عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها “حماس” والفصائل في غزة، أثارت توترات جديدة في المنطقة، وبالرغم من الأجواء المحمومة التي تحيط بالعمليات العسكرية، إلا أن الواقع يُظهر أن هذه الحروب تُصبح بمثابة وسيلة لتحقيق مصالح محددة.

العديد من التساؤلات تثار، حول لماذا هذه الحروب التي تبدو بلا هدف استراتيجي، وما هي الجهات المستفيدة منها، وهل يمكن أن نتوقع انسحابًا إسرائيليًا بعد هذه العملية، وهل هناك أي خطة لبدء مفاوضات جدية بين الأطراف المتصارعة بعد انتهاء هذه الحرب.

الواقع الأليم هو أن “طوفان الأقصى” يبدو وكأنه عملية متاجرة، حيث تقوم الفصائل بتنفيذ عمليات عسكرية للحصول على تغطية إعلامية وتأثير داخلي وإقليمي، دون وجود استراتيجية طويلة الأمد، وما يزيد في تعقيد الأمور هو دور إيران وأتباعها في دعم هذه الفصائل وتحفيزها على تنفيذ هذه العمليات.

العودة للعبة المتاجرة

إن ما يجري في غزة ليس سوى حلقة جديدة من دورة مؤلمة للفلسطينيين، حيث يتعرضون لعقوبات ومعاناة جديدة تزيد من صعوبة حياتهم، وإذا كان هناك مَن يعتقد أن صور “طوفان الأقصى” قد تشفي صدوراً، فيجب عليه أن يفهم أن العواقب ستكون مدمرة وستؤدي إلى المزيد من الألم والصراع، فالضحايا كالعادة هم الفلسطينيون الأبرياء، بينما تظل قيادات “حماس” والفصائل تنعم بالرفاهية في فنادق فاخرة.

في خامس أيام عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة على إسرائيل، فجر يوم السبت، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وشملت هجوما برّيا وبحريا وجويا وتسلّلا إلى عدة مستوطنات في غلاف غزة، تجاوز حجم الخسائر والدمار في مدينة غزة ما حدث في الحروب السابقة.

وفقا لما أعلنته وزارة الصحة في غزة، فقد ارتفع عدد القتلى إلى 900 شخص، منهم 260 طفلا و230 سيدة، إضافة إلى إصابة حوالي 4500 مواطن بجراح مختلفة، فيما نزح نحو 20 ألف فلسطيني إلى مدارس تابعة لـ “الأونروا” بقطاع غزة بعد كثافة القصف الإسرائيلي.

أيضا تم تدمير 14 منزلا وستة أبراج وعشرات المباني السكنية والمرافق الحيوية، في حين أن شركة توليد الكهرباء في غزة مهددة بالتوقف خلال ساعات جراء نفاد الوقود.

بالمقابل، وبحسب التقديرات الأولية لوزارة المالية الإسرائيلية، بلغت الأضرار التي لحقت بالممتلكات نتيجة اليوم الأول لـ” طوفان الأقصى” أكثر من 30 مليون دولار، كما تكبدت إسرائيل خسائر بمئات الملايين يومي الأثنين والثلاثاء بعد وقف منشأة غاز “تمار”، وقد وصل عدد القتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي إلى 124 جنديا على الأقل، فيما ارتفع عدد القتلى الإسرائيليين بالمجمل إلى أكثر من 1000 قتيل، و2806 جريح بينهم 106 في حالة خطيرة، وفق وزارة الصحة الإسرائيلية.

نظام القبّة الإسرائيلي أطلق ما لا يقل عن 8,800 صاروخ لاعتراض 4,000 إلى 4,500 صاروخ غزي، من أصل 5,000 أعلنت عنه “حماس”، بكلفة تقدر بـ 61 ألف دولار تقريبا للصاروخ الاعتراضي الإسرائيلي الواحد، وتعدت فاتورة الدفاع الجوي الإسرائيلي في اليوم الأول من عملية “طوفان الأقصى”، النصف مليار دولار.

هذه العملية، اعتبرها رئيس التحرير السابق لصحيفة “الشّرق الأوسط”، طارق الحميد، لتحقيق مصالح خاصة بالفصائل، ومن خلفهم إيران وأتباعها، حيث ما سينتج عن حرب المتاجرة الجديدة هذه؛ هو تعزيز أوراق إيران التخريبية بالمنطقة، وإعادة تموضع لـ”الإخوان” المسلمين، و”حماس” والفصائل، وعودة لعبة الوسطاء، والخاسر الأكيد: القضية والفلسطينيون.

لن يتغير شيء بالمعادلة

القطاع الصحي في غزة كان المتأثر الأكبر نتيجة للقصف الإسرائيلي المستمر لليوم الخامس، حيث اكتظّ مجمع “الشفاء” الطبي في مدينة غزة بالجرحى وبعضهم أفراد عائلات بكاملها يصلون تباعًا، وهذا في حين يشكو الأطباء والممرضون من نقص القدرات الطبية، بينما حذّرت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة من “وضع كارثي”.

الحقيقة بحسب الحميد، تكمن في أن “طوفان الأقصى” يشبه بشدة عملية اختطاف طائرة، حيث تضمن لـ”حماس” والفصائل تغطية إعلامية مكثفة تدوم لمدة 24 ساعة؛ لكن النتيجة الوحيدة هي تصاعد العقوبات وزيادة معاناة الفلسطينيين على مدى العقود القادمة، وهذه العملية تبدو واضحة كحرب متاجرة، حيث يبدو أن التوقيت مشبوهٌ وعواقبه مدمرة، ولا يمكن توقّع أي مكاسب لصالح الفلسطينيين، والجوانب السياسية الإقليمية والدولية ليست في مكانها في وسط مغامرات مثل هذه.

يبدو أن هناك توقيتا مشبوهٌ لهذه الأحداث، خاصة أن هناك محادثات سعودية أميركية تهدف إلى خلق فرص للسلام وتحسين ظروف الحياة للفلسطينيين، هذا التوقيت يتزامن أيضا مع انقسام داخلي في إسرائيل، مما يعني وجود تغييرات في الحكومة الإسرائيلية، وبالإضافة إلى ما ذُكر، يحدث ذلك في وقت قريب من انتخابات في مصر وبداية حملة انتخابية في الولايات المتحدة.

يُشير التوقيت المشبوه أيضاً إلى وجود تدخل إيراني، ويكشف عن نقص في الرؤية السياسية العقلانية من قِبل “حماس” والفصائل، وهذا النهج لا يزال متكرراً في كل حرب وقعت في غزة، بما في ذلك الحرب الجديدة.

حيث يظهر بوضوح عدم الرؤية السياسية العقلانية، وخاصة مع التضامن غير المسبوق مع القضية الفلسطينية، من الديمقراطيين في الولايات المتحدة، حيث يُقال أن الرئيس بايدن، قد يكون آخر المنحازين لصالح إسرائيل، وكانت هناك خلافات مع نتنياهو في العلاقة الأميركية الإسرائيلية.

كما وجدت القضية الفلسطينية دعما أوروبيا قويا من دول ومنظمات، وهذا الدعم يفوق ما شهدته القضية من قِبل من اليسار الغربي، ولكن هذا الدعم بدأ يتلاشى أمام الصور والفيديوهات التي بُثّت بسبب هذه العملية، وبالتالي يصعب على أي شخص الآن القول كلمة حق ضد إسرائيل.

هنا إيران تُظهر عدم رغبتها في رؤية سلام حقيقي، وخاصة سلاما سعوديا إسرائيليا؛ لأنه إذا حدث ذلك، سيؤدي إلى تغيير جذري في منطقة الشرق الأوسط، وسيُنهي لعبة المتاجرة التي كانت تدور حولها، وبالنسبة لـ”حماس” والفصائل، فإنهم يعرفون أن أي سلام حقيقي سيعيد السلطة الفلسطينية إلى الواجهة ويفتح الباب أمام عملية سلام شاملة.

نتائج عكسية

بالنظر إلى تفاعلات الداعمين لـ”حماس” الدوليين تحت ما يسمى “محور المقاومة”، فإن الإرهاصات التي ارتكبوها تشير إلى أن القرار بعدم الانخراط في حرب غزة، اتُّخذ فعليا.

المرشد الإيراني علي خامنئي، نفى أمس الثلاثاء، ضلوع طهران في العملية التي شنّتها حركة “حماس” ضدّ إسرائيل السبت، فيما تحولت بوصلة زعيم ميليشيا “الحوثي” اليمنية، عبد الملك الحوثي، نحو أميركا تاركا “حماس” تواجه إسرائيل، حيث صرّح بعد خامنئي بساعة واحدة، أنه إذا تدخلت الولايات المتحدة في الصراع في غزة بشكل مباشر، فسترد الحركة بإطلاق طائرات مسيّرة وصواريخ وستتّخذ خيارات عسكرية أخرى.

أما الأمين العام لـ”حزب الله” اللبناني، حسن نصرالله، الذي استخدم فلسطين وغزة في جميع خطاباته لفرض سلاحه داخل لبنان على مدى عشرين عاما، اقتصرت تحركاته على استهداف موقع إسرائيلي بصواريخ موجهة، ردا على مقتل ثلاثة من عناصره الإثنين الفائت في هجمات إسرائيلية.

صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، ذكرت أن إسرائيل حذّرت نصرالله من خلال مسؤولين في الحكومة الفرنسية، بأنه إذا تدخل فإنها ستستخدم القوة الكاملة للجيش الإسرائيلي بمشاركة القوات البحرية الأميركية، وقد تضرب حكومة دمشق بما في ذلك الرئيس السوري بشار الأسد.

الأسد بدوره لم يكن هذا التحذير الأول الذي تلقاه، فوفقا لموقع “أكسيوس”، فقد طلبت أبوظبي، الاثنين الفائت، من بشار الأسد بشكل شخصي، بعدم  التدخل فيما وصفته بالحرب بين حماس وإسرائيل، خلال اتصال هاتفي جمع الأخير مع الرئيس الإماراتي، محمد بن زايد آل نهيان.

ليس ذلك فحسب، فحتى أتباع إيران في العراق كان لهم ذات السيناريو المتحفظ عن الدخول في عملية عسكرية ضد إسرائيل، وتبيّن كيف بات تأييدهم للقضية الفلسطينية ليست إلا مزايدة مفضوحة، فزعيم “التيار الصدري”، مقتدى الصدر، اقتصر دعمه الذي اشترط فيها موافقة سوريا ومصر، على الماء والطعام، في حين أن فصائل “الحشد الشعبي” العراقي المدعوم من إيران، تضامنت بعرض مسلح مع “حماس” وأقرانها، بحرق العلم الإسرائيلي.

جميع هذه السياقات، تدل وفقا لتقديرات الصحفي الفلسطيني، محمد خنفر، إلى أن طهران و”حزب الله” ودمشق يتبادلون الدعم والتعاون في مختلف القضايا والصراعات التي تهمّهم، لكن قضية فلسطين وغزة خارج حساباتهم العسكرية، رغم أنهم حلفاء استراتيجيون في ما يسمى “محور المقاومة”، وهو تحالف سياسي وعسكري يهدف إلى مواجهة النفوذ الأميركي والإسرائيلي في المنطقة.

هنا يوضح خنفر في حديثه لـ”الحل نت”، أن كلا من الأطراف الثلاثة يواجهون تحديات وضغوطات داخلية وخارجية تحدّ من قدرتهم على التدخل بشكل مباشر أو كبير في حرب غزة، فطهران تريد التخلص من العقوبات الأميركية والأوروبية التي تؤثر على اقتصادها وأمنها، و”حزب الله” يعاني من أزمة اقتصادية وسياسية خانقة في لبنان ويريد الاستئثار بالكرسي الرئاسي، كما يشارك في حرب طويلة ومستنزفة في سوريا، ودمشق تعاني من عزلة دولية، كما تتعرض لضربات عسكرية من إسرائيل وتركيا.

أيضا يضيف خنفر، أنه يجب ملاحظة أن طهران و”حزب الله” ودمشق لديهم استراتيجية مشتركة داخليا، تقوم على دعم “المقاومة” الفلسطينية بشكل غير مباشر، من خلال تزويدها بالأسلحة والأموال والتدريب والإعلام، مقابل تنفيذ أجندات تخصهم، وهذه الطريقة تتيح لهؤلاء الحلفاء أن يظهروا تضامنهم مع فلسطين دون أن يخاطروا بالدخول في صراع مفتوح مع إسرائيل أو دول عربية أخرى، كما تتيح لهؤلاء الحلفاء أن يستغلوا المقاومة الفلسطينية كورقة ضغط سياسية لتحقيق مصالحهم في المفاوضات أو التسوية.

إذًا، يمكن القول أن عملية “طوفان الأقصى” أو حرب غزة الحالية، هي بلا فائدة، ومن يجني ثمار الدماء هم طهران و”حزب الله” ودمشق وجماعة “الحوثي”، الذين لديهم دوافع قوية للاستمرار في دعم “حماس” معنويا وماديا بشكل بسيط في غزة، لكنهم لا يملكون الإمكانية أو الرغبة في الانخراط في حرب غزة بشكل مباشر أو كبير، وهذا يعني أن هؤلاء الحلفاء سيحاولون الحفاظ على التوازن بين تعزيز نفوذهم وتجنّب التصعيد في المنطقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
3 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة