في خضم تدهور الأوضاع المعيشية في سوريا يوما بعد يوم، خاصة في المناطق التي تسيطر عليها حكومة دمشق، فإن نسبة اعتماد السوريين داخل البلاد على الحوالات المالية الخارجية كمصدر أساسي للرزق بات يزداد تباعا لذلك. مما لا شك فيه أن الأرقام المتداولة حول حجم التحويلات اليومية تتفاوت من حين لآخر، لكن لا أحد يختلف في أنها مهما كان حجمها فإنها تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد السوري، أو ربما يمكن اعتبارها عجلة الاقتصاد نفسه، بالنظر إلى تدني الرواتب والأجور إلى أدنى المستويات، حيث لا يكفي راتب الموظف الحكومي سوى مصروف لعدة أيام فقط.

اللافت أن هذه الحوالات الخارجية القادمة من المغتربين لأُسرهم المتبقين داخل سوريا ليست فقط المصدر الأساسي للمواطن لتمرير يومهم ومعيشتهم، بل أصبحت المصدر الرئيسي للعملة الأجنبية في الأسواق المحلية ورافد مهم لـ”المصرف المركزي السوري”، وهذا الكلام وفق تقدير الخبراء الاقتصاديين العاملين في مؤسسات الحكومة، وليس من أي مكان آخر.

10 ملايين دولار يوميا

نحو ذلك، قال أستاذ جامعي في جامعة دمشق، إنه لا يختلف اثنان على أهمية الحوالات القادمة من خارج سوريا، وحجم تأثيرها الكبير في اقتصاد البلاد لأن نسبة لا يُستهان بها من السوريين في مناطق سيطرة الحكومة السورية تعتمد عليها في معيشتها، وهي مصدر رئيسي للعملة الأجنبية في السوق المحلية ورافد مهم لـ”المصرف المركزي”، حسبما يوضح تقرير لصحيفة “الوطن” المحلية، يوم أمس الأربعاء.

أستاذ النقد والمصارف في جامعة دمشق علي كنعان، أوضح أن الحوالات الخارجية تُعتبر بمثابة مورد للقطع الأجنبي في الاقتصاد الداخلي، مدّعيا أن “الاقتصاد السوري يعاني من تجفيف منابع السيولة من القطع الأجنبي نتيجة الحصار وقانون قيصر”، إلا أن التقارير والتحقيقات الأممية، بجانب جميع المعطيات والمؤشرات الاقتصادية تنفيه.

كنعان يقول إن حجم الحوالات القادمة من اللاجئين والمهاجرين السوريين إلى ذويهم في الداخل تُقدر بين 5 إلى 10 ملايين دولار في اليوم، وهو مورد لا يُستهان به في الظروف الحالية لكون هذه المبالغ تجاوزت أرقاما كبيرة، وبحسب تقديره فإن هذا الرقم سيؤمن للاقتصاد المحلي إمكانية تمويل المستوردات الأساسية.

كما أوضح أنه في الفترة السابقة حدد “المصرف المركزي” سعر الحوالات بسعر متدن لا يتجاوز نصف السعر الحقيقي، أما الآن فتم الرفع إلى سعر قريب من السوق الموازي، بالتالي ازدادت هذه الحوالات، سابقا كانت تعود لخارج خزينة المركزي، إما للبنان وإما للأردن وكبدت أصحابها تكاليف كبيرة للحصول عليها، وعندما قام “المصرف المركزي” برفع سعر صرف الحوالات عادت عليه وعلى أصحابها بالفائدة.

المواطن والحكومة يستفيدان؟

ضمن سياق السياسات الاقتصادية الواجب اتباعها في ضوء زيادة حجم هذه الحوالات المالية يعتقد الأكاديمي الاقتصادي، أنه بقدر ما يزيد حجم هذه الحوالات بقدر ما يستفيد “المصرف المركزي” ويسهم في استقرار قيمة الليرة السورية، ذلك لأن الاقتصاد السوري لو أراد أن يستورد الحاجات الضرورية يصل مقدار الاستيراد إلى 8 مليارات دولار في السنة.

كذلك، ضغط “المركزي السوري” على الاستيرادات حتى وصلت إلى وسطي 5 مليارات دولار، كما أنه العام الماضي وبفعل هذا الضغط الحكومي وصلت إلى 4 مليارات دولار ما أدى إلى زيادة التهريب ودخول منتجات غير رسمية فحُرمت الخزينة من القطع الأجنبي ومن الرسوم الجمركية، كما أساء للمستوردات نفسها لدخول مواد مغشوشة وليست بالمستوى المطلوب.

وفق منظور كنعان فإن عمل “المنصة” الحكومية أمر سلبي، نظرا لإعاقتها عملية الاستيراد، أي تأخير حركة الإنتاج والصناعة، وبالتالي كبح عملية النمو الاقتصادي، ولهذا لا يجب حصر الاقتصاد بمنصة اقترحها شخص وبرهنت فشلها في تنظيم عملية دخول وخروج القطع الأجنبي، فالاقتصاد الوطني بكل دول العالم لا يُراقب ولا يُدقق.

لذلك، فإن الهدف يجب أن يكون بتحقيق نمو اقتصادي وليس تثبيت سعر الصرف، و”المصرف المركزي” بكل سياساته يسعى لتثبيت سعر الصرف وبالتالي هو المسؤول الأول عن تأخير عملية النمو الاقتصادي، أي عودة الاقتصاد لمرحلة الركود.

كما أن عدم سماح الحكومة بالاستيراد والتصدير أو تقديم إعانات وتسهيلات، سيؤدي لتراجع النمو الاقتصادي، لذلك يجب على المعنيين اتّباع سياسات رفع أسعار الصرف إضافة لإمكانية تسليمها بالقطع الأجنبي لمن يرغب بذلك.

القرار الأخير بخصوص تخفيّض “المصرف المركزي”، سعر الصرف الرسمي بحيث يوازي السعر الموجود فيما تُعرف بـ”السوق السوداء”، كان دليلا واضحا على مدى تعثّر الحكومة في سياساتها الاقتصادية ومعدلات التدهور في قيمة الليرة السورية، حيث أن هذا الأمر نادرا ما حدث في تاريخ “المركزي السوري” على الأقل خلال 10 سنوات الماضية، بالإضافة فإن هذا القرار يساهم في زيادة إرسال الحوالات إلى المناطق الحكومية وعبر الشركات المرخّصة وليس من خلال الأشخاص أو الشبكات المخفية.

بحسب عدة دراسات فإن 70 بالمئة من السوريين ن يعتمدون على الحوالات الخارجية في معيشتهم وتدبير أمورهم اليومية، ومعظم هذه الحوالات تأتي من الدول الأوروبية وتركيا ودول الخليج، بجانب مصر والعراق.

قد يهمك: تكلفة الطبخة 100 ألف.. كيف يعيش السوري في رمضان؟

بالاستناد إلى ذلك وحجم الحوالات الخارجية، فإن الحكومة قد أدركت مدى أهمية هذه الحوالات بالنسبة لاقتصادها، ولهذا أصدرت قرارا بخفض قيمة الصرف بما يساوي السعر في السوق الموازية، بغية الاستفادة هي أيضا من ورود القطع الأجنبي وليس فقط المواطن.

المواطن يدفع الضريبة

في المقابل، فإن الانخفاض في سعر الصرف، بطبيعة الحال انعكس سلبا على الأسواق، حيث ارتفعت الأسعار بشكل غير مسبوق ولا سيما خلال شهر رمضان وقبل عيد الفطر، وعلى الرغم من أن ارتفاع الأسعار لا يزال يحدث بطريقة دراماتيكية، وعدم قدرة الحكومة على التدخل وضبط الأسواق أو ربما هي مَن تقف وراء كل هذا الغلاء والتّفلت في الأسعار.

بالتالي فإن هذا الأمر سيُلقي بظلاله على المشهد السوري الحياتي بالتأكيد، سواء من غلاء الأسعار أو زيادة معدلات التضخم، وهو ما يعني أن المغتربين سيضطرون إلى زيادة حجم إرسال الحوالات لذويهم المتبقين داخل سوريا، وهو ما ترنو إليه دمشق ربما، نظرا لأن هذه الأموال تساهم في تنشيط اقتصاد البلاد بشكل أو بآخر.

مطلع العام الجاري 2023، ارتفع متوسط تكاليف المعيشة في سوريا إلى أكثر من 4.5 ملايين ليرة سورية لعائلة مكونة من خمسة أفراد، بعد أن كان في نهاية شهر أيلول/سبتمبر الماضي أكثر من 3.5 ملايين ليرة سورية، في حين يبلغ متوسط دخل المواطن ما بين 165-250 ألف ليرة سورية، بحسب دراسة سابقة نشرتها جريدة “قاسيون” المحلية. بمعنى أن معدل تكلفة المعيشة في سوريا تزداد يوما بعد يوم، والعائلة التي كانت تدبّر أمرها بـ 200 دولار، فإنها اليوم تحتاج لأكثر من ذلك، نظرا لأن الأسعار ترتفع أضعافا، عندما تنخفض قيمة الليرة السورية أمام النقد الأجنبي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات