مع استمرار رحى المعارك المشتعلة في السودان بين قوات الجيش بقيادة رئيس “مجلس السيادة” عبد الفتاح البرهان، وقوات “الدعم السريع” التابعة لمحمد حمدان دقلو، تتصاعد المخاوف في ليبيا من تأثير تلك الاشتباكات، لا سيما أن السودان يتقاسم الحدود معها من الجهة الجنوبية الواقعة تحت سيطرة قائد القوات المسلحة بالشرق الليبي خليفة حفتر، إلى جانب وجود ملفات شائكة متصلة بالبلدين على رأسها موضوع المرتزقة السودانيين الذين تسعى الأمم المتحدة لإخراجهم من البلاد.

العلاقات الثنائية بين حفتر ودقلو، شكلت نقطة انطلاق لتحذيرات أصدرها “المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية”، حول تداعيات الحرب في السودان على الجنوب الليبي، بخاصة في ظل توفر الحاضنة الشعبية لقوات دقلو، وتتمثل في عدد من المرتزقة السودانيين “الجنجويد” في ليبيا، وكانوا قد شاركوا مع قوات حفتر في عدد من المعارك ضد القطب العسكري الغربي، وآخرها حرب 4 أنيسان/أبريل 2019 التي شنها حفتر على العاصمة السياسية طرابلس.

تداعيات على ليبيا

السودان بلد حدودي مع ليبيا وهي دولة شقيقة لها مصالح مع ليبيا والعكس، بحسب حديث الصحفي والمحلل السياسي رياض محمد لـ”الحل نت”، والذي يعتقد بأن عدم استقرار البلد مع تذبذب الوضع الأمني وهشاشته في ليبيا، سيؤدي إلى تمدد الصراع وملاحقة العناصر المتطرفة من المليشيات، وخصوصا أن هناك معلومات تؤكد دعم روسيا لقوات “الدعم السريع” بقيادة دقلو ضد الجيش السوداني، والمعروف أن روسيا لها موطئ قدم في ليبيا حاليا في مجموعة “فاغنر” التي مازالت تتمركز في أجزاء من البلاد.

الاشتباكات في السودان (سي إن إن عربية)
الاشتباكات في السودان (سي إن إن عربية

خطر الصراع ربما يؤثر بطريقة غير مباشرة من الفصائل السودانية عن طريق الروس، وفق محمد، وتصبح الحدود غير مستقرة وبالتالي عدم الاستقرار وانتشار فوضى الإرهاب والهجرة وغيرها في ظل هشاشة الأمن.

اقرأ أيضا: الصراع في السودان.. حسابات الخسارة والنتائج الكارثية؟

الحرب في السودان إذا ما طال أمدها سيكون لها تداعيات كثيرة على طرابلس، وسيكون التأثير الكبير على الوضع الأمني والاستقرار السياسي في جنوب وشرق ليبيا، خاصة مع وجود ميليشيا “الجنجويد” الداعمة لدقلو على الأراضي الليبية، حيث يرجح مراقبون بأن هذه الميليشيا من الممكن أن تتخذ من جنوب ليبيا قاعدة عسكرية لإدارة عملياتها، وملاذا آمنا لقوات “الدعم السريع” في حال هزيمتها في السودان.

في هذا الصدد يقول محمد إن “جنوب ليبيا يعاني من أزمات عدة أبرزها غياب الحماية الكافية للحدود مع السودان وتشاد، ما يسهل الطريق أمام قوات دقلو الانتقال إليه في حال أرادوا ذلك والبقاء طويلا في حال عدم حدوث تسوية قريبة في السودان”.

“الجنجويد” والملف الليبي

قوات “الجنجويد” ارتبطت بسلسلة الأحداث المتعاقبة في ليبيا، وهذا أمرا لا يخفى على أحد، فسابقا استعان نظام القذافي عام 2011 بميليشيات “الجنجويد” للقتال معه لإخماد “ثورة 17 فبراير”، وكذلك لم يتوانى حفتر بالاستعانة بمجموعات “الجنجويد” في معاركه المتكررة، حيت أن دقلو هو من دفع بتشكيلات من قواته للحرب مع حفتر تحت مسمى “الجيش الوطني الليبي” خلال معركة طرابلس نيسان/أبريل 2019، كذلك كان لها دور في تأمين بعض المواقع والمعسكرات، وفقا لـ”المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية”.

بحسب تقرير للأمم المتحدة ، فإنه في شهر أيار/مايو 2019 تم توقيع عقد في الخرطوم تم بموجبه نشر قرابة ألف جندي سوداني من قوات “الدعم السريع”  في ليبيا  بأمر من الفريق  أول محمد حمدان دقلو، وقد استخدم حفتر “الجنجويد”  للسيطرة على قواعد رئيسية في تمنهنت والجفرة في  2017 شمال مدينة سبها، التي تقع على أحد أهم طرق التهريب والعبور الرئيسية للاجئين القادمين من القارة الإفريقية إلى أوروبا ، مما عزز من قبضة وتأثير “الجنجويد” في المنطقة ، حيث أصبحت لهم اليد الطولى في السيطرة علي طرق العبور، وتهريب الوقود، والسطو والحرابة في مناطق تواجدهم وسيطرتهم.

منذ ذلك الوقت أصبح ارتباطهم وثيقا بقوات “الفاغنر” المنتشرة في الجنوب الليبي أمرا لافتا وغير مستغرب نظرا لارتباط قائد قوات “التدخل السريع” دقلو بالروس.

مع الترتيبات الأخيرة التي تشمل ضبط وتأمين الحدود، أصبح دقلو يسير دوريات على الحدود مع ليبيا وتشاد، ضمن تنفيذ مبادرة مشتركة بين الدول الأوروبية و السودان، لمنع المهاجرين من التوجه الى أوروبا، ما ضمن له التعاطف الغربي، و كان حرصه على تواجد قواته في هذا العمل بالتنسيق البيني مع ميليشيا “الفاغنر” في تأدية بعض الأدوار الموكلة له، كما حصل عند نشره لقواته على حدود إفريقيا الوسطى بداعي تأمين الحدود، “ولكن وصف مناوئوه أن هذا الأمر متعلق بخشية الفاغنر من  هجوم على قواتها المتواجدة في إفريقيا الوسطى”.

خطوة احترازية

الاضطرابات الأمنية التي تشهدها الخرطوم وعدة مدن بالبلاد، نتيجة المواجهات العسكرية، دفعت بالجيش الليبي إلى إغلاق الحدود مع السودان أمس الثلاثاء 25 نيسان/أبريل الجاري، كما أرسلت تعزيزات عسكرية إلى مدينة الكفرة، واستنفرت قواتها في المنطقة، وفقا لما نقلته صحيفة “المرصد الليبية”.

قد يهمك: “الحرب المستمرة”.. هل تضع السودان تحت “البند السابع”؟

قرار الجيش الليبي بإغلاق الحدود مع السودان جاء كخطوة احترازية، مع استمرار الصراع بين الجيش وقوات دقلو، دون وجود بوادر لحل قريب، فيما دعا المجتمع الدولي وكذلك القوى المدنية في السودان إلى التهدئة وإلى ضرورة التزام الطرفين بالهدنة، حيث تثير الاشتباكات العنيفة التي اندلعت منذ أكثر من أسبوع، بين القوات المسلحة المتنافسة في السودان قلق ليبيا من احتمال تمدد الصراع وانتشار هذه الاضطرابات عبر الحدود التي تشهد بطبعها فوضى أمنية.

إلى ذلك، يبلغ طول الحدود المشتركة بين ليبيا وتشاد 382 كلم، وهي منطقة مفتوحة تستغلها المجموعات المسلحة والعصابات الإجرامية لتهريب المهاجرين والسلع، كما أن المنفذ الحدودي بين البلدين يخضع لسيطرة الجيش الليبي باعتباره يقع جنوب البلد وسبق وتم توقيع اتفاقية رباعية لتبادل المعلومات الاستخباراتية بين ليبيا والسودان وتشاد والنيجر في مايو عام 2018، بهدف تأمين الحدود المشتركة للحد من الجرائم العابرة للحدود، بحسب ما نقله موقع “العربية”.

أبرز السيناريوهات

من جهته، حذر المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية من تبعات الحرب في السودان على الجنوب الليبي في ورقة بحثية، اطلع عليها “الحل نت” وتضمنت سيناريوهات عدة، جاء في مقدمتها سيناريو انهيار قوات “الدعم السريع” أمام ضربات الجيش السوداني بدعم أميركي مصري، ستكون له انعكاسات على مناطق الجنوب الليبي، حيث سترتفع احتمالية انتشار قوات “الجنجويد” خارج السودان، وخصوصا على الجانب الليبي الذي ما زالت تغلب على أحواله الهشاشة الأمنية، مع وجود دوائر ارتباطات “الجنجويد” السابقة قبليا وعسكريا، مع رغبة الأطراف المحلية والدولية بالاستقواء بالمرتزقة.

المركز يشير أيضا إلى أن البيئة الأمنية والعسكرية الليبية رخوة ومعروفة لدى “الجنجويد”، مما سيؤثر سلبا في أداء مهام نشر القوات العسكرية المشتركة الموحدة للجيش الليبي في الجنوب، والتي تتمثل مهمتها في القضاء على المجموعات المسلحة، والحد من انتشار السلاح خارج سيطرة الدولة، وتنظيم استخدامه، وبسط سيطرة الجيش على كامل الجنوب الليبي وتأمين الحدود بما فيها الحدود السودانية والتشادية والنيجيرية.

ما يجري حاليا في السودان قد يسهم في إعادة انتشار “الجنجويد” من جديد في الجنوب الليبي، وعليه فإن اشتعال الأحداث في السودان يحتم على الدولة الليبية المسارعة في ترتيب تأمين حدودها الجنوبية لمنع احتمالية تأثير هذه الأحداث فيها، وأنه في حال تواصلت الحرب بين طرفي النزاع، فإن الأوضاع المعيشية للشعب السوداني ستتدهور، مما سيتسبب في موجة هجرة ونزوح كبيرة تستهدف دول الجوار، وستتحمل ليبيا العبء الأكبر في ذلك، نظرا إلى تأخرها في تأمين حدودها مقارنة بمصر أو تشاد، بحسب المركز.

من جانبه يرى المحلل السياسي رياض محمد، بأن أبرز سيناريو لتبعات الحرب السودانية على الجنوب الليبي، هو في حال هزيمة دقلو فإن ذلك سيكون بمثابة فرصة  لقوات “الدعم السريع” بالانضمام إلى حفتر، باعتباره داعما لتلك القوات ضد الجيش السوداني، وهذا يعزز من خلال تقارير ومعلومات استخباراتية تشير إلى دعم حفتر لدقلو، عبر قاعدتي الجفرة والخادم بإرسال شحنات عسكرية، وأخرى عن دعم مالي من نجله الصديق حفتر لنادي “المريخ” الرياضي كمدخل باعتبار دقلو من مؤيدي الفريق السوداني، ورغم نفي حفتر إلا أن الاتهامات مازالت تشير إلى دعمه، بحسب محمد.

الاستقرار السياسي في ليبيا الآن يعتبر في غاية الأهمية، كون البلاد مقبلة على انتخابات وعلى تسوية سياسية برعاية البعثة الأممية، حيث يرى مراقبون بأن هذه التسوية ستكون مهددة إذا ما طال أمد الحرب في السودان أو في حال خسارة المعارضة التي ستلجأ للجنوب الليبي، وتؤثر على الأمن والاستقرار وكذلك المشروع الانتخابي في ليبيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات