بعد تبادل الهجمات العسكرية بين إيران والولايات المتحدة الأميركية على الأراضي السورية، أواخر شهر آذار/مارس الفائت، يبدو أن مرحلة جديدة من صراع النفوذ بدأت في سوريا، خاصة وأن إيران أصبحت تتعرض لهجمات عدة من قبل واشنطن وأخرى من تل أبيب، ما يطرح فرضية بدء الضغط على إيران من بوابة نفوذها في سوريا.

تعقيدات كثيرة تحيط بملف البرنامج النووي الإيراني مؤخرا، خاصة مع وصول نسبة تخصيب اليورانيوم إلى نسب تجعل النظام الإيراني قريب من بدء صنع القنبلة النووية، ذلك ما جعل القوى الإقليمية وعلى رأسها إسرائيل تدق ناقوس الخطر لاستخدام كافة الأوراق الممكنة من أجل منع وصول إيران لهذه المرحلة.

بين رغبة الولايات المتحدة الأميركية بحل ملف إيران النووي بالطرق الدبلوماسية، وإصرار إسرائيل على أن إيران لا تفهم إلا لغة القوة، ومحاولاتها حشد الدول الغربية باتجاه عمل عس0كري يمنع طهران من الوصول إلى القنبلة النووية، بدأت تظهر ملامح اتفاق جديد يجمع بين الاتجاهين، على أن يكون تنفيذه ربما من البوابة السورية.

تصعيد عسكري بين واشنطن وطهران

مؤخرا شهدت الأراضي السورية، تصعيدا أميركيا ضد الميليشيات الإيرانية، وذلك بعد اتهام الولايات المتحدة الأميركية القوات الإيرانية، بشنّ هجمات على القواعد الأميركية ومقتل متعاقد أميركي وإصابة خمسة من أفراد الخدمة الأميركية، الأمر الذي دفع بواشنطن إلى الرد بالمثل.

ورغم أن واشنطن أكدت أنها لا تسعى لتصعيد الصراع مع إيران، استقدمت قوات التحالف الدولي السبت الفائت،  تعزيزات عسكرية جديدة إلى قاعدتها العسكرية في مدينة الشدادي بريف الحسكة الجنوبي، في مؤشر على حذر أميركي من أي تصعيد إيراني، أو ربما يوحي هذا التعزيز إلى محاولة للضغط على إيران في الأيام القليلة القادمة.

وفي وقت تحاصر فيه القوات الأميركية تحركات الميليشيات الإيرانية، بعد تورطها في الهجوم على القواعد الأميركية، تواصل القوات الإسرائيلية عبر الأجواء السورية، قصف مواقع الميليشيات الإيرانية في سوريا، وذلك في إطار المواجهة الإسرائيلية ضد إيران، ومكافحة عمليات تهريب الأسلحة الإيرانية عبر الأراضي السورية، وقد أعلنت مصادر إيرانية مقتل مستشار عسكري في “الحرس الثوري” الإيراني، إثر هجوم إسرائيلي قرب العاصمة دمشق قبل أيام.

قد يهمك: شراكات مزيفة.. التحالفات البراغماتية لـ“حزب الله” مصلحة وليست أيديولوجيا؟

توقعات بأن تكون هنالك آلية جديدة لصد مشاريع إيران العدائية في الشرق الأوسط، وفي مقدمتها طبعا المشروع النووي، هذه الآلية ستجمع بين وجهة النظر الأميركية والإسرائيلية، وذلك عبر التصعيد العسكري المحدود ضد إيران من جهة، وطرح اتفاق جديد عبر القنوات الدبلوماسية بما يخص البرنامج النووي الإيراني.

إيران يجب أن تشعر بالخطر

الخبير في الشؤون الإيرانية الدكتور عمر عبد الستار، توقع ارتفاع وتيرة التصعيد الغربي خلال الفترة القادمة ضد إيران بشأن برنامجها النووي، خصوصا بعد فتح القنوات الدبلوماسية مع المملكة العربية السعودية، مشيرا إلى احتمالية أن يكون هذا الصلح سببا في تدهور العلاقات الإيرانية الروسية.

عبد الستار قال في حديث مع “الحل نت”، “أعتقد أن الموضوع هو محاولة غربية إسرائيلية للضغط على إيران، خاصة بعد الصلح مع السعودية بوساطة صينية، ربما يكون هناك تنسيق لتصعيد محدود ضد إيران، لتسهيل قبولها باتفاق ما خلال الفترة القادمة فيما يتعلق ببرنامجها النووي”.

إيران تواجه مأزقا غير مسبوق فيما يتعلق بنفوذها داخل الأراضي السورية، خاصة بعد اتفاقها مع السعودية، إذ من الممكن أن يكون الاتفاق سببا إضافيا في توتر العلاقات بين إيران وروسيا، هذا فضلا عن الضغوط الأميركية مؤخرا، والقصف الإسرائيلي الذي زادت حدته خلال الأيام القليلة الماضية.

يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية، ستكون على موعد من ضغط عسكري محدود ضد إيران لجعلها تقبل باتفاق نووي جديد، كشف عنه موقع “والا” الإسرائيلي، حيث نقل عن 10 مسؤولين إسرائيلين ودبلوماسيين غربيين وخبراء أميركيين قولهم، إن الولايات المتحدة أبلغت إسرائيل أنها تدرس دفع “اتفاق جزئي” مع إيران يستند على تجميد أجزاء من برنامجها النووي مقابل تخفيف بعض العقوبات.

اتفاق نووي جزئي؟

الاتفاق يشمل تجميد تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 60 بالمئة، مقابل تخفيف العقوبات على إيران، مثل فك حظر 7 مليارات دولار مجمدة بحسابات بنكية في كوريا الجنوبية، وقال مسؤول إسرائيلي ودبلوماسي غربي للموقع، إن الأميركيين نقلوا العرض إلى الإيرانيين عبر وسطاء، لكن طهران رفضت في هذه المرحلة العرض وأوضحت أنها معنية بالعودة الكاملة للاتفاق النووي لعام 2015.

عبد الستار ربط بين توقيت المقترح الأميركي وتصاعد وتيرة القصف الإسرائيلي على المواقع الإيرانية في سوريا، ما يعني أن مرحلة جديدة من التفاوض ستبدأ ربما لاحقا بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وبين الجانب الإيراني بما يتعلق بالبرنامج النووي، لكن هذه المفاوضات حتى الآن غير واضحة المعالم، وتأتي تزامنا مع فوضى عسكرية بين تحركات إيران والاستهدافات ضدها.

رغم التوتر الداخلي الذي تعيشه إسرائيل، فقد أصبحت تدرك من خلال ما يتردد على لسان المسؤولين في تل أبيب، أن الخيار العسكري، بات الحل الأنسب والأنجع لمنع إيران من امتلاك قنبلة نووية، بعد فشل جميع الجهود الدبلوماسية على مدار سنوات في التوصل لنتيجة ترضي الإسرائيليين وتوقف تطور طهران النووي. 

لذلك فإنه بالحديث عن خيارات إسرائيل، وتراجع حدة الجهود الغربية بقيادة واشنطن لمنع إيران النووية، يُتوقع أن تكثّف تل أبيب لجهودها الإقليمية والشرق أوسطية، لحشد مزيد من الدول التي تتقاطع مصلحتها معه فيما يتعلق بالملف الإيراني، وأبرز هذه الدول حاليا هي السعودية، المتضررة بشكل كبير من التوسع الإيراني في المنطقة، لكن يبقى التحدي أمام تل أبيب حول نجاحها في إقناع الرياض، بضرورة فتح قنوات تواصل بين الطرفين، من بوابة الخطر الإيراني القادم.

إيران صعّدت خلال الفترة الماضية من انتهاكاتها في البرنامج النووي الخاص بها، إذ إن توقف المفاوضات منح النظام الإيراني متسعا وافرا من الوقت، حتى أشارت بعض التقارير إلى أن إيران وصلت بنسبة التخصيب إلى نحو 84 بالمئة من اليورانيوم، ما يعني اقترابها أكثر من الحصول على قنبلة نووية. 

على الرغم من اختلاف التقارير حول المُّدة التي أصبحت تحتاجها إيران للوصول إلى صنع القنبلة النووية، فإن الجميع بات يُدرك أن طهران أصبحت أقرب من أي وقت مضى، لامتلاك السلاح النووي، وقد أظهرت نتائج أبحاث “معهد العلوم والأمن الدولي” أن إيران على بُعد أسابيع قليلة من تجاوز العتبة النووية، بالمقابل فإن تقريرا لصحيفة “لوموند” الفرنسية، أفاد بأن ”أمام إيران فقط عامٌ ونصف إلى عامين للوصول إلى سلاح نووي”، آخذة بعين الاعتبار تخزين كمية من اليورانيوم بنسبة 90 بالمئة، ثم صُنع رأس نووي ودمجه بصاروخ مناسب. 

وصول إيران إلى نسبة عالية من تخصيب اليورانيوم، هو ما دفع البعض إلى دق ناقوس الخطر، لكن خبراء أكدوا في وقت سابق، أن وصول نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 90 بالمئة، لا يعني بالضرورة وصول إيران لامتلاك قنبلة نووية قابلة للاستخدام بوقت قريب، وذلك بسبب عدم قدرتها على تصنيع معدات الإطلاق والتصنيع في وقت قصير.

من الواضح أن هناك تراخيا إلى حدّ ما من المحور الغربي في التعامل مع الملف النووي الإيراني، ذلك ما يجعل إيران ترفض جميع المقترحات التي قد تفضي إلى تقديمها تنازلات في الملف، ما يعني أن إيران لن تقبل بالتنازل إلا أذا شعرت بالتهديد، وهذا ربما ما سيكون العنوان الرئيسي الذي سيسعى له الغرب بقيادة الولايات المتحدة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة