محاولات عربية عدّة شهدتها المرحلة القصيرة الفائتة لإعادة العلاقات مع حكومة دمشق، وهذه المحاولات لا شك أنها لم تأتي في لحظة آنية وعلى إثر وقوع كارثة الزلزال، وإنما يبدو من الواضح أن هذه الدول كانت لديها نوايا وخطط تمهّد لهذه العودة، والزلزال سرّع من هذه الخطوة، ولعل أبرز هذه الدول هي مصر والسعودية، حيث زيارة وزير الخارجية المصري لدمشق، إلى جانب تصريحات وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان، بشأن موقف بلاده من سوريا، وهو ما وصفه مراقبون خطوة باتجاه إعادة النظر في علاقات الرياض مع دمشق.

كذلك، قبل يومين قال فرحان إن زيادة التواصل مع سوريا قد تمهّد الطريق لعودتها إلى “جامعة الدول العربية” بعد عزلة تجاوزت 10 سنوات، لكن من السابق لأوانه في الوقت الحالي مناقشة مثل هذه الخطوة، ما يدل على وجود عراقيل أمام عودة سريعة لدمشق للجامعة. وبالتالي هذا يفتح الباب أمام العديد من التساؤلات حول أبعاد التصريحات السعودية الجديدة، وإذا ما يمكن اعتبار ترجيح وزير الخارجية السعودي بعودة أو احتمالية عودة دمشق إلى “الجامعة العربية” بمثابة دعوة غير مباشرة للحكومة السورية لمراجعة سياساتها الإقليمية وموقفها من الأزمة السورية، فضلا عن إيجاد مقاربة عربية للحل السوري من خلال الحاضنة العربية.

إلى جانب الدلالات السياسية للتوقيت الذي أعلن فيه وزير الخارجية السعودي لهذا التصريح والذي يأتي في أعقاب الزيارة المصرية لسوريا وتركيا، وإذا ما يمكن أن نجد استجابة من الرئيس السوري بشار الأسد، تجاه الدعوات السياسية العربية باستعادته إلى محيطه الحيوي والإقليمي أو كيف سيكون موقفه.

أبعاد التصريحات السعودية

السعودية التي كانت تتخذ موقفا متشددا من الحكومة السورية منذ عام 2011، وقد دعمت المعارضة السورية لفترة ما، إلى جانب أنها كانت ترفض عودة دمشق بشدة إلى محيطها العربي، إلا أنها بدأت مؤخرا تخفّف من لهجتها بشكل كبير في هذا الجانب، إذ لم يستبعد وزير الخارجية السعودي، بن فرحان، يوم الثلاثاء الماضي عودة سوريا إلى “جامعة الدول العربية” بعد عزلة تجاوزت 10 سنوات.

لكن في الوقت ذاته أكد الوزير السعودي بأنه من السابق لأوانه في الوقت الحالي مناقشة مثل هذه الخطوة ما يشير إلى وجود عقبات أمام إعادة العلاقات مع دمشق لا سيما وأن ثمة أطراف عربية لا زالت رافضة لهذا الأمر وعلى رأسها دولة قطر، إذ جددت موقفها الرافض من كل ذلك قبل أيام.

هذا وجدد الوزير السعودي التأكيد على أن الإجماع يتزايد في العالم العربي على أن عزل سوريا لا يُجدي نفعا وأن الحوار مع دمشق ضروري خاصة لمعالجة الوضع الإنساني هناك. وقال للصحفيين في لندن “الحوار من أجل معالجة هذه المخاوف ضروري. وقد يؤدي ذلك في النهاية إلى عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية وما إلى ذلك. لكن في الوقت الحالي أعتقد أن من السابق لأوانه مناقشة هذا الأمر”، وفق وكالة “رويترز“.

فيما يتعلق بدلالات تصريحات بن فرحان، يرى الأكاديمي والكاتب السياسي والأستاذ بجامعة “جورج واشنطن” بأميركا، رضوان زيادة، من خلال حديثه لموقع “الحل نت”، أنه بالتأكيد دعوة وزير الخارجية السعودي ربما تحمل بذورا على التغير في الموقف السعودي تجاه دمشق، لكن من السابق لأوانه كما ذكر هو نفسه، معرفة حجم هذا التغير سيما أن الحكومة السورية وتحديدا شخص بشار الأسد، لا يبدي تفاعلا مع أية جهود دولية أو عربية في هذا الإطار.

قد يهمك: السيناريو الجديد للعالم العربي.. إمكانية فرض عقوبات بعد التطبيع مع دمشق

بن فرحان كان قد أشار خلال جلسة حوارية ضمن “مؤتمر ميونخ” للأمن في شباط/فبراير الماضي إلى أن إجماعا بدأ يتشكل في العالم العربي على أنه لا جدوى من عزل سوريا، وأن الحوار مع دمشق مطلوب “في وقت ما” حتى تتسنى على الأقل معالجة المسائل الإنسانية بما في ذلك عودة اللاجئين.

لا تغيير في سياسة الأسد

سوريا معزولة إلى حدّ بعيد عن بقية العالم العربي في أعقاب حملة دامية شنّتها الحكومة السورية على الاحتجاجات المناهضة لحكم رئيسها بشار الأسد في آذار/مارس 2011، ومنذ ذلك الحين علّقت “الجامعة العربية” عضوية سوريا وسحب العديد من الدول العربية مبعوثيها من دمشق.

قبل عدة سنوات أعادت سلطنة عُمان فتح سفارتها وأعادت سفيرها لدمشق. ومنذ ما يقرب من ثلاثة أعوام، أعادت دولة الإمارات العربية المتحدة والأردن العلاقات مع حكومة دمشق. وصحيح أن أبو ظبي أعادت فتح سفاراتها في دمشق، لكنها لم تُعيد سفيرها بعد.

وقوع الزلزال لعله بمثابة فرصة للأسد، الذي لم يفت على نفسه هذه الفرصة التي تبدو مهمة ولافتة، وراح يستفاد من فيض الدعم والتعاطف العربي في أعقاب الزلزال المدمّر الذي وقع في 6 من شباط/فبراير الماضي، وأودى بحياة الآلاف من السوريين بما فيها مساعدات أرسلتها الرياض عبر بوابة دمشق في بادرة لكسر الجليد في العلاقات بين البلدين.

مما لا شك فيه أن السعودية بهذه التصريحات تبعث برسائل غير مباشرة بشأن عودة سوريا إلى “الجامعة العربية”، وهو ما يدلل أن دمشق أمام طريق مفتوح للعودة إلى الحضن العربي، لكن ذلك يبقى رهن مدى تجاوب الأسد مع مطالب الدول العربية سواء بالنسبة إلى تبعيته لإيران، أو بالنسبة إلى ترتيب تسوية للأزمة الداخلية.

بالعودة إلى الأكاديمي السوري المقيم في واشنطن، فيقول حسب وجهة نظره إن الحكومة السورية وبقيادة الأسد كانت تعتقد دوما أن الوقت يعمل في صالحها ولذلك ستتغير مواقف الدول تجاهها دون أن تكون بحاجة إلى تغيير نهجها القمعي تجاه الشعب السوري، أو حتى جدّيتها على منصات الحوار مع الأطراف المعارضة لوضع حلول وأطر سياسية تفضي لحل الأزمة السورية، التي باتت تقترب لعامها الـ12.

بمعنى أن حكومة دمشق كانت ولا تزال متشبثة بسياستها وعقليتها القديمة تجاه الوضع السوري، وغير جادة في إيجاد أي تسوية أو مقاربة سياسية شاملة ترضي كافة الأطراف في المشهد السوري، حتى وإن أعيدت إلى الحضن العربي، وبالتالي فإن التطبيع العربي لن يغيّر من شيء في سلوك دمشق، وأن ثمة بعض الرغبة والتعهدات الشكلية من قبلها بشأن إحداث تغيير ما في سياستها أمام هذه الدول العربية ولكن في الواقع لن يكون هذا التغير سوى ظاهريا، خاليا من أيّ مضمون أو مفعول.

زيادة يقول إن سياسة الأسد الخارجية التي تعتمد كليا على الدعم الروسي والإيراني، لن تتغير أبدا، حتى ولو تمّ إعادته إلى الحضن العربي. بمعنى أن الدول العربية أما أن يقبلوا بهذه الحقيقة أو سوف يفوّتون على أنفسهم سنوات طويلة وهم يحاولون تغير سلوكه سواء عبر إعادته إلى محيطه الإقليمي أو دعمه سياسيا، إلا أن هذا الأمر كله لن يُجديَ نفعا مع هكذا نظام وعقلية. ومن ثم يمكن وصف هذه المحاولات العربية حول إعادة تعويم الأسد بـ”إضاعة الوقت”، وكله على حساب طاقة الشعب السوري على التّحمل، إذ يتفاقم الوضع المعيشي في سوريا يوما بعد الآخر.

المراقبون يقولون إن الظروف الإنسانية الصعبة، حتى وإن وفّرت الحافز لإنهاء المقاطعة العربية مع دمشق، غير أن الحاجة إلى إيجاد مقاربة أخرى للأزمة في سوريا كانت هي الدافع الرئيسي وراء إنهاء عزلة دمشق عن محيطها العربي، خاصة وأن إيران استغلت الفراغ لتفرض المزيد من النفوذ في البلاد.

فشل “المعارضة السورية”

الرياض كانت من أوائل المبادرين بإغلاق السفارة السورية وطرد سفيرها، عقب قرار “الجامعة العربية” في العام 2012، ورعت مؤتمرات عدة للمعارضة السورية السياسية، وأعلنت مرارا رفضها بقاء الأسد في السلطة وإحياء العلاقات معه.

بالرغم من توقف الجهود الدبلوماسية لإعادة العلاقات، بيد أن هناك توجها سعوديا واضحا لتخفيف الانتقاد لدمشق، في ظل قناعة متزايدة بأن استمرار الأسد أمر واقع، فضلا عن كون المعارضة الحالية أثبتت فشلها في إدارة الصراع بسبب انحرافها عن أهدافها وتحولها إلى أداة بأيدي بعض القوى، وفق مراقبين.

قد يهمك: قادما من مصر.. حسام لوقا يشرف على زيارة خليجية إلى سوريا؟

موقف الأسد واضح، فهو لن يغير من سياسته الخارجية ولن ينفك عن داعميه في قمع الشعب السوري؛ روسيا وإيران، لا سيما وأن الأخيرين يستحوذان بشكل غير مباشر وعبر عدة بوابات، على مناطق واسعة من الجغرافيا السورية. وهذه البوابات إما عن طريق الميليشيات والحاضنة الشعبية التي تتبعها استراتيجية طهران منذ سنوات في سوريا، أو عن طريق الاستثمارات الاقتصادية، كما فعلتها موسكو في الساحل السوري، بالبحر الأبيض المتوسط، وبالتأكيد خروج الأسد من التبعية الثنائية ليس بالأمر السهل أو المتاح، حقيقة.

الموقف السعودي يعكس اهتماما واضحا بوضع خطة جديدة للتعاطي العربي مع الوضع السوري، ويركز على معضلة اللاجئين السوريين جرّاء الحرب السورية الطويلة، وهي سياسية بقدر ما هي إنسانية، زادها الزلزال تفاقما. ويعتقد مراقبون لسائر خطوات الانفتاح العربي على دمشق أن عملية إعادة اللاجئين تحتاج كي تكون فعّالة، إلى خطوات سياسية من دمشق من أجل حماية هذه العودة.

غير أن أمام هذه العودة صعوبات وعقبات جمّة وسط التعقيدات الإقليمية وحتى الدولية المتسارعة، والتي من مظاهرها تصاعد التغلغل الإيراني في أنحاء سوريا، كورقة في يد طهران، بحيث يصعب على دمشق أن تُقبل على تنازلات من دون الأخذ في الاعتبار موقف طهران التي ترهن كل أوراقها لصراعها مع الغرب كما أن دمشق ترهن أي تنازلات أو صفقات بموقف الغرب منها.

في المقابل هناك دول عربية رعت رموزا في المعارضة السورية لسنوات يصعب عليها التخلي عنها من دون ثمن للفريق السوري المعارض، بعد سنوات من الاحتضان، في وقت ينقل العارفون بموقف الحكومة السورية أنها تشعر بـ”الاستفزاز” حين يحدّثها أي فريق عن خطوات لتطبيق القرار الدولي رقم 2254 الذي ينص على قيام حكم انتقالي، ويكتفي بالدعوة إلى تقديم المساعدات الإنسانية عبر بوابة دمشق من دون غيرها.

المرجّح أكثر هو أن المرحلة الراهنة ستشهد العديد من الاتصالات والحوارات على قاعدة عدم طرح شرط الانسحاب الإيراني من سوريا، من أجل التطبيع مع دمشق، والقمة العربية المقبِلة والتي تستضيفها الرياض ستكشف خبايا كل هذه الأمور، من نقلة نحو إعادة دمشق للحضن العربي وتحسّن الوضع السوري وحلحلته ووضعه على أعتاب الخطوات الأولى من الحل السياسي الشامل، أم أن كل هذه الجهود ستذهب سدى.

في الواقع يبدو الاحتمال الأخير هو الوارد بشكل أكبر، إذ لن يكون لتعويم دمشق عربيا أي معنى، ما لم توافق دولة قطر على هذه الخطوة أولا ومن ثم الرفض الغربي وعلى رأسهم الولايات المتحدة، الذين ربما لن يقفوا أمام هذه الخطوة العربية ولكنهم لن يدعموها في الوقت ذاته، ومن ثم لن يرفعوا أي عقوبات على الأسد، وهذا ما سيعقّد المشهد السوري أكثر فأكثر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.