تحقيق أمن الطاقة في مصر يعد أمرًا حيويًا لحماية الأمن القومي للدولة، في وقت تعيش فيه البلاد تحديين رئيسيين، الأول، الارتفاع المستمر في الطلب على موارد الطاقة، الثاني تزايد عدد السكان، فضلاً عن عملية التنمية التي طرحتها الحكومة المتمثلة بعدة مشاريع كبرى كبناء المدينة الإدارية الجديدة التي أثير الجدل حولها بشكل كبير. 

لإنجاز عملية التنمية الشاملة في مصر لابد للدولة أولاً من تحقيق مستوى متقدم من أمن الطاقة، بحيث يكون قادراً على تلبية الاحتياجات لكافة قطاعات الدولة الزراعية، والخدمية، والإنتاجية في ظل الواقع الحالي من الإمكانيات التقنية، والطبيعية، والسياسية، والاقتصادية التي تعيشها البلاد. 

لكن هل واقع موارد الطاقة في مصر تسمح بذلك، وما العقبات والتحديات التي تواجه الدولة في تحقيق مستوى عالٍ من أمن طاقة، وبناءً عليه كيف هو مستقبل أمن الطاقة في مصر. 

مصادر الطاقة الأحفورية “البترول والغاز”

المصادر المشتقة من الوقود الأحفوري البترول والغاز تلبي ما يقرب من 90 بالمئة من إجمالي استهلاك مصر للطاقة، فيما تشكل مصادر الطاقة المتجددة بحوالي 5 بالمئة من الاستهلاك العام للطاقة، ولا تستخدم مصر الفحم الحجري في عملية توليد الطاقة.

ووفقًا لمجلة “النفط والغاز”، فإن مصر تمتلك احتياطيات نفطية مؤكدة تبلغ 3.3 مليار برميل بحسب إحصائيات عام 2021، فيما بلغ متوسط الإنتاج اليومي في العام ذاته بما يقدر بـ 660 ألف برميل. وتستورد يوميا حوالي 127 ألف برميل من النفط الخام والمكثفات، غالبيتها تأتي من دول الخليج العربي. 

فيما تمتلك مصر 63 تريليون قدم مكعب من احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة بحسب إحصائيات عام 2021. وصدرت مصر حوالي 64 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي المسال في عام 2020، وفقًا لتقديرات التي قدمتها المراجعة الإحصائية للطاقة العالمية لعام 2021 لشركة “بريتيش بتروليوم”، حيث صدر جزء كبير من الغاز الطبيعي المسال إلى دول في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، إلى باكستان والصين وتايوان باعتبارهم أكبر ثلاثة مستوردين. 

كما استوردت المملكة المتحدة حوالي 6 مليار قدم مكعب أو 10 بالمئة من إجمالي صادرات مصر في عام 2020. وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا وارتفاع أسعار الغاز في السوق الأوروبية، حولت الحكومة المصرية تشغيل المحطات الحرارية المنتجة للكهرباء من الغاز إلى الوقود البديل، لتقوم بتصدير الغاز إلى السوق الأوروبية بعدما ارتفع سعر المليون وحدة حرارية بريطانية من 5 دولار إلى 70 دولار في بعض الدول الأوروبية. ونجحت مصر في كسب 3 مليار دولار من تصدير الغاز خلال نصف السنة من عام 2022، في وقت يعاني فيه الاقتصاد المصري من انخفاض في كافة مؤشراته. 

على مستوى البنية التحتية يوجد في مصر اثنين من خطوط أنابيب الغاز: الأول، خط الغاز العربي “أي جي بي” يمتد من العريش بمصر ويتصل بالحكومة الإسرائيلية والأردن وسوريا، وتبلغ طاقته المعلن عنها 234 مليار قدم مكعب سنويًا، وتصدر مصر من خلاله الغاز الطبيعي إلى الأردن بمعدل يتراوح بين 26 و 44 مليار قدم مكعب سنويًا.

أما الخط الثاني، فهو خط أنابيب شرق البحر المتوسط للغاز “إي إم جي” الذي يمتد من عسقلان في إسرائيل إلى العريش في مصر، وتبلغ سعة خط الأنابيب حوالي 318 مليار قدم مكعب وينقل الغاز الطبيعي من الحقول البحرية الإسرائيلية إلى مصر للاستهلاك المحلي أو التصدير.

فيما يتعلق بتسييل الغاز الطبيعي تمتلك مصر حاليًا منشأتين لتصدير الغاز الطبيعي المسال، وهما مصنع الغاز الطبيعي المسال التابع لشركة الغاز الإسبانية المصرية، ومنشأة الغاز الطبيعي المسال المصرية.

مصادر الطاقة المتجددة 

الطاقة الكهرومائية، هي ثالث أكبر مصدر للطاقة في مصر بعد المصادر المشتقة من الوقود الأحفوري. وتأتي معظم الطاقة الكهرومائية في البلاد من السد العالي في أسوان وسدود خزان أسوان عبر نهر النيل.

خطط إثيوبيا لبناء سد النهضة الكبير الذي تبلغ سعته 5.2 جيجاوات على نهر النيل الأزرق، أثارت مخاوف بشأن نقص المياه في السد العالي في أسوان وتأثيراته على الصناعات التي تعتمد على نهر النيل كمصدر للمياه في مصر. 

الطاقة الشمسية والرياح، وفقًا لإدارة “التجارة الدولية” طورت مصر سلسلة من مزارع الرياح على نطاق واسع في العقدين الماضيين، بقدرة إجمالية تبلغ 1.2 جيجاوات، وتخطط لتطوير مشروعات إضافية لطاقة الرياح في خليج السويس ومنطقة ضفاف النيل. وتخصيص ما يقرب من 4900 ميل مربع لإنشاء مزارع الرياح. 

في آب/أغسطس 2020، منحت الحكومة عقدًا لشركة “فيستاس” لأنظمة الرياح، لبناء مزرعة رياح بقدرة 250 ميجاوات في خليج السويس، ومن المتوقع بحسب الشركة المنفذة الانتهاء من تنفيذ المشروع في عام 2023. 

فيما يتعلق بإنتاج الطاقة الشمسية، تم تأسيس مزارع الطاقة الشمسية في منطقة الصحراء الغربية في عام 2019، وتبلغ طاقتها الإجمالية حوالي 1.7 جيجاوات. وقد تم تمويل المشروع والذي كلف 653 مليون دولار من قبل “البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير”. 

الطاقة النووية، مصر ليس لديها طاقة نووية تجارية لكنها تسعى لإضافة الطاقة النووية إلى مزيج الطاقة لديها. فقد وقعت الحكومة المصرية اتفاقية مبدئية مع شركة “روساتوم” النووية الروسية لبناء وتشغيل أول محطة طاقة نووية تجارية مصرية في منطقة الضبعة. ومع ذلك، فقد تأخر إنشاء المحطة، ومن غير المعروف متى سيتم العمل على بنائها. 

تجارة الطاقة والعبور في مصر

مصر تلعب دورًا مركزيًا في نقل النفط الخام والغاز المسال من مراكز الإنتاج في دول الخليج العربي عبر قناة السويس التي تربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط ومنه إلى السوق الدولية. وتعتبر الرسوم المالية التي تحصلها الحكومة إيرادات مهمة لرفد خزينة الدولة. 

يوازي قناة السويس خط “أنابيب السويس-البحر الأبيض المتوسط” (سوميد)، الذي يربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط، حيث تم بناؤه كطريق بديل ومكمل للقناة، وترجع ملكيته لشركة خطوط أنابيب البترول العربية، وهو مشروع مشترك بين مصر والمملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر. 

طول الخط يقدر بـ 320 كيلومترًا من محطة العين السخنة على خليج السويس إلى محطة سيدي كرير البحرية بالقرب من الإسكندرية، وتبلغ الطاقة الإجمالية لخط “سوميد” 2.34 مليون برميل في اليوم. 

تم تأسيس الخط تحوطاً من توقف عمل قناة السويس لأي سبب من الأسباب لينقل خط النفط من سواحل البحر الأحمر إلى سواحل البحر المتوسط.  الأمر الذي سمح لمصر بلعب دور مهم في التجارة العالمية للنفط الخام والغاز الطبيعي. 

التحديات الرئيسية لأمن الطاقة في مصر

يمكن تلخيص التحديات التي تواجه أمن الطاقة في مصر على الشكل التالي: 

●          بحسب المعطيات فإن مزيج استهلاك الطاقة في مصر ليس متنوعًا، لأنها تعتمد بشكل أساسي على النفط والغاز الطبيعي بأكثر من 90 بالمئة من إجمالي الاستهلاك العام، مع عدم تطوير مصادر الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية، والرياح، والطاقة الحرارية الأرضية)، وتركيز كافة المشاريع على قطاع الغاز، وهذا يعد أحد نقاط الضعف في أمن الطاقة في مصر. 

●          تزايد التعداد السكاني بشكل واسع، الأمر الذي يخلق ضغطاً أكبر على الدولة لتوفير موارد الطاقة. 

●          الاعتماد على الشركات الأجنبية بشكل كبير فيما يتعلق بعمليات الحفر والإنتاج والتطوير. 

●          على افتراض أن الوضع الحالي سيظل كما هو، من المتوقع أن تنضب موارد النفط تمامًا بحلول عام 2029، وسيكون الغاز الطبيعي المصدر الوحيد لاستهلاك الطاقة.

في النتيجة يواجه قطاع الطاقة في مصر حاليًا مجموعة متنوعة من التحديات. يظهر هذا بشكل أساسي في تحقيق التوازن بين الإنتاج والاستهلاك المحلي للنفط وعائدات التصدير، علاوة على اعتماد مصر بشكل شبه كامل في الطاقة على الغاز والنفط. 

وبحسب المعطيات لم تستثمر مصر في إنتاج الطاقات المتجددة، على الرغم من توافر مصادرها، المتمثلة بالطاقة الشمسية، والطاقة الجوفية الحرارية، وطاقة الرياح. وهذا يعتبر نقطة ضعف على المدى الطويل، لأن إنتاج الطاقات المتجددة يخفف من العبء على خزينة الدولة، كما يحقق الاعتماد على الطاقات المتجددة تخفيف انبعاثات الكربون. وتحتاج مصر لموارد مالية ضخمة لتطوير قطاع الطاقة بشكل عام وقطاع الطاقات المتجددة بشكل خاص.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.