منذ أولى حلقات عرضه في موسم دراما رمضان 2023، حظي مسلسل “النار بالنار” بمتابعة بنسبة كبيرة من المشاهدين، ذلك لأنه عمل استثنائي يروي الحكاية والعلاقة التاريخية التي تجمع بين سوريا ولبنان، كما يتناول العلاقات التي تربط بين الشعبين أدبيا وفنيا، وثقافيا، وجغرافيا وتاريخيا. كما ويتمحور حول وجود اللاجئين السوريين في لبنان، وتسليط الضوء على أوضاعهم المعيشية، وطبيعة علاقتهم باللبنانيين وما طرأ عليها من تحوّلات على مدار أكثر من 11 سنة.

هذا بالإضافة إلى كونه عملا يتطرق إلى الوجود السوري في لبنان، والتغير الديموغرافي الذي يفرضه على اللبنانيين في أحيائهم. مسلسل “النار بالنار” كل حلقة منه يحمل معها مشهدا يفتح باب النقاشات نظرا لواقعية معالجة الأحداث إلى حد ما، ففي الحلقة الماضية، تصدّر مشهد يجمع بين “عزيز”، يؤدي دوره الفنان اللبناني، جورج خباز، و”مريم”، تؤدي دورها الفنانة السورية كاريس بشار، الترند وحقق تفاعلا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي، وصفه البعض بـ”العنصري والجريء”، فيما اعتبره البعض الآخر تعبيرا عن حقيقة واقعية.

دلالات مشهد عزيز ومريم

نحو ذلك، تصدّر الترند مشهد المواجهة  بين خباز وكاريس، والذي يبدو وكأنه محاولة لمعالجة قضية العنصرية بين السوريين واللبنانيين الطويلة، فضلا عن كونه مراجعة واقعية للمعاناة التي كانت بين الشعبين إبّان الحرب اللبنانية بعد دخول الجيش السوري إلى لبنان وصولا إلى أزمة النازحين السوريين من بلدهم إلى الأراضي اللبنانية.

هذا المشهد، وفق المراقبين، يبعث بدلالات جمة ويعبر عن طاقات سلبية راكمتها الحكومة السورية ضد العديد من اللبنانيين على خلفية وجوده القسري كسلطة أمر واقع في لبنان والممتدة لثلاث عقود ولم تنتهِ إلا بعد وصول الأمور لذروتها إثر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وقبله الصحفي سمير قصير.

بالإضافة إلى آخرين من تيار “14 آذار” المناهض للوجود السوري بلبنان وبذلك تشكلت ذاكرة صعبة ومعقدة بين الشعبين في ظل التوتر الذي خلفته السلطة السورية المتورطة في جرائم تتجاوز اغتيال سياسيين وصحفيين معارضين ومستقلين إلى تنفيذ مذابح بالحرب الأهلية اللبنانية كما جرى في جريمة “تل الزعتر”.

قد يهمك: الدراما السورية اللبنانية.. بلا هوية وبعيدة عن واقع المجتمع؟ – الحل نت 

هذا فضلا عن التخريب المنظم وفقدان لبنان لسيادته سواء بالوجود العسكري المباشر وبعض العناصر المتوحشة التابعة لدمشق في بيروت وصعدت على قمة الأجهزة الامنية كحالة جميل السيد أو وكلاء وأطراف قريبة من حليف مشترك كـ”حزب الله” اللبناني الموالي لطهران.

تفاصيل المشهد

في إطار تفاصيل المشهد، يظهر كل من مريم وعزيز في الحلقة الخامسة من المسلسل وهما يتشاجران في الشارع بسبب لافتة وضعها الأخير في قلب الحي، كُتب عليها “يمنع تجوال السوريون بعد الساعة الثامنة مساءً”، وهذا ما أغضبت مريم.

نص المواجهة بينهما كان وفق ما قاله عزيز لمريم “انتو جايين هيك وقحين ما عندكن جنس الحيا، الك عين تحكي انت.. ماضيكن معنا بشع وحاضركن على أبشع، أنا محلك بحطّ راسي عالأرض”، فرّدت عليه مريم بغضب “أول شي مو نحنا اللي جيناكم بكيفينا، انتو اللي بعتوا ورانا وثاني شي لولانا كنتو قبرتو بعض”، فقاطعها عزيز باستهزاء “نحن بعتنا وراكن على أساس قوات ردع عربية صار بدو مين يردعكن، قعدتو عنا 30 سنة عم تردعوا مدري مين ومدري شو، بعدين لما خلصت الحرب بقيتو ميّأطين على قلبنا متل الكابوس، شو بتعرفي عن المدفون، شو بتعرفي عن ضهر البيدر، عن عنجر.. انت شي مرة قاعدة على ربطة الخبر لما يقشطك ياها أبو سن دهب تبع الحاجز، كنا إذا أخدنا نفس يشلحونا نصو، إلك عين تحكي كمان”.

لتعاود مريم بالرد “ما بدها كل هالموشحات، حمال حالك ونزال عالشام وورجينا المراجل”، فعاجلها على الفور “ما بدي أنزل عالشام، روحي انت عالشام”. وقبل مغادرة مريم من أمامه، استهزأت من كتابته بقولها “بتنكتب سوريين مو سوريون يا مثقف يا فينيقي”، فرّد عليها “آه عم تعطيني دروس إعراب عالصبح يعني عأساس إذا كتبتها بالفرنساوي رح تقروها ترغلة”.

هذا الأداء الرائع لكل من كاريس وجورج، في هذا المشهد سرعان ما تصدّر منصات السوشيال ميديا، فضلا عن آراء مختلفة ومتباينة صدرت من قبل الكتّاب والنشطاء حول المشهد. حيث قال البعض أن الحوار جسد الحالة السياسية والعنصرية التي طالما عانى منها كل من الشعبين على مدار السنين الطويلة.

آراء متناقضة حول المسلسل

مسلسل “النار بالنار” منذ بدء عرضه والآراء متناقضة حوله، إذ يرى البعض بأنه مسلسل غير اعتيادي ويجسّد الواقع بكامل تجلّياته، فيما هاجم آخرون القائمين على العمل، واعتبروه منبع الفتنة وإشعال لهيب العنصرية بين الشعبين اللبناني والسوري.

قد يهمك: الدراما السورية تكتسح الشاشات.. السياسة تتسيّد الأعمال الرمضانية؟ – الحل نت 

المسلسل يقدم عملا بصفته الهويّة الراهنة لشعبين متصاهرين بفعل الحرب أكثر مما هو بفعل التاريخ والجغرافيا. فالأزمتان السورية واللبنانية والتحولات الفردية داخل المجتمع الواحد يجعل المشاهد ينظر إلى هذا العمل بحلقاته الأولى على أنه نص مختلف عن المتداول عادة من الدراما السورية اللبنانية.

هذا المسلسل السوري اللبناني؛ “النار بالنار”، بطولة الفنانَين السوريين عابد فهد وكاريس بشار، والفنان اللبناني جورج خباز، أخذ حيزا كبيرا من المتابعين، حيث احتل المرتبة الرابعة في لبنان على منصة “شاهد”، وتعزز حضور المسلسل بمشاركة فنانين آخرين مثل طوني عيسى وزينة مكي وطارق يتيم. ويحمل العمل الكثير بعد، وفق صنّاعه وقد يعيد المنافسة بين المسلسلات الدرامية المشتركة التي تجمع النجوم السوريين واللبنانيين عادة.

المسلسل وفق ما يقوله القائمون إنه يقدّم قصة جديدة ويتناول مواضيع لم يجرِ تناولها سابقا من قبل الدراما المشتركة، السورية اللبنانية. والمسلسل من تأليف الكاتب السوري رامي كوسا، وإخراج السوري محمد عبد العزيز، وإنتاج شركة “الصبّاح إخوان”.

في العموم، العمل يقدم مثالا عن معاناة اللاجئين السوريين الهاربين من الرصاص والمدافع  واللجوء إلى لبنان المجاور لبلدهم، ويجسّد واقع اللبناني والسوري اللذين يبحثان عن أعمال ودراما تشبههم، شخصيات مأزومة من لحم ودم الواقع المتأرجح عرقيا وطائفيا واجتماعيا.

في المسلسل يتحارب رجلان للفوز بقلب مريم اللاجئة والباحثة عن الأمان، أحدهما عمران، والذي يؤدي دوره الفنان السوري عابد فهد، وهو تاجر عملة ومرابٍ يبيح لنفسه فعل كل شيء لتحقيق أهدافه، والثاني جورج خباز، نفسه الذي تشاجر معها، وهو مدرس بيانو موسيقيٍ عنصري يكره اللاجئين. لذلك يبقى التساؤل الأهم هل سيتمكن مسلسل “النار بالنار” من تخفيف حدة العنصرية الموجودة لدى بعض اللبنانيين تجاه السوريين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات