العلاقات العراقية المصرية لم تكن وليدة التاريخ الحديث والمعاصر وإنما كانت موجودة في التاريخ القديم والوسيط، وقد شهدت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين اللذين كانا من المؤسسين لـ”جامعة الدول العربية” في أربعينيات القرن الماضي تاريخا كبيرا، حيث عقدت بين البلدين العديد من الاتفاقيات الاقتصادية مثل “السوق العربية المشتركة” والاتفاقيات العسكرية مثل “مشروع الوحدة الثلاثية” و”اتفاقية الدفاع المشترك”.

تقارب كبير بين البلدين، حدث منذ تولي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم في عام 2014، حيث أكدت القيادة السياسية في القاهرة دعمها العراق للخروج من أزماته، التي عانى منها لسنوات طوال جراء انتشار الجماعات الإرهابية.

الرئيس السيسي، خلال “قمة بغداد 2” والتي عقدت في الأردن في 2022، قام بتهنئة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني على توليه منصبه، وهنأ الشعب العراقي على استكمال الاستحقاقات الدستورية، مما يفتح المجال للانطلاق نحو المستقبل.

انعكاسات زيارة السوداني للقاهرة

في زيارة تستهدف بالأساس عقد لقاءات مع المسؤولين المصريين لبحث مختلف جوانب العلاقات الثنائية، ومتقرحات تعزيزها، فيما في ذلك آلية التعاون الثلاثي بين العراق ومصر والأردن، وصل رئيس الوزراء العراقي إلى القاهرة صباح الأحد 5 آذار/مارس 2023.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتمع مع السوداني بقصر الاتحادية، لمناقشة سبل تعزيز العلاقات بين القاهرة وبغداد، وفق ما صرح المتحدث باسم الرئاسة المصرية. حيث تحدث السوداني خلال اللقاء عن العلاقات الأخوية التي تربط بين الشعبين المصري والعراقي، وتطور مسار التعاون المشترك على مختلف الصعد والمجالات، ورغبة بغداد بالعمل على تطوير العلاقات، ورفع مستوى التبادل التجاري، وتفعيل اللجان المشتركة بين البلدين إلى مستوى التنفيذ، وفقا لموقع “ناس” العراقي. 

قد يهمك: توقعات بوساطة عراقية بين طهران والقاهرة

رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، تحدث أيضا عن أهمية العمل والتعاون الثنائي بين البلدين لمواجهة آثار الأزمات والتحديات المختلفة التي يشهدها العالم، وعن رغبة الحكومة المصرية باتخاذ خطوات تنفيذية جادّة، وعمل ملموس، فيما يخص التعاون بين البلدين، عبر توقيع مذكرات تفاهم في مجالات الاقتصاد والتجارة. 

الجانب العراقي أعرب عن الانفتاح نحو تعزيز أطر التعاون الثنائي مع جمهورية مصر العربية، ودراسة توقيع عدد من الاتفاقيات المشتركة خلال أعمال “اللجنة العليا المشتركة”، المقرّر عقدها خلال شهر أيار/مايو أو حزيران/يونيو القادمين. 

قد تكون زيارة السوداني إلى مصر مفصلية في معادلات التوازن السياسي للعراق من حيث علاقاته الخارجية بجواره العربي وغير العربي، مصر دولة مهمة ومحورية في العلاقات العربية العربية، فضلا عن كونها حققت تقدما في مجالات الطاقة والصناعة وتطوير الأمن الغذائي، هناك اتفاقات حيوية بين بغداد والقاهرة على مستويات عدة، ويبدو أن الحكومات السابقة أهملتها إما بتأثيرات سياسية، أو بقلة خبرة في إدارة العلاقات الدولية، بحسب حديث الصحفي والمحلل السياسي محمود جمعة لـ”الحل نت”.

انعكاسات الزيارة على العراق ومصر

العراق يمتلك في الوقت الحالي مؤهلات اقتصادية ومالية للاستثمار وتطويره، بحسب جمعة، ورغم أن زيارة السوداني إلى مصر لم تُفصح عن نتائج عملية، فإنها بحثت العلاقات الثنائية، وتحيل هذه اللغة الدبلوماسية أو المستوى من الخطاب السياسي، إلى وجود رسائل أبعد من ذلك، لأنه يبحث عن استقرار أمني وسياسي مدعوم بإصرار عربي وخليجي تحديدا على إعادته إلى محيطه العربي، وتخليصه من التبعية الإيرانية التي رسمتها طهران، ونفّذها سياسيو العراق الموالون لها، وفق تعبيره.

 العزلة العربية التي عاشها العراق منذ 2003 حتى الآن لا تصب في مصلحة الخليج والعرب، لأنه بلد محوري واستراتيجي، اضطرابه السياسي والأمني لن يجعل جيرانه في مأمن من المشاكل، بحسب ما يراه جمعة.

الزيارة لم تُعلن التوصل إلى بروتوكولات أو اتفاقيات أو جدول أعمال لاحق، لكنها لا شك تضمّنت رسائل سياسية تتعلق بدور العراق في المنطقة، وفقا لحديث جمعة، حيث أخذ قبل سنوات قليلة يلعب دور الوسيط بين طهران والرياض لتقريب وجهات النظر بين الطرفين وتقليل الأضرار التي تلحق به جراء الخلافات المتصاعدة، اليوم يمكن أن يكون وسيطا أيضا بين القاهرة وطهران، أو القاهرة وأنقرة، بالتزامن مع مساع خفية ومعلنة لتطبيع العلاقات بين مصر وتركيا.

العلاقات الاقتصادية بين البلدين

العلاقات الاقتصادية والتجارية بين العراق ومصر، تتميز بتعدد مجالاتها وتوافر إمكانية تطويرها مستقبلا، حيث هناك إمكانية متاحة تتمثل بحالة التنوع الذي يمتاز بها اقتصاد البلدين تساهم في النهوض بهذه العلاقات وبالتبادل التجاري والاستثمار الصناعي والزراعي والطاقة والسياحة والبناء والتشييد وغيرها، وتنظم هذه العلاقات اتفاقات ثنائية ومتعددة الأطراف تتمثل بـ”البروتوكول التنفيذي الثنائي” ومنطقة “التجارة الحرة العربية الكبرى” أو في أطار النطاق الإسلامي ممثلا بـ”منظمة المؤتمر الإسلامي”.

اقرأ أيضا: اتفاق ثلاثي بين العراق ومصر والأردن لمواجهة التنظيمات الإرهابية

ثمة هناك إمكانات لتطوير هذه العلاقات مستقبلا على نحو يتوقع منه أن تمثل مصر مرتبة متقدمة نسبيا بين البلدان العربية المتعاملة اقتصاديا وتجاريا مع العراق، ولعل من العوامل التي تؤسس لبناء علاقات امتن وأقوى توافر الإرادة السياسية على أعلى المستويات في البلدين والرغبة الواضحة بهذه العلاقات التجارية والاقتصادية واهتمام البلدين بالبحث عن آليات تفعيل هذه العلاقات إضافة إلى وجود اتفاقات جيدة تؤطر التعاون الاقتصادي وتنظم العلاقات التجارية بين البلدين، بحسب ما نقله موقع “بوابة الفجر” المصرية.

قيمة التجارة بين مصر والعراق سجلت نحو 491.59 مليون دولار خلال العام 2022، في مقابل 916.528 مليون دولار خلال نفس الفترة من 2021، بتراجع 46.4 بالمئة، وبحسب نشرة التجارة الخارجية الصادرة عن “الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء” المصرية، يميل الميزان التجاري بين مصر والعراق لصالح القاهرة بقيمة 452.418 مليون دولار.

تأثير الزيارة سياسيا

في تصريحات صحفية لمساعد وزير الخارجية المصري سابقا، حسين هريدي، تعليقا على زيارة السوداني لمصر، يقول، بأنها “ناقشت عدة ملفات أبرزها إتمام المشاريع المشتركة بين الأردن ومصر والعراق ضمن منهاج التعاون الثلاثي”.

زيارة السوداني جاءت استكمالا لسياسة العراق بالانفتاح على الدول العربية والتعاون مع مصر والأردن ودول الخليج العربي، ومحاولة إحداث حالة من التوازن بين علاقات بغداد العربية وإيران، بحسب تصريحات هريدي.

السوداني مهتم بتسريع وتيرة تنفيذ المشاريع المشتركة في إطار آلية التعاون الثلاثي بين بلاده ومصر والأردن، وفق هريدي، وهناك فرصة للتشاور بشأن ملفات ستطرح أثناء القمة العربية العادية المقبلة، أبرزها ملف عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة والوصول إلى توافق عربي ضروري في هذه المرحلة.

هريدي يشير أيضا إلى استمرار التعاون في ملفات مكافحة الإرهاب وتذليل العقبات التي تواجهها الوزارات المعنية لدعم المبادرة المصرية في مجال إعادة الإعمار، وسط صعوبات أمنية تواجه العراق ويمكن أن تحول دون الشروع في تنفيذها، وفق تعبيره.

مصر تمتلك أهمية تاريخية وسياسية من حيث علاقات العرب بالعرب، وعلاقات العرب بإفريقيا، العراق يسعى إلى ضبط علاقاته بدولة مؤثرة في القرار السياسي للمنطقة على أقل تقدير، وهناك سبب آخر لهذه الزيارة يراه مراقبون، بأن حكومة السوداني المتهمة بأنها نسخة عن حكومة المالكي، تحاول إبعاد هذه التهمة بالانفتاح على المحيط العربي سياسيا واقتصاديا، وقد تكون هذه الزيارة ضمن مباحثات المشروع الثلاثي المشترك بين بغداد والقاهرة وعمّان.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.