بعد مرور ثلاثة أشهر على عودة بنيامين نتنياهو لرئاسة الحكومة الإسرائيلية، بأكثر تشكيلة وزارية متطرفة في تاريخ إسرائيل منذ نشأتها عام 1948، ومشاكلها لا تتوقف داخلياً وخارجياً، إذ قام نتنياهو بالتحالف مع اليمين المتطرف لكي يضمن الفوز بالانتخابات البرلمانية.

وتيرة تصاعدت العنف داخلياً لأول مرة منذ نشأة الدولة، وازدادت النداءات من شخصيات مهمة تحذر من خطر الانقسام الداخلي، ومحاولة انقلاب نتنياهو على النظام الديمقراطي، وكان آخر تلك النداءات من رئيس الموساد  إذ حذر “من خطر الانقسام الداخلي والتهديد الخارجي على أمن إسرائيلي”، كما دعى يائير لابيد، زعيم المعارضة الإسرائيلية، أعضاء حزب “الليكود” بالانشقاق عن نتنياهو، إلا أن نتنياهو  يرفع عن نفسه المسؤولية ويقول بأن “المعارضة ترفض الجلوس على طاولة الحوار معنا”.

فاز حزب “الليكود” بزعامة نتنياهو بـ 64 مقعدا في “الكنيست” الإسرائيلي بعد تحالفه الأخير، في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2022،  إلا أن الحكومة الجديدة برئاسة نتنياهو وعدد من وزرائه من اليمين المتطرف يواجهون تهم في المحاكم الإسرائيلية قد لا تبقيهم طويلاً في الحكم، وهو ما يحاول نتنياهو الإلتفاف عليه، من خلال مشروع يعده وحلفاءه بتعديل النظام القضائي، إذ يخوله بتعيين القضاة، كما يتيح للبرلمان نقض قرارات المحكمة العليا بأغلبية بسيطة، وفقاً للقانون الجديد.

فيما يرى المعارضون لهذه الإصلاحات بأنها محاولة انقلاب على الديمقراطية، وتهديداً لمبدأ الفصل الديمقراطي بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ومنذ طرح هذا المشروع، الذي سيتم التصويت عليه في “الكنيست” الإسرائيلي بداية شهر نيسان/أبريل القادم، والمظاهرات تعم شوارع إسرائيل منذ أكثر من شهرين.

إصلاح قضائي أم انقلاب سياسي

لا زال مشهد سجن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود أولمرت، يشكل هاجسا لنتنياهو الذي يحاول تفادي المصير ذاته بسبب تهم بالفساد تلاحقه، والذي يسعى بكل ما أوتي من القوة بتعديل النظام القضائي كي يتحكم بالقضاء ويفلت من العقاب، “إن هدف تغيير قوانين النظام القضائي هو إبعاد التشويش عن نتنياهو المطلوب للقضاء وبهذا يغير القوانين لصالحه وصالح زمرته”، بحسب الدبلوماسي الأردني، بسام العموش، في حديثه إلى “الحل نت”، وهو سفير الأردن السابق لدى إيران، مضيفاً “رأينا كيف تم سجن أولمرت رئيس الوزراء الأسبق، ولهذا فإن نتنياهو لا يريد أن يرى نفسه في السجن.  ويؤيد نتنياهو في التغيير كل الذين عليهم قضايا أو هم غارقون في الفساد. إذا تماسك الائتلاف الحكومي كأغلبية ضعيفة فإنه يستطيع تمرير التغييرات القانونية، فالمسألة سياسية لكنها تحول الكيان إلى شيء آخر حيث ستفقد دولتهم سمعتها بأنها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة”.

الدكتور حسن المومني، أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأردنية، يؤكد في حديثه لـ”الحل نت”، أن هذه التغييرات ليست إلا انقلاب سياسي إذ إن “الكل يعلم أن نتنياهو رئيس الوزراء الأطول خدمة في التاريخ الإسرائيلي يتعرض لتهم وإمكانية محاكمته، فبالتالي عودته واستلامه للحكومة كانت بالنسبة له فرصة لأجل إحداث تغير في النظام القضائي بالتالي عدم محاكمته ومحاسبته”.

لكون الشارع الإسرائيلي ليس مقتنعا بهدف نتنياهو فإن المظاهرات لم تتوقف، بل اتسعت في كل المدن حتى بات ينذر بإنقسام حاد يضرب إسرائيل، حتى وصل إلى التعامل العنيف معها من قبل الأمن الإسرائيلي وهو ما ندد به، زعيم المعارضة، ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، يائير لابيد، في تغريدة له يحذر من تصاعد” حاد في مستوى العنف ضد المتظاهرين. تحريض الحكومة الإسرائيلية على الاحتجاج هو سبب ذلك”، واصفا تعامل الأمن العنيف مع المتظاهرين بالعمل “البلطجي العنيف”.

هل تسقط المظاهرات حكومة نتنياهو؟

وتيرة المظاهرات تصاعدت بشكل كبير، إذ وصلت إلى 250 ألف متظاهرا، وإغلاق للشوارع، وكان أهمها إغلاق الطرق بوجه نتنياهو لعرقلة سفره إلى إيطاليا في 9 آذار/مارس الجاري، كما منعت التظاهرات وصول وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، إلى العاصمة تل أبيب، حيث كان في زيارة رسمية، مما أضطر إلى أن يتم اللقاء في مطار “بن غوريون”، وقامت السلطات الإسرائيلية بحملة اعتقالات لكن دون جدوى حتى الآن، حتى أن نتنياهو ماضي في مشروعه رغم تحذيرات بالانقسام الحاد داخل المجتمع الإسرائيلي ، “حيث بدأ جنود الاحتياط العمود الفقري للجيش الإسرائيلي بالتهديد بالتوقف عن العمل كوسيلة لإظهار معارضتهم”.

الدكتور حسن المومني، يرى أنه لغاية الآن لم “تتكون كتلة اجتماعية سياسة كبيرة جداً تسقط هذه الحكومة أو تمنعها والكنيست من تمرير هذه التغييرات، ورأينا قبل أيام تصويت الكنيست بهذا الاتجاه، ولا شك أن جانب من هذه التغيرات في النظام القضائي سوف ينتج الكثير من القرارات تؤثر بمسألة الاستيطان وإطلاق يد المستوطنين وإمكانية تحصين نتنياهو من المحاكمة”.

لكن لغاية الآن تأثير المظاهرات ليس جذري أو عميق لإسقاط الحكومة، إلا أنها يمكن أن تسقط الحكومة من وجهة نظر المومني، “في حال حدث خلاف داخلي أي بين نتنياهو وحلفائه في الحكومة من اليمين المتطرف، إذا حصل خلاف أو انسحبت إحدى الكتل قد تؤدي إلى إسقاط الحكومة، أو بعد استنفاذ نتنياهو من أهدافه قد يعمد إلى الانسحاب من هذه الحكومة ومحاولة تشكيل حكومة أقل تطرفاً لأن هناك ضغوط دولية إلى جانب ضغوط داخلية”.

من جانب آخر أثرت المظاهرات الحالية على العنف الإسرائيلي باتجاه المواطنين الفلسطينيين، والانتهاكات الإسرائيلية في الأماكن المقدسة لكون هذه الحكومة تغض الطرف عن انتهاكات المستوطنين خوفاً من انسحاب بن غفير أو سموتريتش لكونهم يمثلون التيار المتطرف في هذه الحكومة.

حسن المومني لـ”الحل نت”

بدوره يؤكد السفير بسام العموش، أن هذه المظاهرات لن تسقط حكومة نتنياهو “لأن ولادتها كانت عسيرة، ولن يفرط نتنياهو بالموقع لأنه كان يحلم بالعودة وهو على يقين أنه إذا سقط سيذهب إلى القضاء فالسجن”، كما أنه يمكن “امتصاص التظاهرات ببعض الإجراءات الداخلية، وعلى رأسها السماح باستباحة المقدسات الإسلامية وهو ما نراه يوميا بل في تصاعد مستمر” بحسب العموش، مضيفا أن “نتنياهو سيشتري الأحزاب الدينية وسيمكن المستوطنين، وربما يهدم بيوت الفلسطينيين في الخان الأحمر وهو ما ألمح له نتنياهو نفسه بحجة عدم الترخيص، أما المظاهرات فسيستفيد منها في الدعاية الإعلامية للتأكيد على ديمقراطيته، فالعبرة بالأصوات البرلمانية وليس عدد المتظاهرين”، كما قال العموش.

نتنياهو عدو نفسه!

نتنياهو يتعرض إلى جانب الضغوط الداخلية من خلال المظاهرات التي وصلت حتى إلى محاصرة زوجته في مشاويرها الخاصة، إلى ضغوط دولية نتيجة تصرفات وزراءه، فمن الواضح أنه لا يستطيع السيطرة عليهم نظراً لحاجته الكبيرة إليهم في هذه المرحلة.

حتى أن الحليف الأبرز الولايات المتحدة باتت تضغط على نتنياهو بسبب تصرفات وزراءه وكان آخرها تصريحات وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، الذي قال أنه لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني، إلى جانب وضعه لخارطة إسرائيل في مؤتمر شارك فيه بباريس، تضم كلا من الضفة الغربية وأجزاء من الأراضي الأردنية، وهو معتقد ديني إسرائيلي متشدد، الأمر الذي قوبل باستنكار شديد، حتى وصل إلى الأمر أن البيت الأبيض أبلغ نتنياهو أن الوقت غير مناسب لزيارته إلى واشنطن.

ستستمر المظاهرات ضد نتنياهو، في الوقت الذي لن يتوقف عن مشروعه في تعديل النظام القضائي حتى يتم التصديق عليه في بداية نيسان/أبريل القادم، ليضمن لنفسه نهاية غير تلك التي واجهة أولمرت، وبعدها قد يعمد نتنياهو على حل الحكومة والخوض في انتخابات جديدة وتشكيل حكومة بحلفاء جدد أو أكثر قبولاً دوليا، بعد أن أدرك نتنياهو أن حلفاءه يعزلونه خارجياً بتصرفاتهم وتصريحاتهم المتطرفة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.