ارتفاع الأسعار داخل سوريا في كل رمضان بات يتجاوز كل التوقعات، وكأنها فرصة لا تعوّض بالنسبة إلى تجار الحرب ومتحكّمي الاقتصاد بالبلاد، إذ لا يجرؤ المواطن السوري على دخول الأسواق والمحال التجارية إلا للضرورة. هذا الارتفاع الخيالي في الأسعار يكاد أن يشلَّ حركة المارة في الأسواق.

لا يختلف اثنان على أن الأسواق السورية تشهد انخفاضا ملحوظا في حركة البيع والشراء بخلاف ما كان معتادا في شهر رمضان خلال السنوات السابقة، وذلك لعدة أسباب أهمها انخفاض القوة الشرائية والزيادة الكبيرة في أسعار معظم السلع تقريبا سواء من المواد الغذائية أو الحلويات والموالح التي باتت حُلما لشريحة واسعة من المواطنين.

لذلك كان لا بد من تسليط الضوء على نسب ارتفاع الأسعار خلال شهر رمضان بسوريا وعلى لسان المسؤولين في حكومة دمشق. وكيف بات يعادل تكلفة أقل طبخة راتب موظف حكومي، ومن ثم كيف يدبر المواطن السوري أمور حياته المعيشية.

يعادل راتب موظف!

نحو ذلك، نقلت صحيفة “الوطن” المحلية، يوم الإثنين الماضي، عن رئيس جمعية حماية المستهلك في دمشق عبد العزيز معقالي، قوله إن سعر مواد أبسط طبخة خلال شهر رمضان يصل إلى نحو 100 ألف ليرة سورية.

بالنظر إلى أن معقالي أقرّ بنفسه أن حركة الأسواق خلال شهر رمضان الجاري ضعيفة، بجانب تأكيده رصد الجمعية ارتفاع أسعار الحلويات بنسبة 100 بالمئة وهو ارتفاع غير مبرر في ظل ضعف القدرة الشرائية عند المواطن بحيث أصبح الارتفاع في الأسواق لا يوائم الدخل، وهذا يُظهر حجم المأساة الذي يعيشه المواطن السوري اليوم.

معقالي أردف بالقول أن الكثير من المواطنين باتوا يشترون المواد بـ”القطارة” بحسب وصفه، وخاصة حبات البطاطا وغير ذلك من المواد الغذائية والخضراوات، لافتا إلى أن الطلب على المواد وحركة الأسواق انخفضت لأكثر من 50 بالمئة، ولا سيما أن 90 بالمئة من المواطنين تحت خط الفقر.

قد يهمك: وجبات إفطار السوريين في رمضان.. “المجدّرة بالبيض” بدل “اللبنية” – الحل نت 

العديد من المراقبين يرون أن سبب تدهور وفوضى الأسعار يعود لفشل الخطط الحكومية والفساد المستشري في البلاد، بالإضافة إلى تدهور الليرة السورية أمام النقد الأجنبي، بجانب غياب الدوريات الرقابية الحكومية وتحكم التجار بالأسعار وفق أهوائهم.

سياسات الحكومة السورية أثبتت فشلها من الناحية الاقتصادية، إذ تقوم بسنّ قوانين، دون أن تكون هناك خطط موازية لمنع تفاقم الأوضاع المعيشية للسكان، وهذا ما أكده العديد من المراقبين وحتى المسؤولين المتواجدين ضمن هذه الحكومة نفسها.

ضرورة رفع الرواتب والأجور

في ظل هذا الغلاء الفاحش والعجز الحكومي حياله، أكد المعقالي للصحيفة المحلية ضرورة زيادة القدرة الشرائية ورفع الرواتب والأجور، وتخفيض الرسوم والضرائب وتسهيل عملية نقل المنتج وإيجاد أسواق هال في مراكز المدن الرئيسة، مشددا على ألا يكون تخفيض السعر على حساب المواصفة والنوعية، مع ضرورة وضع الأسعار في الأسواق الرئيسة بشكل إلكتروني واضح أو محدد من الجهات المعنية بالنسبة لمختلف السلع والمواد.

هذا وسجلت أسعار اللحوم الحمراء رقما قياسيا خلال شهر رمضان لتغيب عن موائد الإفطار لمواطني الدخل المحدود، بحيث وصل سعر كيلو لحم الغنم إلى أكثر من 90 ألف ليرة في الأسواق.

رئيس الجمعية رأى أن سبب ارتفاع أسعار اللحوم يعود لعدم توافر الأعلاف وغلاء الأدوية البيطرية والتي تشكل عبئا على مربّي الثروة الحيوانية، ما يتطلب تدخلا واضحا وطرح معالجة وحلول، ودعم مستوردي الأعلاف وإعفائهم من الضرائب والرسوم، وقيام المؤسسة العامة للدواجن باستيراد العلف، وفق ما نقل المصدر.

على إثر هذا الغلاء تراجع استهلاك الفروج من قبل المواطنين بنسبة كبيرة، نتيجة ضعف القوة الشرائية لدى المواطنين، لدرجة صار السوري يشتري الفروج بالقطعة واللحوم الحمراء بالأوقيات.

كيف يدبر السوري أموره؟

في السياق ذاته، ارتفعت أسعار الخضار بشكل كبير، حيث وصل سعر كيلو الخيار في محافظة اللاذقية إلى 9 آلاف ليرة سورية بشكل مفاجئ، فيما يبدو أن أزمة جديدة تتعلق بتوفير المادة على وشك أن تشغل المجتمع السوري قريبا، على غرار أزمة البصل خلال الفترة الماضية.

بعض السكان، اعتبروا أن رفع سعر أي مادة بشكل غير مسبوق يمهد لإدخالها في ما تُعرف بـ”البطاقة الذكية”، كما حصل مع مادتي المتّة والبصل، وفق ما ذكرت صحيفة “الوطن” المحلية، في تقرير آخر يوم الثلاثاء.

قبل أيام قليلة قال الدكتور في كلية الاقتصاد بدمشق علي كنعان، أن الحد الأدنى لتكلفة وجبة الإفطار بشهر رمضان لخمسة أشخاص تتراوح ما بين 40 إلى 60 ألف ليرة سورية، مؤكدا في تصريحات نقلتها إذاعة “شام إف إم” في وقت سابق أن “سفرة رمضان قد يتجاوز متوسط تكلفتها يوميا مئة ألف ليرة”.

حتى صحن “الفتوش” وهو من الأطباق الرئيسية في رمضان والأقل تكلفة، يبلغ تكلفته بحسب ما أفادت به تقارير محلية، 15 ألف ليرة سورية، وذلك بعد ارتفاع أسعار معظم مكوناته الأساسية، فقد وصل سعر باقة البقدونس إلى 800 ليرة سورية، والنعناع إلى 1000 ليرة سورية، والبقلة والخيار 4500 ليرة سورية، فيما سجلت الأسواق سعر 20 ألف ليرة لليتر الواحد من زيت الزيتون.

بالتالي المواطن السوري بات أمام واقع مرير وصعب للغاية، فالحياة المعيشية في سوريا باتت من أصعب الأمور لدى مواطنيها، وهذا ما دفع بفئة كبيرة ولا سيما الموظفين منهم إلى العمل بوظيفة أو عمل ثانٍ حتى يتمكّنوا من الاستمرار بحياتهم اليومية.

الأوضاع المعيشية الخانقة التي يعيشها غالبية السوريين، بسبب الارتفاع غير المسبوق في الأسعار، واستمرار فقدان الأجور والرواتب، جزء كبير من قيمتها المستحقة بسبب الانهيار القياسي لسعر صرف الليرة السورية مقابل العملة الأجنبية، أصبح الراتب الشهري لا يكفي سوى ليومين فقط، وهو ما دفع السوريين إلى البحث عن تأمين احتياجاتهم ومصادر دخل جديدة لهم، والتي تتمثل في العمل بوظيفة ثانية أو الاعتماد على الحوالات المالية الخارجية، وبعض الأعمال الأخرى التي أنتجتها الحرب على مدار السنوات الماضية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات