بعد 20 عاما على توقّف وتدمير القطاع الصناعي في العراق والذي كان يمثل أحد أهم الروافد الاقتصادية للبلاد، عادت الجهود الحكومية تحاول إعادة إحياء الصناعة وذلك من خلال الاستعانة بالقطاع الخاص، حيث تتم مشاركة الحكومة مع الشركات الخاصة؛ أملا في إعادة الحياة للمعامل المتوقفة.

عمليا، كان قطاع الصناعة في العراق يمثل 23 بالمئة من الناتج الإجمالي قبل عام 2003، وكانت معامل الأدوية، والغزل والنسيج والألبسة، والأسمدة والفوسفات، ومصانع السكر، ومصانع الإسمنت والحديد الصلب، والصناعات الدقيقة، وأخرى للمواد الغذائية والألبان، قد حققت الاكتفاء الذاتي، بحسب تصريحات رسمية، لكنها اليوم باتت عالة على الدولة التي تدفع مرتبات الآلاف من موظفيها والعاملين فيها من دون أن يقوموا بأي عمل.

فعلى مدى سنوات، ووفق أرقام كشفت عنها مصادر في وزارة الصناعة لوسائل إعلام، إن الصناعة قد ساهمت في حجم الناتج الإجمالي للعراق بلغت 6 بالمئة عام 1979 و10 بالمئة عام 1985. أما في عام 1988 فبلغت 13.9 بالمئة، وفي الأعوام ما بعد حرب الخليج الثانية عام 1990 بلغت 3.8 بالمئة، حتى 2001 بلغت 1.5 بالمئة، ووصلت إلى 2.7 بالمئة عام 2011، في حين انتكست عام 2018 إلى نحو 0.9 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي للعراق.

حجم القطاع الصناعي في العراق

قبل عام 2003، كان عدد المصانع العراقية التي تعمل بكل طاقاتها الإنتاجية، نحو 17 ألف مصنع، بين حكومي تابع لوزارة الصناعة والمعادن، وآخر تابع للقطاعين المختلط والخاص، وعلى الرغم من أن ذلك الرقم قد ارتفع إلى 20144، إلا أن هناك 72093 مشروعا صناعيا خاصا، جميعها متوقف عن العمل.

بعد ذلك انخفضت الأرقام بشكل كبير بسبب عدة عوامل؛ أهمها عدم توفر الكهرباء وتفشي الفساد وفتح الباب أمام الاستيراد، ووفقا لبيانات رسمية، فإن نحو 18 ألفا و167 مشروعا صناعيا متوقفا عن العمل لأسباب مختلفة، وذلك في الوقت الذي بات يبلغ فيه العدد الكلي للمعامل التابعة لشركات الصناعة العامة 295 معملا، والمعامل العاملة هي 191 ويبلغ عدد المعامل المتوقفة 104 معامل، بحسب وزارة الصناعة.

اقرأ/ي أيضا: زواج القوة في الشرق.. كيف تنامت العلاقات الاقتصادية بين بكين وموسكو؟

في الوقت الذي بلغ فيه عدد المنشآت الصناعية الكبيرة 1161 منشأة في سنة 2018، وهي آخر السنوات التي تتوفر لها إحصاءات، منها 600 منشأة عاملة و591 منشأة متوقفة، وفي ظل سياسة الاستيراد العشوائي لمختلف السلع إلى حد إغراق الأسواق بمختلف البضائع بما فيها الرديئة، أصبحت المواقع الصناعية صغيرة كانت أم كبيرة، مباني ومساحات مهجورة، ثم تحولت شيئا فشيئا بفعل تضاعف الاستيراد إلى مخازن للسلع المصنوعة في كل بقاع الأرض إلا العراق، وهو ما تسبب بفقدان العاملين المهرة في مختلف الصناعات.

تعطل المصانع أدى إلى خلق بطالة مقنعة وضرر بالغ للاقتصاد العراقي، إذ باتت المصانع العراقية، بحسب تقارير، تكلّف خزينة الدولة أكثر من 500 مليون دولار سنويا، تُدفع على شكل رواتب للموظفين العاملين في المصانع، والذين باتوا لا يؤدون بأي دور يذكر بعد تعطل عمل المصانع، ليس ذلك فحسب بل أن الأمر بات يشكل إحدى مشكلات الدولة العراقية التي عجزت في مراحل معينة عن دفع رواتب آلاف العاملين، والذي يمتلك الكثيرون منهم سنوات طويلة من الخدمة.

بعد كل تلك الخسارات التي تحمّلها العراق والإشكالات، أكدت وزارة الصناعة والمعادن، الثلاثاء الماضي، توجه الحكومة للشراكة مع القطاع الخاص لإعادة إحياء المعامل المتوقفة، وقالت المتحدثة باسم الوزارة ضحى الجبوري، إن لدى وزير الصناعة والمعادن خالد بتال النجم توجها نحو إحالة المعامل المتوقفة للشراكة مع القطاع الخاص عبر إضافة خطوط إنتاجية جديدة.

خطوط إنتاج جديدة تطوي صفحة معامل النهضة الصناعية

التوجه الحالي للحكومة وفق الجبوري، هو التركيز على إنشاء وجلب خطوط إنتاج جديدة وليس تأهيل القديمة بسبب انتهاء العمر الافتراضي للأخيرة، منوهة، إلى أن التركيز في هذه المرحلة سيكون على الصناعات الاستراتيجية؛ وهي الأسمدة والكبريت والفوسفات والصناعات الدوائية والبتروكيماويات والتعدين. مبينة أن شراكة مع القطاع الخاص ستكون من خلال شركات عالمية وعربية وشركات محلية، وسيكون لوزارة الصناعة والمعادن مؤتمرا كبيرا يُقام لأول مرة في شهر أيار/مايو، وستطرح من خلاله فرص الشراكة لتلك الصناعات الاستراتيجية.

من جهته، وحول مدى جدوى النهوض بالقطاع الصناعي في العراق، قال الخبير الاقتصادي، عبد الرحمن المشهداني، في حديث لموقع “الحل نت”، إن إعادة الصناعة إلى ما كانت عليها سابقاً مجرد أمانٍ وحماسة زائدة بسبب الفساد المستشري داخل مؤسسات الدولة وتدمير أغلب المصانع بشكل يحتاج جهدا ووقتا وأموالا كبيرة لإعادتها.

اقرأ/ي أيضا: انتخابات المحافظات وقانون الموازنة.. مسار السوداني للاستئثار بسلطة العراق؟

إضافة إلى الوقت والجهد المتطلب لذلك، بيّن المشهداني أن سيطرة بعض الدول المجاورة على السوق المحلية ستعمل جاهدة على منع العراق من النهوض صناعيا حفاظا على مصالحها، لافتا إلى أن النهوض بالواقع الصناعي في البلاد، يتطلب حماية المنتج المحلي في وقت عجزت فيه الحكومة طيلة العقدين الماضيين عن السيطرة على المنافذ الجمركية الرسمية وغير الرسمية.

بحسب المشهداني، فإن الصناعة العراقية كانت تشكل جزءا كبيرا من إجمالي الناتج المحلي، وتشغّل نحو 30 بالمئة من الأيدي العاملة، أما اليوم فباتت تشكل 1.5 بالمئة، منوها إلى أنه من الممكن أن تزيد هذه النسبة إلى 4 أو 5 بالمئة في المرحلة القادمة إذا ما كانت هناك رغبة حقيقية بتطوير الصناعة العراقية.

في سياق ذا صلة، لا يتعدى عدد المشاريع الصناعية المسجلة في “اتحاد الصناعات العراقية” في الوقت الحالي، سواء كانت كبيرة أم صغيرة عن 54 ألفا. 90 بالمئة من المشاريع المسجلة متوقف، و10 بالمئة فقط التي تعمل وتنتج، بحسب تصريح سابق لرئيس الاتحاد علي الساعدي.

العراق في ظل غياب الصناعة

هذا وبلغ إجمالي الاستيرادات في العام 2018 حسب بيانات وزارة التخطيط العراقية، 37 مليار دولار، بعجز تجاري للسلع غير النفطية وصل إلى 33.1 مليار دولار. فيما رجح مختصون أن تصل قيمة الاستيرادات في العراق إلى نحو 55 مليار دولار في سنتي 2019-2018 بإيرادات جمركية لا تتجاوز 1,5 مليار دولار، أي نحو 3 بالمئة من قيمة المستورد. بينما من المفترض أن تصل إيرادات الجمارك إلى معدل 20 بالمئة من المستورد، وهذا ما معمول به في أغلب دول المنطقة على سبيل المثال.

في آب/أغسطس الماضي، أعلن “جهاز المركزي العراقي للإحصاء”، أن إجمالي استيرادات البلاد عام 2021 الماضي، للمواد السلعية والمنتجات النفطية بلغت ما يقارب من 17 مليار دولار أميركي، مبينا أن الصين أهم الشركاء التجاريين.

إن إجمالي استيرادات المواد السلعية غير النفطية بلغت 10.7 مليارات دولار، أي ما يعادل 15.6 تريليون دينار، مسجلا انخفاضا مقداره 5.7 بالمئة عن سنة 2020 حيث بلغ 13.8 مليار دولار ما يعادل 16.5 تريليون دينار، وذلك مقابل إجمالي استيرادات المنتجات النفطية التي بلغت 6.3 مليارات دولار ما يعادل 9.2 ترليونات دينار عراقي بنسبة ارتفاع مقدارها 395.1 بالمئة عن سنة 2020، حيث بلغ 1.6 مليار دولار أي ما يعادل 1.9 تريليون دينار.

يشار إلى أن الصين تتصدر الدول المصدرة للعراق، وتليها إيران ثم تركيا والولايات المتحدة، وما زال هذا الترتيب محافظا على نفسه.

وسط ذلك، فإن الحديث عن إحياء الصناعة العراقية قد لا يكون كافيا بمجرد التوجه إلى الشراكة بين القطاع العام والخاص، وذلك بالنظر إلى حجم المشكلة المتداخلة في السياسية الداخلية والإقليمية التي يُشار إلى ضلوعها بدور من أدوار تعطيل عملية النهوض بالقطاع الصناعي في العراق؛ بمعنى أن الصناعة العراقية هي جزء لا يتجزأ من الدولة العراقية التي تحتاج إعادة تأهيل وبناء بشكل تام، وعلى مدى سنوات، لا أن تقتصر في خيار ما.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.