أسعار صرف الدولار الأميركي في سوريا تستمر في الارتفاع بشكل يومي، لتصل إلى مستويات قياسية جديدة كل صباح. يعود هذا الارتفاع غير المسبوق في قيمة العملة الأميركية إلى سياسات بنك “سوريا المركزي”. حيث يرى المواطنون أن عواقب هذه السياسات تُترجم باستمرار التضخم وانتشار الفقر والجوع في البلاد.

ارتفاع سعر الدولار في سوريا يتسبب في قلق واسع النطاق بين المواطنين والشركات على حد سواء. كل صباح، تسجل قيمة الدولار رقما قياسيا جديدا، مما يجعل من الصعب على السوريين شراء الضروريات الأساسية وإجراء المعاملات اليومية، فبات يوصف بجملة محلية “فلت من عقاله”، ومعناها أن التحكم به لم يعد ممكنا. 

سياسات “المركزي” السوري تفاقم الوضع

أسباب ارتفاع سعر الدولار معقّدة ومتعددة الأوجه. أحد العوامل الرئيسية هو سياسات بنك “سوريا المركزي”، الذي يضخ كميات كبيرة من الليرات السورية في الاقتصاد في محاولة لدعم القطاع المصرفي المتعثر في البلاد. أدى تدفق العملة هذا إلى ارتفاع التضخم، والذي بدوره جعل الدولار أكثر جاذبية للمستثمرين الذين يتطلعون إلى حماية أصولهم.

مصرف سوريا المركزي - إنترنت
مصرف سوريا المركزي – إنترنت

يوم أمس الخميس، أصدر “البنك المركزي” نشرته الجديدة بغرض التصريف النقدي وشراء الحوالات الخارجية التجارية، والحوالات الواردة إلى الأشخاص الطبيعيين بما فيها الحوالات الواردة عن طريق شبكات التحويل العالمية ليكون الدولار الأميركي 7500 ليرة سورية، واليورو 8291 ليرة، والريال السعودي، والدرهم الإماراتي 2043 ليرة، والكرون السويدي 728 ليرة.

سعر صرف الدولار الأميركي في سوريا زاد بتعاملات السوق الموازية غير الرسمية إلى 7850 ليرة للشراء و7925 ليرة للبيع، بزيادة من مستوى 7700 ليرة للشراء و 7775 ليرة للبيع باليوم الفائت.

سعر صرف الدولار في دمشق، ارتفع بمقدار 125 ليرة خلال الساعات الماضية أي بنسبة تقارب 1.58 بالمئة، واستقر عند سعر شراء يبلغ 7975، وسعر مبيع يبلغ 8050 ليرة للدولار الواحد، بمدى يومي بين 7925 و 8050 ليرة.

وبالنسبة إلى إدلب، فقد ارتفع سعر صرف الدولار فيها بمقدار 120 ليرة عن آخر إغلاق أي بنسبة تقارب 1.49 بالمئة، واستقر عند سعر شراء يبلغ 8100، وسعر مبيع يبلغ 8150 ليرة سورية للدولار الواحد، بمدى يومي بين 8030 و 8150 ليرة.

الدولار يحافظ على اتجاهه الصعودي

الوضع له تأثير عميق على غالبية السكان السوريين، خاصة مع وجود العديد من الأشخاص الذين يعيشون بالفعل في فقر، كما كان للآثار الاقتصادية السلبية مزيدا من العواقب الاقتصادية على البنية التحتية المدمرة بالفعل في البلاد.

صورة أرشيفية لمحل صرافة في سوريا- "فرانس برس"
صورة أرشيفية لمحل صرافة في سوريا- “فرانس برس”

الاتجاه الصعودي للدولار في سوريا، يأتي في ظل سياسات اقتصادية ومالية حكومية متخبطة تعكس مصالح فئة ضيقة جدا من السوريين، حيث تعتمد دمشق في معظم تعاملاتها على الدولار الأميركي.

معظم السوريين يعتمدون على السوق السوداء؛ حيث ترسل حوالاتهم من الخارج إلى شركات ومكاتب صيرفة في جميع مدن البلاد سواء التي تخضع لسيطرة الحكومة أو الخارجة عن سيطرتها، لتقوم تلك المكاتب والشركات بدورها في تحويل الحوالات حسب سعر صرف مناسب لها.

السوريون في جميع المناطق يعانون من تفاوت كبير بين الدخل والإنفاق ومن مستويات فقر غير مسبوقة، في ظل تداعيات الحرب المستمرة منذ العام 2011 والفساد المستشري الذي تعمق منذ الإثني عشرة سنة الماضية.

تداعيات هذا الاتجاه الصعودي مقلقة بشكل خاص بالنسبة للفئات الأكثر ضعفا في المجتمع السوري، والتي تكافح بالفعل من أجل تغطية نفقاتها. من المرجح أن يتحمل الفقراء والجوعى وطأة ارتفاع الأسعار، مما قد يؤدي إلى مزيد من التدهور في ظروفهم المعيشية ويزيد من تفاقم التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية القائمة.

تنبؤات بسعر صرف جديد لليرة السورية

بغض النظر، يبدو أن بنك “سوريا المركزي” غير راغب في اتخاذ إجراءات فورية لصالح عموم السكان، وسياساتهم الحالية ليست سوى واحدة من الحالات العديدة التي يعاني منها السوريون بشكل يومي.

من المتوقع أن تتجاوز قيمة الدولار الأميركي في السوق السوداء بعد إعلان “المركزي” السوري سعرا جديدا لصرف الليرة السورية، حيث من المتوقع أن يتجاوز عتبتة 9 آلاف ليرة للدولار الواحد منذ بداية الأسبوع المقبل.

“المركزي” السوري قد قرر مطلع شباط/فبراير الفائت، تسليم الحوالات الشخصية بسعر يقارب قيمة الليرة السورية في السوق السوداء، بعدما كان في السابق يحافظ على فجوة بنحو ألف و500 ليرة عن سعر الليرة المتداول في السوق السوداء، واستحدث نشرة مخصصة لذلك الغرض أطلق عليها نشرة “الحوالات والصرافة”.

محللون اقتصاديون توقعوا وصول قيمة الليرة إلى 8 آلاف أمام الدولار في السوق السوداء، حتى منتصف العام 2023، لكنها خالفت التوقعات وسجلت انهيارا أكبر، مدفوعةً بقرارات “المركزي” السوري الأخيرة، وأبرزها فتح باب القروض بالدولار للمستثمرين، بينما تعاني خزينة المصرف من شحّ كبير بالقطع الأجنبي.

وكالة “أسوشيتد برس” الأميركية نشرت تقريرا نهاية 2022، تحدث فيه عن إفلاس “المركزي” السوري، مضيفة أن الحكومة السورية طلبت قرضا من روسيا، لكن موسكو قابلت الطلب بالرفض.

قد تتفاقم الحالة البائسة للمواطنين في سوريا خلال الأيام المقبلة، يتوقع خبراء أن تشهد الليرة السورية خلال الأشهر المقبلة هبوطا مدوّيا أمام الدولار الأميركي، لا سيما بعد أن أعادت تصريحات رئيس مجلس “الاحتياطي الفيدرالي” الأميركي، جيروم باول، الأسبوع الفائت إشعال التداولات الصعودية، مما أدى إلى ارتفاع مؤشر “بلومبرغ” للدولار الفوري إلى أقوى مستوى له في 18 شهرا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة