في ظل التعقيدات التي تحيط بالملف النووي الإيراني، تسعى اليابان للعودة مجددا ولعب دور في حلّ الملف الإيراني وإنجاز مسار المحادثات المتعثرة بهدف إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، وذلك رغم أنها فشلت سابقا في لعب هذا الدور بين واشنطن وطهران خفضا للتوتر، في عهد رئيس الوزراء السابق شينزو آبي، بعد انسحاب الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، من الاتفاق النووي في 2018.

ويبدو أن دخول الصين إلى الشرق الأوسط ولعبها دور الوساطة بين إيران والمملكة العربية السعودية مؤخرا، أشعل المنافسة مع اليابان التي تريد هي الأخرى أن يكون لها دور محوري في الشرق الأوسط، بسبب المنافسة بين الجانبين على مختلف الأصعدة، خاصة بعد التصعيد الذي تشهده منطقة شرق آسيا فيما بينهما إلى جانب حلفاء كل طرف.

لذلك اتجهت اليابان لتقديم عرض جديد من أجل المساهمة في حل الملف النووي الإيراني، ذلك ما يطرح التساؤلات حول ما يمكن أن تقدمه اليابان في هذا الإطار، وما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه طوكيو في الشرق الأوسط وإمكانية أن تكون سببا في المُضي قُدما في إيجاد صيغة من شأنها تجديد الاتفاق النووي بما يتناسب مع الرغبة الأميركية.

عرض ياباني

العرض الياباني بحسب ما نقلته صحيفة “الشرق الأوسط” جاء عبر وزير الخارجية الياباني، هاياشي يوشيماسا لنظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، وذلك من أجل المساعدة في مساعي  المحادثات المتعثرة بهدف إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، حيث أكدت وزارة الخارجية الإيرانية أن الوزير الإيراني اتصل بوزير الخارجية الياباني، وناقشا تطوير التعاون في مختلف المجالات، فضلا عن المحادثات غير المباشرة بين طهران وواشنطن بهدف العودة المتبادلة إلى الاتفاق النووي.

الجانب الياباني لم يكشف عن تفاصيل المساعدة أو الوساطة التي يسعى لتقديمها بشأن المُضي قدما في “الاتفاق النووي الإيراني”، لكن الوزير الياباني أعرب عن استعداد بلاده لدعم استكمال مفاوضات فيينا، مبديا ارتياح بلاده للتعاون “الإيجابي” بين إيران و”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.

المحادثات التي تسعى اليابان للتوسط من أجل استكمالها، كانت قد مرت بعثرات عديدة خلال السنوات الماضية، وفشلت العديد من المفاوضات الرامية لإحياء الاتفاق المبرم عام 2015 بين طهران وقوى دولية في العاصمة النمساوية فيينا، حيث انتهكت  طهران تدريجيا القيود المفروضة على برنامجها النووي بموجب الاتفاق.

الباحث في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي، رأى أن اليابان اضطرت مؤخرا للانخراط في المحاور الدولية بسبب الأزمة الصينية وارتفاع مستوى المخاطر القادمة من الصين عبر الحزب “الشيوعي” الصيني، مشيرا إلى احتمالية أن تلعب طوكيو دور الوسيط والمنسّق لخفض التصعيد الدولي ضد إيران ضمن المحور الأميركي.

ما هي الأدوات اليابانية؟

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت اليابان تعمل على تخفيض أعدائها حول العالم، لكن ارتفاع المخاطر والتهديدات الصينية، يبدو أنه ألقى بظلاله على سياسة طوكيو، لتتجه نحو الانخراط في المحاور الدولية والأزمات الدولية، إذ تتخوف اليابان اليوم من التحركات العسكرية للصين وحلفائها، واحتمالية أن يكون هناك صدام عسكري بين الجانبين.

قد يهمك: ضياع “حزب الله” وخيارته.. مصير مأساوي للبنان بعد مكاسب الحزب السياسية

النعيمي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “أعتقد أن اليابان ربما تلعب دور الوسيط والمنسق في آن معا لخفض التصعيد الدولي ضد إيران، وبهذا الدور تكون قد انخرطت اليابان بشكل مباشر في لعبة المحاور وبدأت العمل جدّيا ضمن المحور الأميركي، وهذا سيساهم في زيادة نسبة التوتر بين اليابان والصين، وستنعكس تلك التوترات عل علاقة اليابان مع الصين، وسيتم إعادة تقدير موقف حقيقي صيني تجاه متغيرات الموقف الباباني وحتما ستنعكس سلبا على اليابان إذا كسر الطوق الأميركي للصين في تايوان”. 

في حال نجاح اليابان في تقريب وجهات النظر بما يتعلق بالملف النووي الإيراني، فإنها ستسعى كذلك ربما لتقريب وجهات النظر بين طرفي الصراع الدولي الأميركي والصيني، وهنا أوضح النعيمي، أن “اليابان تسعى كذلك لمنع  أي اشتباك دولي في مياه بحر الصين الشرقي والجنوبي المحاذي لتايوان”.

تزامنا مع صعود العديد من الأقطاب الدولية مؤخرا، يمكن لليابان أن تعزز مكانتها إقليميا ودوليا وحتى عربيا، من خلال التدخل بالملف النووي الإيراني، خاصة وأن الأخير مرشح أن يكون سببا في إشعال منطقة الشرق الأوسط على المدى المتوسط والبعيد.

حول هذا الشأن أضاف النعيمي، “وربما قد تكون عوامل ظهور الأقطاب الجديدة ذات المظلة الأميركية مثل اليابان، نوع من الاحتواء للقوة المتصاعدة والتي ربما قد تكون منافسة للولايات المتحدة إذا تعاونت مع الصين، وبالتالي اعتقد أن اتفاقية بكين بين الرياض وطهران، لن يكتب لها النجاح مالم تقرن بأدوات خشنة خاصة وأن طبيعة النفوذ الصيني والسعودي الخارجي ما زال ضمن استخدام الأدوات الناعمة والتي لا تثني طهران عن استخدام كافة الثغرات للتموضع سياسيا وعسكريا في المنطقة العربية”.

أهداف طوكيو

اتفاقية بكين المذكورة ووساطة الصين بين إيران والسعودية، بالتأكيد كان لها دورٌ في تحفيز اليابان لأخذ موقعها في إقليم الشرق الأوسط، إذ إن إنجاز وساطة في الملف النووي الإيراني، سيعزز بالتأكيد مكانة طوكيو في الشرق الأوسط، لا سيما عند الدول التي تسعى لحل البرنامج النووي الإيراني كإسرائيل ودول الخليج.

وهنا أوضح الكاتب والمحلل السياسي محمد اليمني في حديث خاص مع “الحل نت”، “المنطقة الآن تشاهد متغيرات في  ميزان القوى الإقليمية والدولية، اليابان كما نعلم حليف استراتيجي لدى الولايات المتحدة، واليابان تحاول أن تقلد الصين وخاصة في الوساطة الصينية بين السعودية وإيران، كل دولة الآن لديها طموح كبير بأن تكون قوة ظاهرة للجميع وحاضرة في بعض الملفات الشائكة. العلاقة اليابانية الأميركية تساعدها علي ذلك، ولا نستبعد تماما أن اليابان أخذت ضوء أخضر أميركي لتحريك مسار الاتفاق النووي”.

ما يدعم كذلك فرضية التنسيق بين واشنطن وطوكيو، حول إقدام الأخيرة على التحرك وإطلاق وساطات بشأن إحياء “الاتفاق النووي الإيراني”، هو الرغبة الأميركية بحل الملف بالطرق الدبلوماسية، وذلك بعيدا عن أي خيار عسكري، كما يجري الحديث عنه في الشرق الأوسط وبشكل خاص من قبل إسرئيل.

الولايات المتحدة الأميركية ما يزال لديها أمل في التخفيف من وطأة الملف النووي الإيراني عبر القنوات الدبلوماسية، وقد كشف موقع “والا” الإسرائيلي قبل أيام، عن اتفاق نووي جديد، حيث أبلغت واشنطن تل أبيب، أنها تدرس دفع “اتفاق جزئي” مع إيران يستند على تجميد أجزاء من برنامجها النووي مقابل تخفيف بعض العقوبات.

الاتفاق يشمل تجميد تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 60 بالمئة، مقابل تخفيف العقوبات على إيران، مثل فك حظر 7 مليارات دولار مجمدة بحسابات بنكية في كوريا الجنوبية، وقال مسؤول إسرائيلي ودبلوماسي غربي للموقع، إن الأميركيين نقلوا العرض إلى الإيرانيين عبر وسطاء، لكن طهران رفضت في هذه المرحلة العرض وأوضحت أنها معنية بالعودة الكاملة للاتفاق النووي لعام 2015.

إيران صعّدت خلال الفترة الماضية من انتهاكاتها في البرنامج النووي الخاص بها، إذ إن توقف المفاوضات منح النظام الإيراني متسعا وافرا من الوقت، حتى أشارت بعض التقارير إلى أن إيران وصلت بنسبة التخصيب إلى نحو 84 بالمئة من اليورانيوم، ما يعني اقترابها أكثر من الحصول على قنبلة نووية.  

على الرغم من اختلاف التقارير حول المُّدة التي أصبحت تحتاجها إيران للوصول إلى صنع القنبلة النووية، فإن الجميع بات يُدرك أن طهران أصبحت أقرب من أي وقت مضى، لامتلاك السلاح النووي، وقد أظهرت نتائج أبحاث “معهد العلوم والأمن الدولي” أن إيران على بُعد أسابيع قليلة من تجاوز العتبة النووية، بالمقابل فإن تقريرا لصحيفة “لوموند” الفرنسية، أفاد بأن ”أمام إيران فقط عامٌ ونصف إلى عامين للوصول إلى سلاح نووي”، آخذة بعين الاعتبار تخزين كمية من اليورانيوم بنسبة 90 بالمئة، ثم صُنع رأس نووي ودمجه بصاروخ مناسب. 

بالتأكيد فإن نجاح اليابان بلعب دور وساطة ما في “الاتفاق النووي الإيراني” سيكون له مكاسب واسعة لطوكيو، فهي ستضمن تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية، التي تساعدها على حماية مصالحها في شرق آسيا، كما سيفتح الطريق أمامها من أوسع الأبواب نحو علاقات جديدة مع دول الشرق الأوسط، لكن هل ستتمكن فعلا من إقناع إيران على العودة للاتفاق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات