بعد تحقيق الدول العربية خطوات هامة في ملف التقارب مع الحكومة السورية، عاد الحديث عن مستقبل الضربات الإسرائيلية على الأراضي السورية، وموقف الدول العربية من هذه الهجمات المستمرة منذ سنوات، خاصة في ظل استمرار التمدد الإيراني بسوريا.

بعض المسؤولين العرب كانوا قد أدانوا الهجمات الإسرائيلية على سوريا في مناسبات عدة، ما يطرح التساؤلات حول مساهمة التقارب العربي مع دمشق، في الحد من هذه الهجمات، أو أن تلاقي الأهداف الاستراتيجية بين العرب وإسرائيل، قد يعزز هذه الأهداف أو يؤدي إلى تعاون محتمل من شأنه تقليص حجم الميليشيات الإيرانية من سوريا.

إسرائيل أكدت بدورها أنها لن توقف الهجمات في سوريا، في رسالة ربما إلى الدول العربية والحكومة السورية، بأن تحقيق مزيد من خطوات التقارب، لن يؤثر على الأهداف الإسرائيلية في سوريا، خاصة فيما يتعلق بملاحقة النفوذ الإيراني ومنع تمدده في سوريا والمنطقة عموما.

رسالة إسرائيلية للأسد

رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي، وجّه الثلاثاء رسالة إلى الرئيس السوري بشار الأسد، حيث أشار في تصريحات نقلتها صحيفة “إسرائيل اليوم” الإسرائيلية، إلى أن ” كل دولة تمسكت بإيران في السنوات الأخيرة قد فشلت وتفشل بلا مستقبل”، مشيرا إلى أن “الطلقة الأخير في الحرب السورية لم تُطلق بعد” في إشارة إلى استمرار الهجمات الإسرائيلية طالما بقي النفوذ الإيراني بسوريا.

رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليف (إسرائيل اليوم)

التقارب العربي مع دمشق، لا يبدو أنه سيحدث تغييرا في طريقة تعاطي إسرائيل مع ملف التمدد الإيراني في سوريا، لكنه يمكن أن يكون سببا في مزيد من التقارب العربي الإسرائيلي، من بوابة العمل على نفس الهدف، خاصة وأن الملف الإيراني، يُعد من أبرز أسباب عودة العلاقات العربية مع دمشق.

وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، تحدث عن تأثير التقارب العربي مع دمشق، على الاستراتيجية الإسرائيلية، وقال إن عودة الرئيس السوري بشار الأسد إلى الجامعة العربية، “لن تمنحه حصانة من الهجمات الإسرائيلية”، حيث أكد أن الهجمات على المواقع الإيرانية ستستمر طالما أن وكلاء إيران يتحركون على الأراضي السورية.

قد يهمك: إقالة شمخاني.. كيف تنعكس على النظام الإيراني وملفه النووي؟

حتى الآن لا يبدو أن شكل العلاقات في الشرق الأوسط تبلور بشكل نهائي، خاصة فيما يتعلق بملف التعاطي الإسرائيلي مع الملف الإيراني في المنطقة، فبعد عودة العلاقات بين المملكة العربية السعودية وسوريا، وقيادة الرياض لملف التقارب مع دمشق، يبدو أن العديد من قواعد اللعبة ستتغير في المنطقة خلال الفترة القادمة.

تعاون بين الدول العربية وإسرائيل؟

التعاون العربي الإسرائيلي أصبح أقرب الآن، بعد العودة شبه المؤكدة لدمشق إلى الدائرة العربية، ما يعني أن مزيدا من التطبيع العربي مع إسرائيل قد نشهده خلال الفترة القادمة، بهدف وضع خطط واستراتيجيات مشتركة من أجل إبعاد النفوذ الإيراني، لكن ربما التحدي الأبرز يكمن في قدرة دمشق على التعاون مع هذا المحور.

الباحث المختص في الشؤون الإسرائيلية وجدان عبد الرحمن، رأى أن التقارب العربي مع دمشق لن يؤثر على الأهداف الاستراتيجية لأسرائيل في سوريا، مشيرا إلى أن الدول العربية لها مصلحة في استمرار هذه الضربات، على الرغم من إدانة بعض الدول بين الفينة والأخرى لهذه الهجمات كونها تنفّذ من قبل القوات الإسرائيلية.

عبد الرحمن قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “إسرائيل والدول العربية، لديهما مصلحة بإخراج إيران أو إبعادها من التدخل في الشأن السوري، لذلك قد تدين الدول العربية الهجمات الإسرائيلية على سوريا لكن، واقع الأمر يصب في مصلحتهم، خاصة وأن القصف يستهدف المواقع الإيرانية، حيث أن إيران احتلت أجزاءً كبيرة في سوريا وهيمنت عليها بفضل المعسكرات والميليشيات الموالية لها”.

لذلك، فإن الاستهداف الإسرائيلي الموجه بشكل مباشر للمواقع الإيرانية، يلقى ترحيبا ضمنيا من قبل الدول العربية، التي تسعى لمواجهة المشاريع الإيرانية في سوريا والمنطقة.

فيما يتعلق بزيادة وتيرة التصريحات الإسرائيلية حول تكثيف الهجمات في سوريا، فإن عبد الرحمن استبعد أن يكون لذلك علاقة في تحقيق خطوات هامة على صعيد عودة دمشق إلى الدائرة العربية، حيث إن هذا التهديد مرتبط أكثر بزيادة تحركات الأذرع الإيرانية مؤخرا في سوريا ولبنان وفلسطين، إضافة إلى التطورات الأخيرة المتعلقة بالملف النووي الإيراني.

إبعاد إيران من سوريا، لا شك أنه يشكل نقطة تلاقي مهمة بين الدول العربية وإسرائيل، لكن عبد الرحمن أكد أن إيران لن تتنازل وتقلص وجودها على الأراضي السورية، الأمر الذي لن يحقق الأمن والاستقرار في البلاد، خاصة في ظل السيطرة الإيرانية على العديد من المواقع الهامة، فضلا عن سيطرة طهران على القرار السياسي لدمشق.

زيادة الهيمنة الإيرانية

حول ذلك أضاف، “إيران هيمنت بشكل كبير ليس فقط على مواقع عسكرية، وإنما أيضا على القرار السياسي السوري وإن كان بشكل غير معلن، إضافة إلى دعم إيران لشقيق بشار الأسد ليكون ورقة ضغط بيد النظام الإيراني في حال غير بشار الأسد مساره. من المستبعد أن تخرج إيران من سوريا خاصة وأن النظام الإيراني لديه استراتيجية الوصول إلى البحر المتوسط وقد رسمها عبر حزب الله اللبناني والعراقي وحزب الله السوري غير المعلن”.

عودة دمشق إلى الجامعة العربية، قد تمثّل عامل تفاؤل للعديد من الدول في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما المملكة العربية السعودية التي بذلت جهودا للوصول إلى هذه المرحلة. وهي الدولة التي تسعى لتقديم نفسها كشريك إقليمي فاعل وله دور في نشر الأمن والاستقرار في المنطقة، لكن هذا التفاؤل يواجهه بالتأكيد تحديات عديدة تتعلق بما يمكن أن يقدّمه الأسد للعرب خلال الفترة القادمة.

قد يهمك: شروط غربية لاستمرار التقارب مع دمشق.. هل تعرقل الجهود العربية؟

عودة سوريا إلى المحيط العربي، يعني اجتماع العرب بطريقة أو بأخرى لمواجهة الأخطبوط الإيراني داخل سوريا، خاصة في ظل وجود بعض الخلافات بين طهران ودمشق، حيث أن الأخيرة لا تمانع التمدد الإيراني في سوريا والهيمنة الاقتصادية، لكن بنفس الوقت تعترض على هيمنة طهران على القرار السياسي في سوريا، وهنا تكمن نقطة الخلاف.

هناك رغبة عربية في ضمان استقرار منطقة الشرق الأوسط، وذلك عبر ضمان عدم التصعيد في سوريا، وهي المنطقة الأكثر عرضة لاحتمالية اندلاع التصعيد العسكري، والسعي لدعم جهود الحل السياسي للأزمة، هذا فضلا عن الرغبة بمحاولة كبح جماح النفوذ الإيراني، الذي تمدّد كثيرا خلال السنوات التي قطعت فيها الدول العربية علاقاتها مع دمشق.

بيد أن الجهود العربية لإعادة دمشق إلى الحضن العربي، دفعت إيران إلى الإسراع في التوغل في مختلف القطاعات السورية، وذلك في محاولة لتثبيت نفوذها وجعل قضية كبح الجماح الإيراني في البلاد أمرا يصعب على الدول العربية تحقيقه بدون الاتفاق مع طهران وليس الاتفاق مع دمشق.

كذلك تسعى طهران إلى استغلال تغوّلها العسكري ومساهمتها العسكرية في الحفاظ على سلطة دمشق، لانتزاع أكبر قدر من التنازلات من قبل الحكومة السورية، وذلك لإضفاء نوع من الشرعية على وجودها، وتقوية موقفها أمام أي منافسة سواء كانت إقليمية أو دولية في سوريا.

على الجانب المقابل لا يبدو أن القيادة السورية، لديها الإمكانيات لتقديم ما يتطلع إليه العرب، فقد فشل العرب نفسهم قبل سنوات في الحصول على أية وعود من دمشق تتعلق بوقف تمدّد النفوذ الإيراني مقابل تحقيق التقارب، هذا فضلا عن أن قرارا من هذا النوع لا يمكن له أن يُصدر من دمشق بإرادة قياداتها.

هناك تقاطع وتناقض كبير بين الرغبة في ضمان أمن واستقرار المنطقة، وبين مواجهة النفوذ الإيراني، إذ يبدو أن إسرائيل لن تقبل أبدا بوقف هجماتها في سوريا في ظل استمرار الوجود الإيراني، في وقت أن الأخير لن يقبل كذلك بالانسحاب أو تقليص وجوده في البلاد، فهل تتجه الأمور نحو التصعيد العربي الإسرائيلي ضد إيران، أم يتجه الجميع إلى سياسة غض الطرف مقابل ضمان  عدم استمرار التمدد الإيراني في سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات