية من أن تؤدي هذه السياسات لتفجر الأوضاع ودخول إسرائيل في مواجهة شاملة”.

الأولويات اختلفت بين الإدارة الأميركية وحكومة نتنياهو، فالأخيرة تسعى بقوة إلى وقف تطور برنامج إيران النووي، وهي مستعدة لفتح حرب شاملة في المنطقة في مقابل وقف أنشطة إيران العدائية، فيما ترى واشنطن أن مواجهة تنامي نفوذ الحزب “الشيوعي” الصيني، ومواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا هي الملفات التي يجب العمل عليها أولا.

الرفاتي أوضح كذلك أن الإدارة الأميركية غير راضية عن العديد من الشخصيات داخل الحكومة الإسرائيلية، “الذين قد لا ينصاعوا للتوجهات الأميركية وسيحاولون دفع الحكومة لحسم الصراع مع الفلسطينيين بالقوة، ما قد يمثل إحراجا للإدارة الاميركية التي تعمل على تحقيق المصالح الإسرائيلية بشكل ناعم، وخطوات هؤلاء المتطرفين تفضح السياسة الأميركية”.

عدم التزام إسرائيل بالهدوء ضمن مناطق الضفة الغربية وفق قمة العقبة التي رعتها أميركا، تراه واشنطن بحسب رؤية الرفاتي، مؤشرا لاحتمالية عدم التزام تل أبيب بمخرجات منتدى “قمة العقبة”، وهذا سيكون له مردود سلبي مع اقتراب عقد  الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول الملف الإيراني، الأمر الذي قد يؤدي إلى تهوّر إسرائيل وتنفيذها ضربة ضد إيران دون الحصول على ضوء أخضر أميركي.

تأثير ملفي إيران وأوكرانيا

التراجع الأميركي في دعم توجهات إسرائيل إزاء الملف النووي الإيراني، فيعود إلى عدة عوامل أبرزها التوجهات الأميركية الخارجية والحرب الروسية الأوكرانية، ومن ناحية ثانية بحسب ما أضاف الرفاتي، “عدم يقين واشنطن من تأثير الضربة التي يمكن لإسرائيل تنفيذها على إيران، إذ إنه لا يوجد يقينٌ من أن هذه الضربة ستؤدي لتدمير البرنامج النووي الإيراني، إضافة لعدم اليقين حول ردة فعل إيران تجاه هذه الضربة، حيث أن هنالك حلفاء لإيران في المنطقة يمكنهم بجانبها تنفيذ ضربة كبيرة على إسرائيل قد تصل إلى حد الخطر الوجودي”.

على الرغم من الاختلاف على طريقة مواجهة الخطر الإيراني، إلا أن واشنطن تولي بالتأكيد أهمية كبيرة لمصلحة إسرائيلية، وبالتالي مواجهة المخاطر الإيرانية، لكن واشنطن تريد تحقيق هذه المصالح بأقل الخسائر، وبالتالي محاولة حل المشاكل دون إشعال المنطقة عبر الحروب المفتوحة.

الباحث المختص في الشؤون الإسرائيلية، أوضح كذلك أن واشنطن تمتلك العديد من أوراق الضغط على تل أبيب لوقف التصعيد الإسرائيلي خلال الفترة المقبلة، “في ظل ضعف موقف حكومة نتنياهو داخليا، وتأثيرات التصعيد في الأراضي الفلسطينية على توجهات دولة الاحتلال لمواجهة ايران، وعليه فإن تدخل واشنطن قد يكون كبيرا خلال الفترة الحالية لمنع التصعيد في الأراضي الفلسطينية”.

قد يهمك: إعاقة الإغاثة الإنسانية لمتضرري الزلزال.. المضاعفات الإيرانية سر اللغز؟

الإدارة الأميركية حريصة على أمن إسرائيل ومستقبلها نظرا لأنها تمثّل قاعدة متقدمة لها في منطقة الشرق الأوسط، وعليه فهي تسعى لضبط تحركات إسرائيل التي قد لا تُدخِل نفسها في معركة تؤدي لخطر وجودي لها أو خطر تراجع مكانتها بشكل كبير في نظر دول منطقة الشرق الأوسط ما يسرّع في انهيارها وانهيار مشروعها في المنطقة.

 ومع ارتفاع مستوى الخطر الإيراني، خاصة فيما يتعلق باقتراب وصول نسبة تخصيب اليورانيوم في إيران إلى 90 بالمئة، بما يسمح لها البدء بإنتاج قنبلة نووية، يبدو أن إسرائيل أصبحت مجبرة على تجاوز الخلافات مع واشنطن وتعزيز علاقاتها معها، للاستفادة إلى أبعد حد من التعاون مع واشنطن للحد من خطر إيران، إما عبر الطرق الدبلوماسية أو عبر مساعدة واشنطن لها بتنفيذ ضربة عسكرية محتملة.

في المقابل فإن واشنطن كذلك تدرس خياراتها لتهدئة المخاوف الإسرائيلية، وطرح أفضل الطرق للحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي، وهنا ربما يجب على إسرائيل بحسب الرفاتي “على الأقل خفض الصراع مع الفلسطينيين ومحاولة تهدئة الأوضاع وتقديم تنازلات لضمان الهدوء مقابل تحرك أميركي مساند لإسرائيل تجاه إيران”.

إذا على الرغم من هذه الخلافات، فإن العلاقات الأميركية الإسرائيلية ليس من السهل أن تصل إلى نقطة اللاعودة، نتيجة قوة التحالف بين الجانبين، فجميع المؤشرات توحي إلى حاجتهما إلى إعادة تعزيز هذا الحلف، لضمان الأمن القومي الإسرائيلي من جهة، وضمان تحقيق المصالح الأميركية عبر تل أبيب من جهة أخرى، لذا فقد نرى خلال الأيام القادمة موقفا واضحا من قِبل تل أبيب إزاء الحرب في أوكرانيا، مقابل تصعيد الجهود الأميركية لمواجهة المخاوف الإسرائيلية لا سيما المتعلقة بتصاعد الخطر الإيراني في الشرق الأوسط.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة