مساعدات الزلزال التي قدمتها المملكة العربية السعودية كشفت عن تغير موقف الرياض تجاه سوريا، حيث جرى تسليم المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية، في مبادرة تمهد الطريق لمزيد من الاتصالات الدبلوماسية المباشرة، حسب ما أورده تقرير لموقع “إنتليجنس أونلاين” الفرنسي.

رئيس إدارة المخابرات العامة السوري حسام لوقا، وحسب تقارير إعلامية قام بزيارة السعودية لبدء عملية التطبيع بين الدولتين في كانون الأول/ديسمبر 2022، لكن استمرار انفتاح العلاقات العربية والدولية مع دمشق عبر وفود رسمية، مهدت لإعادة هذه الزيارة من أجل لقاء رسمي.

السعودية تتمتع بعلاقة طويلة ومعقدة مع سوريا على مدى سنوات عديدة. في الماضي، كان البلدان في كثير من الأحيان على طرفي نقيض في النزاعات الإقليمية، حيث دعمت الرياض القوى المناهضة التي لطالما كانت في صراع مع الحكومة السورية. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، غيرت الرياض موقفها تجاه دمشق، وخففت موقفها المتشدد لصالح نهج أكثر تعاونًا.

انتداب مدير إدارة المخابرات العامة السورية ليكون عراب المصالحة السعودية السورية له عدة معان، خصوصا وأن لوقا مُعاقب من قبل الولايات المتحدة بموجب قانون قيصر منذ أيلول/سبتمبر 2020، بات الشخص المفضل لدى الساحة العربية بعد استضافته في “المنتدى العربي الاستخباري”، الذي أقيم على الأراضي المصرية في التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر 2021.

الحارس الشخصي لوزير الخارجية السعودي

عبر زيارة سرية جرت في 25 شباط/فبراير الفائت، كشفت مصادر دبلوماسية لـ”الحل نت”، وصول حسام لوقا إلى القاهرة قادما من مطار حميميم الذي تتوطن فيه القوات الروسية، للإشراف شخصيا على ترتيب رحلة وزير الخارجية السعودي، فيصل الفرحان، إلى دمشق بعد أن كشفت المساعدات السعودية عن عملية “تطبيع سرية” بين الدولتين.

في القاهرة.. رئيسا مخابرات السعودية السورية إلى جانب بعضهما

زيارة فرحان التي تعد الأولى لمسؤول سعودي رفيع المستوى منذ اندلاع الحرب السورية تطوي صفحات خلاف أزلي، حيث أتاح الزلزال الذي ضرب سوريا للسعودية فرصة للقيام بلفتة في الوقت المناسب تجاه دمشق من خلال تقديم المساعدات الإنسانية، ففي 14 فبراير/شباط الجاري، هبطت طائرات سعودية طارئة من الرياض في مطار حلب الذي تسيطر عليه دمشق، لتسليم مساعدات مركز “الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية”، وهو منظمة غير حكومية يرأسها مستشار الديوان الملكي السعودي عبدالله الربيعة. 

هذه المساعدات تسلمها فارس الشهابي، وهو رجل أعمال مقرب من دوائر الحكم السوري، وعضو بغرفة تجارة وصناعة المدينة السورية. حيث ساهم الشهابي في تسهيل عملية تسليم المساعدات السعودية عبر سيطرته على مطار حلب، الذي أشرف على تجديده. فضلا عن أن السعودية استأجرت شركة “بوشمس” الإماراتية لنقل المساعدات وهي شركة لنقل البضائع جوا، ولديها قدرة على الاستجابة السريعة لطلبات رحلات الشحن.

الكشف عن تنسيق السعودية مع لوقا، جاء بعد تسريب معلومات حول عشرة شروط سعودية لإعادة دمشق إلى الحظيرة العربية، حيث ذكر موقع “المدن”، أنه من بين الشروط المفروضة على الأسد للانتقال إلى التفاوض السياسي، “إطلاق سراح عشرات المعتقلين بما فيهم المعتقلين السياسيين، التفاوض الجدي مع المعارضة، تمهيداً للوصول إلى اتفاق سياسي بموجب القرار 2254، أي الذهاب إلى تعديل دستوري واسع يتضمن تشكيل هيئة انتقالية”. 

أيضا شملت الشروط، “عدم التوقيع على المزيد من الاتفاقات الإستراتيجية، اقتصادياً وعقارياً مع إيران، واتخاذ إجراءات جدية على الحدود السورية الأردنية وإبعاد القوات الإيرانية من تلك المنطقة، بالإضافة للكشف عن معامل تصنيع الكبتاغون وآليات تهريبها وتصديرها إلى الدول العربية، والتفاوض على دخول قوات عربية إلى سوريا تسهم في ضبط الحدود، وتأمين مناطق آمنة حقيقية بإشراف عربي ودولي، لإعادة اللاجئين إلى مدنهم ومناطقهم”.

وصول لوقا للإشراف على ترتيب زيارة الفرحان بطلب رسمي من دائرة المخابرات السعودية، يبدو أنه موافقة شبه رسمية من دمشق على التفاوض رسميا مع الرياض، حيث أتت الزيارة بعد أيام من تصريح وزير الخارجية السعودي خلال “مؤتمر ميونيخ للأمن” وضمن جلسة حوارية، قال فيها إن إجماعا بدأ يتشكل في العالم العربي على أنه لا جدوى من عزل سوريا، وأن الحوار مع دمشق مطلوب في وقت ما، حتى تتسنى على الأقل معالجة المسائل الإنسانية، بما في ذلك عودة اللاجئين. مضيفا؛ سترون أن إجماعا يتزايد ليس فقط بين دول “مجلس التعاون الخليجي” بل في العالم العربي على أن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار.

هل ينجح التطبيع السعودي السوري؟

التحول الكبير الأول بين الرياض ودمشق بدأ في عام 2017 عندما سعت المملكة للتوسط في محادثات مباشرة بين الحكومة السورية وجماعات المعارضة، مما سهل المفاوضات الجارية في المنطقة. وهذا مثل تغييراً هاماً في السياسة وأشار إلى أن الرياض منفتحة على المشاركة في حوار بناء أكثر مع سوريا. منذ ذلك الحين، بحسب الخبير في الأمن القومي والدولي وعلاقات الشرق الأوسط، محمد أيوب، انضمت المملكة علنًا إلى الاعتدال في الحرب السورية، داعية إلى الدبلوماسية والحوار السياسي والحل السلمي للصراع.

بالإضافة إلى ذلك، تشارك المملكة بشكل متزايد في الجهود الدبلوماسية لإعادة بناء الدولة التي مزقتها الصراعات حيث قدمت عشرات الملايين من الدولارات كمساعدات مالية للاجئين السوريين وتشارك في جهود إعادة دمجهم في المجتمع. وبرأي أيوب فإن تصريح وزير الخارجية السعودي مؤخرا يدل على أن الرياض ماضية نحو إقامة علاقات أوثق مع حكومة دمشق، رغم أنها استمرت في التمسك بموقفها الداعي إلى فك الارتباط عن الرئيس بشار الأسد سابقا ولكن حاليا تصر على فك الشراكة مع إيران. 

على مدى السنوات القليلة الماضية، ومنذ اللقاء الاستخباراتي في مصر، سعت الرياض إلى الانخراط مع دمشق في محاولة للحد من التوترات الإقليمية.

في عام 2020، ووفقا لحديث المصادر الدبلوماسية لـ”الحل نت”، اتفقت المملكة والحكومة السورية على فتح قنوات دبلوماسية وأمنية، كانت هذه علامة بارزة في تاريخ العلاقات الثنائية ودلت على رغبة الرياض المتزايدة في التعاون مع الحكومة السورية.

أخيرا سعت المملكة إلى إقامة علاقة أكثر إيجابية مع الشعب السوري من خلال رفع بعض العقوبات وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية إليهم. ولذا بحسب أيوب، شهدت المملكة العربية السعودية تحولًا ملحوظًا في موقفها تجاه سوريا من خلال اتباع نهج تعاوني بشكل متزايد تجاه البلد الذي مزقته الحرب، وأظهرت الرياض استعدادها للتعامل مع الشعب السوري وإعادة بناء البلاد بطريقة سلمية. وهذا التغيير في السياسة هو علامة مشجعة على التقدم نحو مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا لسوريا.

نجم حسام لوقا يصعد عربيا

كان رئيس الأمن القومي ومؤسس جهاز المخابرات السورية علي مملوك غائبا بشكل ملحوظ عن منتدى الاستخبارات العربي، وهو اجتماع أمني إقليمي كبير عقد في القاهرة في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، وأشرف عليه اللواء المصري عباس كامل. لكن غياب مملوك كان لمصالحة حسام لوقا.

حسام لوقا مدير المخابرات السورية

طبقا للتقديرات التي حصل عليها “الحل نت”، فإن جولات حسام لوقا داخل الأواسط العربية، هو تهيئة ليتسلم زمام أمور الأمن الوطني في سوريا بعد عزل علي مملوك، الذي ربما سيلعب دورا محوريا في تشكيل الخارطة السياسية السورية في المستقبل بعد ترقيته لمنصب نائب الأسد للشؤون الأمنية، حيث يتم حاليا بلورة جديدة لقادة الجيش السوري، وتأهيلهم دوليا.

سابقا كان علي مملوك هو الوجه الجديد الذي التقى زعماء وقائدة عسكريين عربيا ودوليا، ثم تلاه في هذه المهمة حسام لوقا الذي عُين مديرا لإدارة المخابرات العامة أو ما يُعرف بأمن الدولة، خلفا للواء ديب زيتون الذي تولى مهام مملوك في الأمن القومي.

من ضمن هذه البلورة التصريح رسميا بزيارة اللواء صلاح الدين كاسر الغانم قائد القوى الجوية وقوات الدفاع إلى إيران في 22 شباط/فبراير الجاري، برفقة اللواء الركن المهندس علي توفيق سمره الذي تسلم منصبه رسميا في 18 شباط/فبراير أي قبل أيام من الزيارة، كمديرا للدفاع الجوي السوري ونائبا للغانم، والتقيا بالعميد محمد رضا آشتياني وزير الدفاع الإيراني، واتفقا على تقوية البنية الدفاعية السورية، دلالة على تهيئة وجودة رسمية لتكون واجهة العلاقات السورية مع المجتمع العربي والدولي.

لكن حيازة لوقا للدعم العربي والخليجي يرجع إلى لقائه بمدير رئاسة المخابرات العامة السعودية، خالد الحميدان، على هامش “منتدى المخابرات العربي”، والذي كان أول لقاء علني بين رئيسي المخابرات منذ عقد على انطلاق الاحتجاجات في سوريا، عندما نبذ المجتمع الدولي الحكومة السورية بسبب مشاركة الجيش والأجهزة الأمنية في قمع المتظاهرين السلميين.

ومع ذلك، قام حميدان  بزيارة دمشق في أيار/مايو 2022 كجزء من محادثات لإعادة فتح السفارة السعودية والتقى حينها بمملوك ولوقا.

حسام لوقا ينحدر من بلدة الخناصر الصغيرة في ريف حلب ، واختار الذهاب إلى الأكاديمية العسكرية ليصبح ضابطا في الجيش. تخرج عام 1984 وعمل في وزارة الداخلية برتبة ملازم أول في حلب. وترقى في صفوف السلك الشرطي وعند ترقيته إلى رتبة عقيد انتقل إلى جهاز الأمن السياسي الذي كان دوره محدودا جدا مقارنة بالمخابرات العسكرية والمخابرات الجوية ومديريات المخابرات العامة. 

قبل نقله إلى دمشق تولى لوقا رئاسة فرع الأمن السياسي في عفرين، وفي عام 2004، في عهد بشار الأسد، تم إرسال لوقا إلى حمص لتولي منصب نائب رئيس فرع الأمن السياسي، ثم رئيسا الفرع فيما بعد. في ذلك الوقت، وبسبب صلة بمحافظ المحافظة إياد غزال، الذي اتهم بالفساد، أعفي لوقا من منصبه وفتح تحقيق في اتهامات بالاختلاس وإهدار المال العام. لكنه أعيد إلى منصبه بسبب علاقاته الجيدة مع رئيس جهاز الأمن السياسي آنذاك  اللواء محمد ديب زيتون.

في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2018، عُيّن لوقا رئيسا لجهاز الأمن السياسي، خلفا للواء محمد رحمون الذي عُيّن وزيرا للداخلية. بعد ذلك، في 7 تموز/يوليو 2019، عُيّن لوقا رئيسا لجهاز المخابرات العامة، خلفا للواء محمد ديب زيتون، ليحل محله اللواء ناصر العلي.

هل تمنح إيران الأسد تنازلات يقدمها للسعودية؟

استمرار الحرب السورية منذ عام 2011، وضعت الحكومة السورية المدعومة من إيران وروسيا، في مواجهة مجموعة متنوعة من المواقف الدولية. كان دعم إيران لدمشق ثابتا، بينما استخدمت السعودية مواردها لمحاولة إحداث تغيير في الخارطة السياسية السورية. 

فيصل بن فرحان يبحث الأزمة اليمنية والسورية في دافوس

لمنع المزيد من التصعيد، تقترح الرياض عبر دبلوماسيها أو الوسطاء الخارجيين المرتبطين بالحكومة السورية سواء من الدول العربية أو حلفاء دمشق باقناع الأخيرة أن تقدم إيران تنازلات للسعودية من أجل تخفيف بعض التوترات. وأبرز تلك المطالب دعم إيران لعملية انتقال سياسي في سوريا، حيث يتم استبدال منظومة الحكم الحالية بنظام أكثر ديمقراطية. وبحسب الرؤية السعودية التي يؤيدها أيوب، فإن هذا سيكون أفضل طريقة للمنطقة للتحرك نحو الاستقرار وحل الحرب الأهلية.

إن احتمال الحصول على تنازلات إيرانية مسألة مشحونة للغاية. لأن طهران ترى بأن مثل هذا التنازل سيكون بمثابة استسلام إيراني، لأنه سيتضمن التخلي عن دعم دمشق وخسارة نفوذها هناك. لذا من الضروري أن تتخذ إيران خطوات من أجل ضمان السلام والاستقرار على المدى الطويل في منطقة الشرق الأوسط. لكن شيء واحد مؤكد بحسب أيوب؛ “إذا أرادت إيران تقديم تنازلات للسعودية، فستحتاج إلى تقديم حجة مقنعة لوكلائها والحاضنة الشعبية حول سبب كون ذلك مفيدًا على المدى الطويل”.

احتمال تقديم تنازلات إيرانية للسعودية معقد ومثير للجدل. ومع ذلك، إذا تم التعامل معها بشكل صحيح، فمن المحتمل أن تكون خطوة كبيرة إلى الأمام في حل الصراع السوري واستئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران ودمشق والمملكة العربية السعودية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.