مع اقتراب موعد انعقاد اجتماع القمة العربية في التاسع عشر من شهر أيار/مايو الجاري، يزداد الحديث حول إمكانية حضور الرئيس السوري بشار الأسد اجتماع الرياض، ليكون الاجتماع بمثابة عودة رسمية لمقعد دمشق إلى “جامعة الدول العربية”، بعد الجهود التي استمرت لأشهر بهدف إعادة دمشق إلى الدائرة العربية.

العديد من الملاحظات سُجلت، حول آلية القرار الأخير باستعادة سوريا لمقعدها في الجامعة العربية، التي تطرح تساؤلات عديدة حول جدوى هذه العودة، وفيما إذا كانت ستحقق الأهداف المرجوة منها، من تطبيق القرارات الأممية والدفع بالحل السياسي في سوريا، أم هي فقط تبادل مصالح بين دمشق والعرب.

لا تأكيدات حتى الآن حول حضور بشار الأسد شخصيا اجتماع القمة، ذلك رغم وصول وفد الحكومة السورية، مساء السبت، إلى مدينة جدة السعودية لحضور أولى الاجتماعات التمهيدية للقمة العربية التي ستُعقد يوم الجمعة المقبل، في الوقت الذي تُطرح فيه التساؤلات حول المصالح المشتركة بين دمشق والدول العربية وتبعات حضور الأسد لاجتماع القمة لأول مرة منذ تعليق مقعد سوريا في الجامعة العربية عام 2011.

هل يحضر الأسد؟

المناخ العربي حتى الآن يبدو مشجعا للأسد بأن يحضر اجتماع القمة يوم الجمعة، خاصة بعد تصريح الأمين العام لـ”جامعة الدول العربية” أحمد أبو الغيط، الذي قال إن الرئيس السوري بشار الأسد يمكنه المشاركة في القمة العربية القادمة هذا الشهر “فيما إذا رغب بذلك”.

مصدرة الصورة: أف ب

تصريح الأمين العام، يمكن اعتباره إقرار رسمي من قبل الجامعة بإعادة المقعد السوري إلى القيادة السياسية في دمشق، حيث أصبحت الكرة الآن في ملعب دمشق، ما يعني أن حضور الأسد يتوقف عليه وحده بدءا من صباح الإثنين بحسب تأكيدات عربية.

في نظرة على التصريحات الرسمية المتعلقة بمشاركة الأسد في اجتماع القمة، توقّع مستشار رئاسة مجلس الوزراء السوري، عبد القادر عزوز، أن يشارك الرئيس السوري بشار الأسد في القمة العربية المقرر عقدها في مدينة جدة السعودية، لافتا إلى أن دمشق “تنظر بارتياح كبير للجهود التي بذلتها المملكة العربية السعودية من أجل استعادة مكانتها واستئناف أنشطتها في جامعة الدول العربية”، ذلك  ما يرجّح مشاركة الأسد شخصيا في الاجتماع.

عودة دمشق إلى الجامعة العربية، قد تمثّل عامل تفاؤل للعديد من الدول في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما المملكة العربية السعودية التي بذلت جهودا للوصول إلى هذه المرحلة. وهي الدولة التي تسعى لتقديم نفسها كشريك إقليمي فاعل وله دور في نشر الأمن والاستقرار في المنطقة، لكن هذا التفاؤل يواجهه بالتأكيد تحديات عديدة تتعلق بما يمكن أن يقدّمه الأسد للعرب خلال الفترة القادمة.

قد يهمك: هل تتمكن السعودية من الوساطة بين الجزائر والمغرب؟

الباحث في العلاقات الدولية الدكتور عبد اللطيف مشرف، رجّح حضور الرئيس السوري بشار الأسد شخصيا في اجتماع القمة القادمة، وذلك حرصا على تثبيت حضوره كلاعب رئيسي في الدائرة العربية، مشيرا إلى أن حضور الأسد وعودته إلى البيت العربي ستحقق له مصالح عديدة على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والإقليمية.

المصالح المتبادلة

مشرف قال في حديث خاص مع “الحل نت”، إن الزيارات المتبادلة بين دمشق والدول العربية على مستوى وزراء الخارجية، توحي بالتأكيد أن عودة دمشق إلى الدائرة العربية هي رغبة مشتركة بين الجانبين، “الأسد يسعى لأن يكون واجهة سوريا بالاحتفاظ بعروبيتها لتعزيز حضوره إقليميا، كذلك فإن الدول العربية سترحب بهذه العودة أملا بتحقيق عدة مصالح، بالتالي فإن الأسد سيحضر وستتفاعل الدول العربية مع هذا الحدث بإيجابية وخصوصا السعودية والإمارات”.

الدعم الاقتصادي ومساهمة الدول العربية في عمليات “إعادة الإعمار”، ربما هي من أبرز المصالح التي يسعى الأسد لتحقيقها من خلال عودته إلى الدائرة العربية، خاصة في ظل الضعف الاقتصادي الذي تعاني منه دمشق خلال السنوات الماضية، تزامنا مع انخفاض الدعم الاقتصادي المقدَّم من كلِّ من روسيا وإيران.

كذلك فقد أوضح مشرف أن عودة سوريا إلى المحيط العربي، يعني اجتماع العرب بطريقة أو بأخرى لمواجهة الأخطبوط الإيراني داخل سوريا، خاصة في ظل وجود بعض الخلافات بين طهران ودمشق، حيث أن الأخير لا تمانع التمدد الإيراني في سوريا والهيمنة الاقتصادية، لكن بنفس الوقت فإن دمشق تعترض على هيمنة طهران على القرار السياسي في سوريا، وهنا تكمن نقطة الخلاف.

حول ذلك أضاف مشرف، “هناك إشكالية وخلاف حقيقي بين إيران والقيادة السياسية في دمشق، الأسد ليس لديه مانع في امتلاك إيران عقارات، ولكن المانع الوحيد أن تمس إيران حركته السياسية وتجعله أحد أذرعها في المنطقة كحزب الله في لبنان أو الحوثيين في اليمن، هو يريد استقلالية في ذلك”.

مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في اجتماع القمة العربية القادم، يعني عودة رسمية لدمشق إلى الدائرة العربية، وبالتالي تعزيز الحضور العربي في الملف السوري بعد قمة أيار/مايو، وبرأي مشرف فإن الحضور سيتركز بالدرجة الأولى على المستوى الاقتصادي، حيث ستتجه الدول العربية إلى ضخ أموال إلى دمشق في محاولة منها لمنع تجارة المخدرات في سوريا.

عن ذلك أردف مشرف قائلا، “الدول العربية ستضخ أموالا طائلة ربما إلى دمشق لدعم الاقتصاد السوري، لتحاول ثنيها عن تجارة المخدرات، كذلك فإن عودة الأسد إلى المحيط العربي تجعله قادرا على اللعب على قضية الصراع الخليجي الخليجي”.

قد يهمك: شهران على اتفاق السعودية وإيران.. هل من آليات عملية لعودة حقيقية للعلاقات؟

مشرف أوضح أن هناك صراع خليجي خليجي، يتمثل في الصراع على الزعامة في المنطقة متمثلا في الإمارات والسعودية وكل منهما يريد أن يستقطب أكثر الأطراف العربية لديه ويكون هو الفاعل في الأحداث السياسية، حتى يطفي على نفسه نوع من الشرعية أو الزعامة الإقليمية ويكون مصدر ثقة للقوى الغربية، بشار الأسد يستفيد من هذه النقطة لتعزيز حضوره بين المتنافسين.

مصدر الصورة: أ ف ب
A handout picture provided by the Iranian presidency on May 08, 2022 shows Iranian President Ebrahim Raisi (R) receiving Syrian President Bashar al-Assad in the capital Tehran. (Photo by IRANIAN PRESIDENCY / AFP) / === RESTRICTED TO EDITORIAL USE – MANDATORY CREDIT “AFP PHOTO / HO / IRANIAN PRESIDENCY” – NO MARKETING NO ADVERTISING CAMPAIGNS – DISTRIBUTED AS A SERVICE TO CLIENTS ===

بمشاركة الأسد في اجتماع القمة، فإن قطار عودة العلاقات بين عدد من الدول العربية والحكومة السورية، يسير رغم كل العثرات والحواجز الموجودة في طريقه، إذ إن هناك رغبة عربية واضحة في عودة العلاقات مع دمشق.

مستقبل عمليات التطبيع؟

على الرغم من تبادل الزيارات والجهود المكثفة من قبل حكومات الدول العربية، إلا أن عمليات التطبيع لا يمكن القول إنها تمت، وذلك في ظل تعقيدات الوضع في سوريا وآلية التطبيع وشروطه، هذا فضلا عن الرفض الأميركي لأي عمليات تطبيع مع دمشق، بدون تطبيق البنود الأممية المتعلقة بالقرار 2254.

لكن يبدو أن هناك رغبة عربية في ضمان استقرار منطقة الشرق الأوسط، وذلك عبر ضمان عدم التصعيد في سوريا، وهي المنطقة الأكثر عرضة لاحتمالية اندلاع التصعيد العسكري، والسعي لدعم جهود الحل السياسي للأزمة، هذا فضلا عن الرغبة بمحاولة كبح جماح النفوذ الإيراني، الذي تمدّد كثيرا خلال السنوات التي قطعت فيها الدول العربية علاقاتها مع دمشق.

الواضح من خلال الخطوات العربية، أن هناك شبه إجماع من قبل بعض الدول العربية، على إعادة دمشق إلى المحيط العربي، وذلك على الرغم من تردد بعض الدول كقطر مثلا ووضعها شروط تتعلق بالحل السياسي للمُضي قُدما في إعادة العلاقات مع دمشق، وهو ما تقول الدول الراغبة بالتطبيع وعلى رأسها السعودية أنها تسعى لتطبيقه خلال الفترة القادمة.

من جهة أخرى فقد تعرضت العديد من الدول العربية لأضرار اقتصادية ولوجستية، جراء قطع العلاقات مع سوريا، خاصة وأن الأخيرة تمتلك موقعا جغرافيا هاما، كونها معبرا للحركة التجارية بين الدول الخليجية وواحدا من أهم مصادر مشترياته وهي السوق التركية.

لذلك فإن الدول العربية وفضلا عن المكاسب السياسية، ترغب بالحصول على مكاسب اقتصادية من وراء عودة علاقاتها مع الحكومة السورية، إذ يؤكد محللون أن “الطمع في الاستحواذ على أكبر قدر من عقود إعادة الإعمار في سوريا بعد الحالة المزرية التي وصلت لها البلاد”، قد يكون من أبرز محفّزات الدول العربية على التطبيع.

كذلك هناك إرادة إقليمية في الشرق الأوسط، تعبّر عنها بعض الدول العربية وتركيا، لضمان خفض حدة التصعيد في المنطقة، وذلك في وقت تشتعل فيه الكثير من البؤر حول العالم، حيث أن هناك مخاوف من أن تنتقل هذه العدوى للمنطقة العربية وهي مهيئة لذلك بشكل كبير، لا سيما في البقعة السورية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات