بعد مرور ستة أشهر على الفراغ الرئاسي، تتجه الأنظار إلى تمثيل لبنان في “القمة العربية 32” التي أعلن عن انعقادها في19 أيار/مايو المقبل. تساؤلات عدة بدأت تُثار حول إمكانية تغير الأوضاع الرئاسية العالقة بعد هذه القمة، أبرزها إذا كان لبنان سيصل إلى تسوية رئاسية وحلحلة لأموره في ظل التغيرات الإقليمية الأخيرة الحاصلة في المنطقة.

إلى جانب الحيز الكبير الذي تحظى به مسألة دعوة سوريا إلى القمة، حظي لبنان أيضا بجزء من النقاشات فحاليا، وبحكم الأمر الواقع، سيتمثل لبنان برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، طالما أن هناك تعثرا على خط انتخاب رئيس الجمهورية. لكن ذلك فتح الباب أمام استمرار التواصل بين الدول العربية حول الملف اللبناني. يأتي هذا التواصل في موازاة الاتصالات الفرنسية السعودية المستمرة.

وسط ازدياد التباينات الحادة في رؤى القوى الداخلية وحساباتها ورهاناتها حيال التأثيرات المتوقعة للمتغيرات الإقليمية السريعة التي تشهدها المنطقة ولا سيما منها الاتفاق السعودي الإيراني على الأزمات الماثلة في لبنان، تبدو الفترة الطالعة مرشحة لأن تشهد احتداما سياسيا واسعا في شأن الاستحقاق الرئاسي على خلفية المحاولة المتقدمة التي قام بها رئيس “تيار المردة” مرشح الثنائي الشيعي لرئاسة الجمهورية سليمان فرنجية في ترشيح نفسه من منبر بكركي تحديدا معمما الانطباعات، بأنه اقترب من اقتطاع الفوز بالتوافق الإقليمي والدولي على بلوغه قصر بعبدا وشغل كرسيه الشاغر منذ ما يقرب الستة أشهر.

تناقض وتصادم

التطور الأخير وأن لم يحظ غداة زيارة فرنجية إلى بكركي بأصداء علنية واسعة، تفاعل ضمنا في الكواليس الداخلية من زاويتين شديدتي التناقض والتصادم. ففي الضفة الداعمة لترشيح فرنجية يتصاعد الرهان على ما تصفه أوساط هذا الفريق بإصرار حاسم لفرنسا في المضي بمعادلة فرنجية – نواف سلام رئيسا للحكومة أسوة برهانه الأقوى على ما بدأ ترويجه من جانب فريق فرنجية والفريق السياسي الداعم له في الساعات الأخيرة حيال مرونة في الموقف السعودي من المسعى الفرنسي لتسويق ترشيحه، وفقا لجريدة “النهار”.

سليمان فرنجية (نداء الوطن)
سليمان فرنجية (نداء الوطن)

أما في الضفة الرافضة لانتخاب فرنجية باعتباره مرشح “حزب الله”، فيسود الاعتقاد استنادا إلى مصادر مطلعة تماما على مواقف القيادات والكتل والنواب المستقلين المعارضين لـ”الحزب” ومرشحه أن ثمة مناورة كبيرة شرع فيها فرنجية وفريقه دعائيا وإعلاميا وسياسيا للرد على مجمل المعطيات التي سادت الفترة السابقة، والتي ظهرت العقبات والفيتوات الإقليمية والمحلية التي تعترض فرصة انتخابه وأن الرد الاعتراضي هذا سيتصاعد بقوة متدرجة خصوصا بعد ان يقدم فرنجية على إعلان ترشيحه “رسميا”.

اقرأ أيضا: أزمة سياسية في لبنان.. فراغ أم حل قريب؟

بينما ما يتعلق بالمعطيات التي تتحدث عن الموقفين الفرنسي والسعودي من ترشيح فرنجية والحديث عن مجريات متقدمة دفعت به إلى المسارعة إلى بكركي ليجعلها منبره المتقدم للترشح، فإن هذه الجهات المناوئة لانتخابه تؤكد أن المعطيات الرصينة والجدية لا تشير إلى أي متغيرات طرأت على الموقف السعودي تحديدا.

 تاليا فإن الوضع لا يزال على ما كان عليه وثمة حراكا يمكن أن يؤدي إلى انعقاد اللقاء الخماسي للدول المعنية بالأزمة اللبنانية أي فرنسا والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر، أما قبل “القمة العربية” في السعودية وإما بعدها، لمراجعة التطورات بمجملها ومحاولة التوافق بين ممثلي “الخماسي” على مخرج جديد.

زيارة باريس

في نهاية آذار/مارس الماضي، زار الوزير سليمان فرنجية باريس تلبيةً لدعوة من المستشار السياسي للرئيس الفرنسي، باتريك دوريل، في إطار التباحث حول ملف الاستحقاق الرئاسي، ولم يُؤكد بعد ما إذا كان فرنجية التقى بالرئيس إيمانويل ماكرون أم لا، وفق لما نقله موقع “حفريات”.

دعوة باريس لفرنجية والتي سبقتها زيارة لرئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، وتتبعها زيارة رئيس “حزب الكتائب” سامي الجميل، وفقا لمراقبون تأتي في إطار تسوية فرنسية تقوم على انتخاب فرنجية رئيسا وتكليف نواف سلام برئاسة الوزراء. زيارة فرنجية جاءت بعد أيام من اتصال هاتفي من ماكرون بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

من جهته يقول المحلل السياسي خلدون شريف في حديثه لـ”الحل نت”، إن فرنجية إلى الآن هو المرشح الرئاسي الأكثر جدية دون أن يعني ذلك أنه المرشح الأوحد أو أنه المرشح الحتمي الفوز، ويرى شريف بأن فرنسا تعاملت مع الوقائع كما هي و استقبلت فرنجية لتبحث معه شؤون الرئاسة وطلبت منه بذل جهود حثيثة لضمان أصوات تؤهله بالفوز.

شريف يضيف هنا، بأن باريس لا تستطيع إيصال أي مرشح بدون أن يؤمن هذا المرشح الأصوات الكافية، ولا يكفي ترشيح الثنائي للوزير فرنجية كي يفوز بالرئاسة، من جهة ثانية الفرنسيون استقبلوا النائب سامي الجميل وقد يستقبلون شخصيات أخرى بالتأكيد. وفق تعبيره.

حول تأثير الاتفاق السعودي الإيراني والتقارب الخليجي من سوريا مؤخرا من وصول فرنجية لسدة الرئاسية، يرى شريف، بأن المؤثرات الدولية والإقليمية كبيرة في الانتخابات الرئاسية لكن العقبات الداخلية تعطل أي اتفاق. ويذكر شريف هنا باتفاق “الأسد – ميرفي” حول رئاسة ميخائيل الظاهر 1988، حيث كانت عناوين الصحف الكبرى آنذاك “الظاهر أو الفوضى “، لكن لم يأت الظاهر رغم ذاك الاتفاق.

الظروف السياسية والاقتصادية في لبنان اليوم مختلفة عن أي ظرف سابق. فالبلد يعيش إفلاسا ماليا وتحللا للدولة ودمارا للمصارف، إضافة إلى أزماته السياسية المتشعبة، بحسب شريف، حيث يرى بأنه على من يريد تولي الحكم والحكومة في لبنان، عليه أن يعالج المشاكل المالية والاقتصادية من خلال التوقيع مع صندوق النقد الدولي، وإقرار القوانين المواكبة من “الكابيتال كونترول” إلى هيكلة المصارف مرورا بقانون السرية المصرفية وتوزيع الخسائر.

قد يهمك: الفراغ السياسي في لبنان.. كرسي الرئاسة “شاغر” حتى إشعار آخر؟

لن يستثمر عربي أو أجنبي في لبنان ما لم تقم الحكومة اللبنانية المقبلة بالإصلاحات والاصلاحات تتطلب حكاما اصلاحيين، من وجهة نظر المحلل السياسي خلدون شريف، والذي يرى بان الموضوع هو خط مسار إصلاحي يتوافق مع رؤية من يريد المساهمة في إنقاذ لبنان.

في انتظار الرياض

في ظل جمود الحراك الداخلي، تتجه الأنظار صوب الرياض على خلفية الاتفاق مع طهران، والتقارب من سوريا التي يعتبر فرنجية من أهم حلفائها في لبنان. كانت صحف لبنانية تحدثت عن توسط “حزب الله” في المفاوضات بين السعودية و”الحوثيين”، مقابل دعم مرشحه سليمان فرنجية، في إطار التسوية الإقليمية.

من جانبها ناقشت باريس مع فرنجية ما يُعرف بالضمانات التي ستطرحها على الرياض خلال زيارة ماكرون المرتقبة إليها. وفقا لمراقبين، حيث يرى الثنائي الشيعي متمثلا بـ”حزب الله” و”حركة أمل” مرشحهم فرنجية أن لديه القدرة على التواصل مع الجميع وهو ليس عدوا لأحد، وعلاقته جيدة مع دمشق والرياض والفرنسيين والروس والأميركيين والصين والدول العربية، ولا اسم آخر للتفاوض.

الثنائي لا يعتبر التمسك بفرنجية تحديا لأحد، بل خيار مناسب من أجل تهدئة العلاقات مع الخليج والعالم والعرب، وإعادة لبنان المنفتح على كل محيطه، وفق لموقع “حفريات”. فضلا عن ذلك، يرى مراقبون أنّ علاقات فرنجية القوية بالرئيس السوري بشار الأسد ستكون ميزة في تحريك ملف إعادة النازحين السوريين، الذي يُعتبر إحدى أكبر المشاكل التي تواجه لبنان، بحسب ما يصدر عن القوى السياسية، خصوصا المسيحية.

اليوم، ورغم المشاحنات والتصريحات المستعرة بين الفرقاء اللبنانيين، يرى مراقبون بأن التفاهمات السعودية الإيرانية ربما تكون هي المسار الواقعي للخروج بتوافق أغلبية داخل مجلس النواب اللبناني، بينما يؤكد آخرون بأنه لا حل قبل انعقاد “القمة العربية” ولا رئيس للجمهورية في القريب العاجل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات