تطورات سياسية ودبلوماسية متسارعة يشهدها الشرق الأوسط مؤخرا، مترافقة مع مسار مصالحات بين عدد من الدول، تبدو سوريا مركزها، ما يضع المنطقة أمام تحالفات جديدة، إذ تشير اتجاهات هذه التطورات إلى مستجدات من شأنها التأثير العميق في مسارات مستقبل المنطقة.

عدد من الخبراء والمحلليين اعتبروا أن بعض هذه التطورات قد قطعت شوطًا في النضوج والتبلور، وبعضها الآخر ما يزال في طَور الولادة، لكنه يُسرع الخُطى في التحوّل إلى وقائع متبلورة في الواقع العربي، ولعل الاتفاق السعودي الإيراني الأخير وقرار الرئيس التونسي قيس سعيّد بتعيين سفير لتونس في العاصمة السورية دمشق، بعد قطيعة امتدت على مدى 10 سنوات هو محرك لهذه التطورات.

الرئاسة التونسية قالت إن الرئيس سعيد وجه، يوم الاثنين الفائت، تعليمات لوزير الشؤون الخارجية نبيل عمار بالشروع في إجراءات لتعيين سفير جديد لدى العاصمة السورية دمشق، ويأتي هذا القرار فيما كان وزيرا خارجية تونس وسوريا، قد أكدا خلال اتصال هاتفي سابق، رغبتهما في عودة العلاقات الثنائية بين تونس وسوريا إلى مسارها الطبيعي.

كشف المستور

في عهد الرئيس السابق منصف المرزوقي، شهدت تونس موجات تسفير آلاف من التونسيين إلى بؤر التوتر من بينها سوريا، تحت غطاء سياسي، حيث أجمعت أغلب القراءات التونسية على أن استئناف العلاقات بين تونس ودمشق سيكشف أسرارا تم إخفاؤها منذ 2011 وحتى اليوم.

ما تم توريط الشباب التونسي به من قبل أطراف عدة وخاصة “حركة النهضة” ومن كان معها خلال حكم الرئيس السابق المنصف المرزوقي وغيرهم، عبر مؤتمر “أصدقاء سوريا” وفتح الأبواب لعدة آلاف من الشباب التونسي للذهاب إلى سوريا، والمشاركة في القتال ضمن صفوف الجماعات الإرهابية، وارتكاب جرائم يندى لها الجبين هناك، أمر لا بد أن يتم فتحه، بحسب حديث المحلل السياسي والخبير في شؤون منطقة شمال إفريقيا باسل ترجمان، لـ”الحل نت”.

قد يهمك: دمشق تذهب إلى أحضان تونس والجزائر.. ما الذي تريده وماذا ستحقق؟

 من وجهة نظر ترجمان، أن دمشق لديها الكثير من المعلومات والمعطيات التي ستساهم في تفكيك هذا الملف الذي فُقد به عدة آلاف من الشباب التونسي بين قتيل وأسير ومفقود، سواء في الحرب التي دخلوها ضد الحكومة السورية أو في الصراعات بين الجماعات المسلحة التي انضموا لها وخاصة تنظيم “داعش” الإرهابي و”تحرير الشام النصرة سابقا”.

الحديث عن هذا الموضوع وفتحه أمر يهم تونس أكثر مما يهم سوريا، لأن هنالك أحساس حقيقي في تونس بأنه تم توريط وإرسال هؤلاء الشباب إلى المحرقة السورية وبالتالي لا بد من كشف كل هذه الحقائق التي تملك دمشق ملفات كبيرة عنها ومعلومات مهمة وبالتأكيد سينكشف الكثير مما خفي في هذه الموضوع، بحسب ترجمان.

من جهتها نقلت صحيفة “الصباح” التونسية عن الخبير الأمني والعميد السابق بالحرس الوطني علي الزرمديني، تصريح له، بأنّ قرار عودة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا قرار صائب ومهم؛ لأنّ سوريا هي مفتاح السر الذي يمكن من خلاله، وبما يتوفر للأجهزة السورية من معطيات واقعية وحقيقية، الكشف عن العديد من الخفايا المرتبطة بمسألة الأمن القومي التونسي من بينها أوّلا التسفير والخطوط التي اعتمدت فيه.

المصدر الميداني لكشف هذه المعطيات، وفق الزرمديني هو سوريا، لا سيّما أنّ هناك شبكات تسفير تقوم بإيصال الشباب إلى سوريا عبر تركيا والدول المحيطة بسوريا، والتي كانت المنافذ التي تسلل منها العديد من الشباب التونسيين إلى سوريا والالتحاق بالجماعات المقاتلة، وبرأيه أنّ حكومة دمشق تمتلك الكثير من الملفات التي قد تفيد تونس في مكافحة الإرهاب.

اعترافات الكثير من العناصر الإرهابية للأمن والقضاء السوريين ستحلّ لغز التسفير، وستكون بمثابة كلمة السر التي تُعري الجهات التي موّلت ويسّرت وتواطأت مع رحلات سفر الآلاف من الشباب التونسي إلى سوريا، وفق ما نقله موقع “آخر خبر أون لاين” التونسي.

منافع سياسية واقتصادية

قرار إعادة العلاقات بين دمشق وتونس، بطبيعة الحال سيكون له تبعات سياسية واقتصادية لكلا الطرفين وستكون فرصة لإصلاح ما تم إفساده، والانطلاق في بناء جسور تعاون مشترك مبني على التنسيق في كل المجالات الأمنية والاقتصادية، وفق حديث النائب السابق في البرلمان التونسي عبدالعزيز القطي، لـ”الحل نت”.

اقرأ أيضا: “ترتيب إجرامي“.. من يقف وراء محاولات تغير ديموغرافية تونس؟

قرار الرئيس قيس سعيد بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، وفق القطي، جاء بطبيعة الحال استجابة لإرادة شعبية ولفتح ملف تسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتر في سوريا، خاصة أن الأخيرة قد عبرت لوفد برلماني تونسي زار دمشق في 2017 والتقى بالرئيس السوري بشار الأسد، استعداداها لتقديم هذا الملف لسلطات التونسية بعد تكوين لجنة مشتركة لهذا الغرض.

قبل أشهر قليلة فتح ملف ما بات يُعرف إعلامياً بـ “التسفير إلى بؤر التوتر”، أمام القضاء التونسي وانطلقت الأبحاث والاستماعات والتحقيقات مع كل من له علاقة بهذا الملف، ويضيف القطي هنا، أنه أصبح من الضروري التنسيق مع السلطات السورية من أجل كشف الحقيقة وتحميل المسؤولية لمن كان وراء هذه الجريمة النكراء، وفق تعبيره.

التحقيقات شملت قيادات سياسية بارزة من بينها رئيس “حركة النهضة” راشد الغنوشي والقيادي بالحركة ذاتها ووزير الداخلية السابق علي العريض، إلى جانب برلمانيين ورجال أعمال وقيادات أمنية وأئمة مساجد سابقين.

آلاف الذين غادروا تونس باتجاه سوريا، لم يذهبوا لوحدهم ولم يذهبوا للسياحة، فكثير منهم كان عاطلا عن العمل ولا يملك المال، حيث مُنحوا المال، وتم تدريبهم وفتحت لهم الحدود ونقلوا إلى سوريا، بحسب المحلل السياسي باسل ترجمان، وهذه كانت عبارة عن شبكات إرهاب دولي تورطت بها أطراف تونسية لا بد من كشفها وتعرية كل هذه الحقائق أمام الشعب التونسي.

اقتصاديا، كانت تربط تونس بسوريا علاقات اقتصادية جيدة، إذ يتوجه سنويا مئات الآلاف من السياح التونسيين إلى سوريا والعكس أيضا، وهو ما يفتح الباب لإعادة تفعيل العلاقات التجارية والسياحية بين البلدين بشكل مباشر أو عبر التوقف في بيروت أو العاصمة الأردنية عمّان، برغم الأوضاع التي يعيشها البلدان، بحسب مراقبين.

مطالب قديمة

كان المنصف المرزوقي قد قرر قطع العلاقات الدبلوماسية بالكامل مع سوريا في شهر شباط/فبراير عام 2012، بسبب الأحداث الجارية آنذاك على الأراضي السورية، التي تحولت إلى نزاع مسلح هدفه إسقاط النظام الحاكم في سوريا، قبل أن تقرر الخارجية التونسية، بعد تولي الباجي قائد السبسي رئاسة البلاد عام 2015، تعيين قنصل عام في دمشق والاكتفاء بهذا المستوى من التمثيل الدبلوماسي.

كانت كتل برلمانية تمثل أحزابا قومية تونسية، على غرار “حركة الشعب” و”حزب التيار الشعبي”، قد ضغطت من أجل إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين، ومررت عام 2017 لائحة برلمانية تطالب بإعادة العلاقات مع سوريا، غير أنّها لم تحظَ بالموافقة من قبل أغلبية أعضاء البرلمان، بحسب صحيفة “حفريات” المصرية.

أطراف سياسية عدة، على خلاف مع “حركة النهضة” وبقية الأحزاب الممثلة للإسلام السياسي، تأمل أن تحصل على معلومات حول “تسفير الشباب التونسيين إلى بؤر التوتر في الخارج، ومن بينها سوريا”، وتقدّر أنّ عودة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق “ستفتح أرشيف هذا الملف الذي ما يزال مثار جدل سياسي حاد في تونس” إلى جانب أن تعود هذه العلاقات بالمنفعة لكلا البلدين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات