ما تزال تداعيات كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب مناطق في شمال غربي سوريا الشهر الفائت، ترمي بكامل ثقلها على كاهل العائلات التي فقدت منازلها أو التي تعرض قسم كبير منها لضرر يتوجب إصلاحه، خشية من توسعه نتيجة الهزات الارتدادية التي باتت تشكل مصدر قلق كبير للأهالي.

أعداد النازحين والمتضررين تزايدت، بعد أن فقدت نسبة كبيرة من الأُسر منازلها أو تعرضت لضرر بحاجة إلى إصلاح، ما دفع ببعض العوائل الغير قادرة على تأمين سكن جديد لها، إلى ترميم منازلهم المتضررة، متحملين بذلك عبء كبيرا بالتزامن مع الارتفاع الكبير بأسعار مواد البناء.

تقرير سريع للأضرار في سوريا أصدره “البنك الدولي” في شباط/فبراير الماضي، جاء فيه أن الزلزالي اللذين ضربا تركيا وسوريا، تسببا بأضرار مادية مباشرة في سوريا تُقدر بنحو 5.1 مليارات دولار أميركي. كما قدّر التقرير القيمة الحالية للرصيد الرأسمالي المتضرر والمُدمّر بحوالي 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وقد شملت الأضرار الواسعة النطاق 4 محافظات، يعيش فيها نحو 10 ملايين من سكان البلاد.

أسباب ارتفاع أسعار مواد البناء

ارتفاعا ملحوظا طرأ على أسعار مواد البناء مثل الإسمنت، الحديد، الحجر، القرميد، والرمل، خلال الآونة الأخيرة في مناطق الشمال السوري عقب الزلزال، حيث ارتفع الطن الواحد من الحديد بنسبة 20 بالمئة، ليصبح سعره 725 دولار أميركي، بعد أن كان بـ 625 دولار، والطن الواحد من الإسمنت بنسبة 25 بالمئة حيث أصبح سعره بـ 120 دولار، بعد أن كان بـ 90 دولار، في ظل طلب متزايد عليهما، من قبل متضرري الزلزال الذين تهدمت منازلهم أو تعرضت لضرر جزئي.

الارتفاع الكبير بأسعار الإسمنت في الشمال السوري، أرجعه وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة عبد الحكيم المصري خلال حديثه لـ”الحل نت” بأن مادة الإسمنت كان يتم استيرادها من ولايات أنطاكية وكهرمان مرعش وأديامان جنوبي تركيا، وهذه الولايات كان لها النصيب الأكبر من الزلزال، الذي تسبب بدمار كبير بها طال كل شيء، بما فيها معامل الإسمنت، الأمر الذي تسبب بارتفاع أسعاره في الأسواق حاليا، في ظل الطلب الكبير عليه بهدف الترميم أو إعادة البناء.

قد يهمك: الزلزال المدمّر.. هل يشكل بيئة خصبة للإرهاب في سوريا؟

فيما يخص الحجر والرمل والبحص فمصدره الأراضي السورية من الجبال والمقالع المنتشرة في مناطق ريف حلب الشمالي وريف إدلب، وعلى الرغم من أنه محلي فإن أسعاره مرتفعة، إذ يبلغ سعر الشاحنة التي تحمل 400 كعب من الحجر المخصّص للعمار، 200 دولار، بينما يتراوح سعر المتر المكعب من الرمل الناعم والبحص من 7 إلى 8 دولارات، باختلاف مصدر الرمل والمسافة التي تسيرها الشاحنة، بحسب ما نقله موقع “تلفزيون سوريا” عن صاحب ورشة بناء في الشمال السوري.

ارتفاع أسعار الإسمنت والرمل الأبيض المخصص للبناء، انعكس على أسعار القرميد حيث أصبح سعر الواحدة 0.25 سنتا أميركيا بعدما كان 0.20، كما تسبّب بارتفاع سعر البلاط الذي يُستخدم لأرضيات المنازل، وبلغ سعر المتر المربع منه 3.5 دولارات أميركي بعدما كان بـ3 دولارات.

تكاليف باهضة

الأضرار التي تعرضت لها المنازل في الشمال السوري نتيجة الزلزال، تفاوتت بين شديدة الضرر ومتوسطة الضرر أو ذات ضرر بسيط، لكن جميعها يحتاج إلى تكاليف لترميمها، حتى تصبح آمنة للسكن من جديد، لكن تعجز عوائل كبيرة من بينها أسر نازحة في المنطقة على تحمل نفقات عمليات الترميم.

تصنيفات الضرر تحدّد الكلفة المادية للمنزل المتضرّر، وذلك بحسب تصريح لرئيس “لجنة الهندسة المدنية” في الشمال السوري، سمير بويضاني، لموقع “تلفزيون سوريا”، فالضرر البسيط أي وجود تشققات في الزريقة، وجدران البلوك والحجر تتراوح كلفة الترميم بين 200 و300 دولار، بينما الضرر المتوسط أي خروج بعض العناصر الإنشائية عن الخدمة، وغالبا ما تكون كسر رؤوس ثلاثة أعمدة وسطيا، تتراوح كلفة التدعيم بين 1000 إلى 5000 دولار أميركي.

الضرر الشديد مصيره الهدم، وإعادة بنائه بحسب “الكود السوري” مع إكساء، وتصل الكلفة المالية للمنزل الواحد إلى 18 ألف دولار أميركي، بحسب بويضاني، حيث يشير إلى أن “عمليات الهدم وإزالة الأبنية الطابقية تحتاج إلى مهندسين وخبراء، لأنها تسبّب أخطارا على المنازل والأبنية المجاورة، إضافة إلى أن عمليات الحفر وإزالة الأساسات السابقة بعد ترحيل الأنقاض، ما يعني أن كلفة إعادة بناء المبنى الطابقي باهظة جدا”.

أرقام وإحصائيات

تقرير صادر عن فريق “منسقو استجابة سوريا”، جاء فيه أن أعداد المنازل المدمرة جرّاء الزلزال بلغت 1,314 منزل، مع وجود منازل غير صالحة للسكن، وبحاجة إلى الهدم عددها 14,128 منزل، في حين سجل ظهور التصدعات في 10,833 منزل آخر. التقرير يرصد أيضا أضرارا ضمن 293 منشأة تعليمية في المنطقة أضرارا جزئية وأضرارا متوسطة، وأضرار ضمن 48 منشأة طبية، وأضرارا ضمن 27 من مكاتب المنظمات، إضافة إلى أضرار ضمن منشآت أخرى “أسواق، وحدات سكنية، مساجد…” في 77 منشأة.

أضرار أخرى سجلت ضمن الطرقات الرئيسية والفرعية في المنطقة قدرت بما يقارب 117 كم حتى الآن، في حين يوجد مناطق أخرى لم يتم الوصول إليها بسبب الأنقاض، وإغلاق بعض الطرقات الأخرى، التقرير يوضح بأن عدد المتضررين وصل حتى الآن إلى 965,833 نسمة، ومن المتوقع ازدياد أعداد المتضررين إلى 1.3 مليون نسمة، نتيجة الزيادة الهائلة في أعداد المحتاجين للمساعدات الإنسانية الطارئة.

الخسائر المادية الأولية حتى الآن مع إجراء الحسابات الأولية، وفقا للتقرير تقدر بقيمة 356 مليون دولار أميركيا، وتزداد الأرقام في حال الحسابات الدقيقة، وإكمال إحصاء الأضرار المادية في المنطقة، حيث يتوقع الفريق تعافي المنطقة بنسبة 60 بالمئة بعد ثلاثة سنوات، من الكارثة الأخيرة، وتحتاج إلى 5 سنوات للعودة إلى الوضع الذي كانت عليه ما قبل الكارثة.

المدن البعيدة لها نصيبها من الزلزال

لم تقتصر أضرار الزلزال على المدن السورية المنكوبة فحسب، بل امتدت تبعاته إلى المدن البعيدة، حيث حصل الكثير من التشققات في المنازل خاصة في محافظة طرطوس، إذ إن الكثير من العائلات أصبح لديهم خوف من أن تكون بيوتهم ومنازلهم غير آمنة في حال حصول زلزال فلجؤوا لفحصها وتدعيمها.

عضو لجنة “الكود السوري” وأستاذ البيتون المسلح الدكتور عصام ملحم بين خلال حديثه لصحيفة “تشرين” السورية، أن تدعيم أي عنصر إنشائي في البيوت المتضررة يكلف الملايين، حيث أن بعض الشركات الخاصة رفعت أسعار مواد البناء بشكل كبير بعد حدوث الزلزال، تحت عنوان ارتباط هذه المواد المستوردة بقيمة الليرة. بشكل يعجز الكثير من المواطنين من شرائها، فهم لا يستطيعون أن يتكلفوا أعباء هذه المبالغ إضافة لمأساتهم.

اقرأ أيضا: “أزمة الإيجارات”.. هل اختلف سوق العقارات في سوريا بعد الزلزال؟

هناك قائمة مواد مطلوبة في عمليات ترميم المنازل، وفق ملحم، إذ إن كل ثقب يتم تنفيذه يكلف 15 ألف ليرة سعر مواد فقط، من دون أجور اليد العاملة، وكمثال يشير محلم إلى أن مادة مثل”ايبوكسي” التي تستخدم  لتثبيت الحديد ضمن البيتون، وصل سعر العبوة الواحدة منها إلى 150 ألف ليرة، والمفارقة أنها لا تكفي لإملاء أكثر من 10 -12 ثقبا.

هناك مواد رابطة تستخدم أيضا لدهن السطوح البيتونية القديمة حتى تترابط مع البيتون الجديد المستخدم في التدعيم، بحسب ملحم، وأنه لا غنى عن طلاء السطوح البيتونية بمواد رابطة، لكن سعر اللتر الواحد من هذه المادة يتراوح بين 40- 60 ألف ليرة حسب كثافة المادة، كما أن سعر المتر الواحد من المواد التي يجب استخدامها لعزل الحديد أو دهانه ليكون مقاوم لتأثير الصدأ خاصة في المناطق الساحلية، وصل إلى 220- 250 ألف ليرة. وهذه أرقام مرتفعة جدا، وليست بمتناول غالبية السكان.

قائمة طويلة من المواد الخاصة التي يجب أن تستخدم أثناء عمليات الترميم والتدعيم، لكي يكون التدعيم فعالا ويزيد من متانة العناصر التي يتم تدعيمها، وفق ملحم، وكل من يمتلك الخبرة في هذا المجال يعرف أنه من دونها يكون التدعيم محض هراء ولا يوجد أي فعالية له، وتكون النتيجة هدر أموال بلا فعالية في تدعيم هذه العناصر.

عدم حل هذه المشكلة سيضع الناس أمام خيارين أحلاهما سيئ، من وجهة نظر ملحم، إما اللجوء إلى طرق ترميم غير صحيحة لتوفير المواد، وتخفيض التكلفة وبالتالي لن يكون الترميم ناجحا وصحيحا، وإذا كان الترميم سيتم وفق المواصفات والدراسات، فليست التكاليف بمتناول الأغلبية من الناس، وبالتالي هم في موقع وحالة عدم الأمان والخطر، خاصة للمنشآت الساحلية لاقترابها من مركز الزلزال وبنفس الوقت التأثير الملحوظ للرطوبة الذي يضاعف عليها السلبيات.

لذلك يقترح ملحم تخفيض نسبة الجمارك على هذه المواد، أو اعفاءها لفترة معينة على اعتبارها تستخدم للترميم والتدعيم بعد الزلزال، وإذا لم يكن هناك إمكانية للإعفاء الكامل، فليتم تخفيف نسبة الجمارك، وكذلك أن تقوم الحكومة بتقديم التسهيلات لتأمين هذه المواد، أو أن تشارك وتساهم باستيرادها عبر شركات القطاع العام وتسويقها.

إضافة إلى ما سبق يجب إيجاد صيغة للتجار بتخفيض نسب أرباحهم في مثل هذه الحالات، للتخفيف من الأعباء على المتضررين، ليتمكنوا من القيام بأعمال الترميم والتدعيم والحفاظ على سلامة المباني، لأن الهزات الارتدادية نتيجة الزلزال الذي حصل قد تستمر لعدة أشهر ولا أحد يعرف كم تكون شدة تلك الهزات.

ليست جديدة

مشاكل الإسكان والتعمير هي موجودة في سوريا من قبل كارثة الزلزال الأخيرة، ولكن ظهرت آثارها بشكل جلي أكثر بعدها، بحسب حديث المحلل الاقتصادي فراس شعبو لـ”الحل نت”، يرتبط ذلك بعدة عوامل منها الارتفاع العالمي للأسعار بشكل عام، وارتفاع تكاليف الشحن في العالم أيضا، إلى جانب انخفاض قيمة الليرة السورية الذي ساهم بشكل كبير في ارتفاع أسعار مواد البناء وغيرها.

ازدياد تكاليف النقل في الداخل السوري، والاحتكار لبعض السلع والمواد واستيرادها لفئة معينة، وتعقيدات الاستيراد لمواد البناء، تزيد أيضا في تكاليف العقارات، وفق شعبو، كل ذلك ينعكس على المستهلك والوضع المعيشي والوضع الاقتصادي، فاليوم أسعار مواد البناء وأسعار العقارات ارتفعت بشكل جنوني في سوريا، ففي بعض الأحيان تجاوزت تغيرات أسعار الصرف كثيرا، نتيجة ارتفاع التكاليف الحقيقية.

بناء منزل في سوريا اليوم، بحسب شعبو يحتاج لتكلفة كبيرة، نتيجة عدم وجود المواد والاحتياجات الأساسية وعدم توفر اليد العاملة، لعملية البناء، وبالتالي الموضوع مكلف تماما، حيث أصبح الحصول على منزل بمثابة حلم للمواطن السوري، حتى ولو كان في أي منطقة سواء نائية أم عشوائية، على حد تعبيره، فالفكرة ليست بالمكان، بل بالمنزل وتكاليف إنشائه.

الحكومة السورية حاولت في فترة من الفترات أن تنشأ قروضا، ولكن هذه القروض لا تشمل المتضررين، بحسب مراقبون، فالمتضررين هم فئة ضعيفة في المجتمع وفئة متهالكة اقتصاديا، في الوقت الذي يعيش 90 بالمئة من السوريين تحت خط الفقر، وبالتالي تلك القروض لديها شروط وضمانات وحد أدنى من الدخل يجب أن يتحقق، ومعظم المتضررين من الزلازل في الداخل السوري، أصبحوا تحت خط الفقر، وبالتالي هذه القروض موجهة لفئة معينة ليست هي المتضررة، وليست هي المحتاجة وليست هي التي ينبغي على الدولة دعمها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.