بزيارة مفاجئة لم تكن مجدولة سلفا واتخذت طابعا غير رسمي، وصل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى السعودية، منتصف ليل الأحد على الإثنين الفائت، والتقى خلال الزيارة ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، الأمر الذي أثار تساؤلات عدة حول دلالة تلك الزيارة، والملفات التي كانت على طاولتها.

طبيعة الزيارة أضفت لها أهمية علاوة على أهميتها، فالرئاسة المصرية لم تعلن عنها كما هو معتاد عن مغادرة السيسي القاهرة متوجها إلى جدة، وظل ذلك محصورا بإعلان شبه رسمي، عبر فضائية “القاهرة” الإخبارية التابعة لـ “الشركة المتحدة” المملوكة لجهاز المخابرات العامة، صدر عن الزيارة التي رافق السيسي فيها رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل.

ظاهريا، جرى خلال اللقاء الذي جمع السيسي بالأمير بن سلمان على مائدة سحور سياسي بجدة، بحث العلاقات الثنائية، وتطويرها بمجالات مختلفة، فضلا عن بحث تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية ومجمل القضايا ذات الاهتمام المشترك، لكن الحديث عن الزيارة كثر وتجاوز حد الديباجة التقليدية التي تتحدث عن علاقات ومصالح ثنائية، وما شابه.

لماذا المفاجأة وراء زيارة السيسي؟

قبل ذلك، وتفسيرا لطبيعة الزيارة التي أخذت طابع المفاجأة، تحدثت مصادر دبلوماسية مطلعة على مسار العلاقات السعودية المصرية لوسائل إعلامية، إن سبب عدم الإعلان الرسمي عن الزيارة؛ هو أن الترتيبات بشأن إتمامها كانت جارية حتى اليوم الذي جرت فيه الزيارة، حيث كان مقررا أن يلتقي السيسي ولي العهد السعودي على مأدبة الإفطار، قبل أن يتم إرجاء الزيارة ساعات عدة، حتى تمت منتصف ليل الأحد.

لكن المهم أن هذه الزيارة الخاطفة تُعد الأولى بعد ما أشيع عن فتور العلاقة الثنائية بين الجانبين والتي واكبت السجال على وسائل التواصل الاجتماعي بين بعض المغردين من الشعبين، لكن البعض تحدث عن أن أهمية الزيارة تأتي من مناقشة عدد من القضايا الإقليمية والدولية المتعلقة بالدولتين، وفي مقدمتها عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، لاسيما مع اقتراب موعد القمة التي ستستضيفها السعودية.

اقرأ/ي أيضا: بعد اتفاق رعاة الحرب.. رسائل إيرانية وراء تصعيد “الحوثيين” في اليمن؟

الحديث يجري عن أن الزيارة ركزت على مناقشة الأزمة السورية ودعم دمشق للعودة إلى الجامعة العربية، ومحاولات إنهاء الصراع هناك والعودة إلى طاولة المفاوضات على أسس تواكب الأطراف السورية والمصالح الإقليمية والدولية بها، فضلا عن دعم الاقتصاد اللبناني وتسمية رئيس دولة جديد ومحاولة مساعدة لبنان قبل النزوح في نفق مظلم خاصة بعد انهيار الليرة اللبنانية بعد انسحاب الاستثمارات السعودية من لبنان.

السعودية تعتزم دعوة الرئيس السوري بشار الأسد، لحضور القمة العربية التي تستضيفها الرياض في أيار/مايو، وهي خطوة من شأنها إنهاء عزلة دمشق الإقليمية رسميا. وقال مصدران إن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان سيتوجه إلى دمشق في الأسابيع المقبلة لتسليم الأسد دعوة رسمية لحضور القمة المقرر عقدها يوم 19 أيار.

وكالة رويترز

ما تحدثت عنه “رويترز” لم تكن سابقة مفاجئة، فقبل ذلك ذكرت الوكالة ذاتها، أن السعودية والحكومة السورية اتفقا على إعادة فتح سفارتيهما بعد قطيعة دامت 12 عاما، وذلك بعد محادثات في الرياض أجراها مسؤول استخباراتي سوري رفيع المستوى.

فبحسب “رويترز” التي نقلت عن المصادر الثلاثة شريطة عدم الكشف عن أسمائها، فإن توصل الرياض ودمشق لاتفاق حول إعادة فتح سفارتي بلديهما، جاء إثر مباحثات جرت بحضور مدير المخابرات العامة السورية، اللواء حسام لوقا، الذي مكث أياما عدة في الرياض.

سوريا إلى جانب عدة ملفات

وسط ذلك، وللوقوف على دلالة وأبعاد زيارة الرئيس المصري إلى السعودية، تواصل موقع “الحل نت”، مع الخبير السياسي عباس شريفة، وقال إن الزيارة تأتي لبحث عدة ملفات منها اقتصادية وسياسية، بشكل أساسي. لكن ليس ذلك فحسب، بل تأتي بهدف كسر حالة الجفاء والجمود ورأب الصدع الذي تعرضت له علاقة الجانبين، بعد الحملات الإعلامية المتبادلة على مواقع التواصل الاجتماعي بالتهجم على قيادة الدولتين.

شريفة، أوضح أن سبب توتر العلاقات السعودية المصرية، هو التنسيق المصري مع الإمارات، وأيضا بسبب الخلاف على جزيرة تيران وصنافير التي لم تسلمها مصر حتى الآن إلى السعودية، وكذلك حول الودائع المالية التي رفضت السعودية الآن تسليمها للمصرين إلا بمشاريع واستثمارات حقيقية خلاف ما كان معمول به من وضع ودائع كاش.

اقرأ/ي أيضا: “العشرة” و“الماروت” وغيرها.. مسلسلات رمضانية تنعش الدراما العراقية

إذ مثّلت قضية الودائع نقطة خلافية بين الطرفين، ولذلك تأتي هذه الزيارة بناء على دعوة من الأمير محمد بن سلمان لتجاوز الخلافات، لاسيما في ظل التحضير للقمة العربية التي تسعى السعودية فيها ضمان حضور السيسي إلى القمة، بحسب شريفة، الذي أكد أن الرياض تسعى إلى خلق تمثيل عالي المستوى في القمة العربية التي ستستضيفها.

المحلل السياسي السوري، لفت إلى أن السعودية تريد إبراز دورها كقائد للمنطقة، بالتالي ليس من المناسب أن تكون هناك قمة عربية في السعودية ويكون الحضور فيها بمستوى متدني، لذلك تعمل الرياض على تصفير المشكلات مع كل الأطراف، بما فيهم؛ العراق، وسوريا، ومصر، وغيرها من الدول.

بناء على ذلك، فمن المحتمل أيضا أن نشهد مبادرة سعودية تجاه الإمارات، لضمان حضور عالي المستوى في القمة، لافتا إلى أنه بجانب تلك الاعتبارات، فعلى ما يبدو أن الزيارة جاءت من أجل التشاور لدعوة الرئيس السوري بشار الأسد، وذلك بالنظر إلى توقيت الزيارة الذي عقب زيارة وزير الخارجية السوري فيصل مقداد، إلى القاهرة ولقائه بوزير الخارجية سامح شكري الذي كان هو الآخر قد زار سوريا مؤخرا على خلفية الزلزال الذي ضرب البلاد.

غزل سعودي لسوريا

في 8 آذار/مارس الماضي، قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، إن “زيادة التواصل مع النظام السوري، قد تمهد الطريق لعودته إلى جامعة الدول العربية، مع تحسّن العلاقات بعد عزلة تجاوزت عشر سنوات”.

قبل هذا التصريح كان بن فرحان قد قال في 19 شباط/فبراير، في “منتدى ميونخ للأمن”، إن “إجماعا بدأ يتشكل في العالم العربي على أنه لا جدوى من عزل النظام السوري، وأن الحوار مع دمشق مطلوب في وقت ما، حتى تتسنى على الأقل معالجة المسائل الإنسانية، بما في ذلك عودة اللاجئين”.

الأمير فيصل أضاف حينها، أنه في ظل غياب سبيل لتحقيق الأهداف القصوى من أجل حل سياسي، فإن نهجا آخر بدأ يتشكل لمعالجة مسألة اللاجئين السوريين في دول الجوار ومعاناة المدنيين، خاصة بعد الزلزال المدمر في سوريا وتركيا.

يشار إلى أن “الجامعة العربية” قد علقت عضوية سوريا في 2011، وسحبت العديد من الدول العربية مبعوثيها من دمشق، لكن الرئيس السوري بشار الأسد استفاد من تدفق الدعم من الدول العربية في أعقاب الزلزال المدمر الذي وقع في السادس من شباط/فبراير الماضي، والذي أودى بحياة آلاف السوريين.

هذا وكانت آخر قمة عربية قد عقدت في الجزائر في تشرين الثاني/نوفمبر الفائت بعد توقف دام لسنوات بسبب جائحة “كورونا”، غير أن دمشق لم تشارك بعدما فشلت الدولة المضيفة في إقناع الدول العربية الأخرى بإنهاء تعليق عضوية سوريا.

بناء على ذلك، فإن زيارة الرئيس المصري إلى السعودية جاءت في إطار عام هدفه ضمان حضور السيسي في القمة العربية المرتقبة، وذلك من خلال بحث العديد من الملفات التي يبدو أن السيسي حاول استثمار تحقيقها من خلال حاجة الرياض له في الوقت الحالي. ضمن ذلك أيضا هو إمكانية إعادة سوريا لمقعدها العربي من خلال القاهرة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات