من بكين، هناك موضوع مثير للجدل يدور حول دعم “فاغنر” المنظمة الروسية المصنفة “إجرامية”، حيث اتضح مؤخرا أن شركة واجهة لمجموعة المرتزقة الروسية سيئة السمعة اشترت عشرات الآلاف من الخوذ الواقية من الصين، الأمر الذي أثار تساؤلات حول كيفية وصول إمدادات الأسلحة الصينية إلى “فاغنر”.

حصول “فاغنر” على معدات الحماية تزامن مع حشد رئيس المجموعة يفغيني بريغوجين، جيشا من أسرى الحرب استعدادا لشن هجوم على أوكرانيا في عام 2022. ووفقا للتقارير، استمرت الكيانات التي استخدمها بريغوجين في الحصول على معدات الحماية العسكرية عبر الأسواق الدولية على الرغم من المساعي المتكررة من قبل الدول الغربية لفرض عقوبات وتقييد حركة مجموعة “فاغنر”.

ضلوع مؤسسات الحزب “الشيوعي” الصيني، في دعم المرتزقة الروس كان محل تكهنات وتجاذبات، إلا أن التقارير الأخيرة أثبتت تورّطها من خلال شركات الظل التي تستخدمها “فاغنر”، ولكن ما هي الآثار المترتبة على فعالية العقوبات الغربية التي تهدف إلى كبح أنشطة “فاغنر” كمجموعة عسكرية خاصة، وكيف أثّرت قدرة الكيانات المرتبطة بـ “فاغنر” على تصدير واستيراد العناصر بحُرّية عبر الأسواق الدولية على الجهود المبذولة لكبح عملياتها وتأثيرها، وما الدور الذي تلعبه الصين في سلسلة التوريد للشركة الروسية، وما هي الدوافع المحتملة وراء دعم الصين أو مشاركتها في هذا السياق.

بكين تدعم الذراع الروسي

من أجل التحايل على العقوبات، الكيانات التي استخدمها “أمير الحرب” الروسي لتجهيز عملياته في إفريقيا، استمرت في تصدير واستيراد مواد مختلفة، بحُرّية عبر الأسواق الدولية، على الرغم من العقوبات الغربية الواسعة التي هدفت إلى إيقاف دعم القوات التي صنفتها واشنطن على أنها “منظمة إجرامية عابرة للحدود”.

مالك مجموعة "فاغنر" الروسية يعلن السيطرة على باخموت – إنترنت
مالك مجموعة “فاغنر” الروسية يعلن السيطرة على باخموت – إنترنت

 صحيفة “فاينانشيال تايمز” كشفت السبت الفائت، أن شركة “بروكر” للتصدير التابعة لـ”فاغنر” اشترت 20 ألف خوذة من نوع “بوليمر” من شركة صينية بين شهري تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، وفقا لبيانات جمركية روسية حللتها الصحيفة. 

تاريخ توقيع صفقة شراء الخوذات، التي تم تقسيمها على أربع شحنات بقيمة معلنة تزيد قليلا عن مليوني دولار، تزامن في الوقت الذي كان فيه بريغوجين يجند عشرات الآلاف من المُدانين في السجون الروسية لإرسالهم إلى خط المواجهة في أوكرانيا.

في كانون الأول/يناير الفائت، قال مسؤولو المخابرات الغربية أنهم قلقون من قيام الشركات الصينية بتزويد روسيا بمعدات مثل السترات الواقية من الرصاص والخوذات، لكن لم يتضح ما إذا كانت الحكومة المركزية الصينية على علم بالمبيعات، حيث أن العقوبات الغربية لا تسري على الشركات الصينية.

مقر شركة “هانغتشو شينراين”، المزود الصيني لذراع “فاغنر” التجارية، يقع في مقاطعة زهيجانغ الشرقية ويعمل به ما بين خمسة و15 موظفا، وعادة ما تخصصت الشركة في بيع الملابس النسائية، مما يعني أن شحن الخوذات إلى روسيا “لا يبدو جزءا من نمط أعمالها المعتاد”.

الصحيفة الأميركية، كشفت أن شركة “بروكر” استمرت في تزويد ودعم عمليات “فاغنر” في إفريقيا عبر ميناء دوالا في الكاميرون خلال الغزو، ووفقا لمعطيات إدارة الجمارك الروسية، قامت الشركة المذكورة في آب/أغسطس الماضي، بشحن مولدات الطاقة وأقطاب اللحام ومواد العزل المقاومة للحريق إلى شركة تابعة لبريغوجين في جمهورية إفريقيا الوسطى.

دعم “فاغنر” في الخفاء والصمت في العلن

الصين بشكل عام التزمت موقفا محايدا في غزو روسيا لأوكرانيا منذ اندلاعه في شباط/فبراير 2022، إلا أن علاقتها بروسيا شهدت تقاربا في الأشهر الماضية، وتحقيق الصحيفة الأميركية يؤكد التقارير السابقة للدول الغربية الداعمة لأوكرانيا من أن الحزب “الشيوعي” الصيني، يقدم دعما عسكريا لموسكو بشكل غير مباشر.

الرئيس الصيني ونظيره الروسي - إنترنت
الرئيس الصيني ونظيره الروسي – إنترنت

المحلل السياسي، تيم نيجوث، أوضح لـ”الحل نت”، أن الروابط الصينية بمجموعة “فاغنر” عُرفت منذ تشكيل المجموعة في عام 2015. وقد لعبت المجموعة دورا أساسيا في تأمين مصالح روسيا أثناء نزاعاتها في سوريا وإفريقيا وأوكرانيا. وعلى الرغم من أن زعيمها يعمل خارج روسيا، إلا أنها لا تزال مرتبطة ارتباطا وثيقا بـ”الكرملين”. 

اقتناء شركة “فاغنر” للأسلحة الصينية يمكن أن يؤثر بشكل كبير على الصراع المستمر في أوكرانيا وربما مناطق أخرى. ويمكن أن تعزز هذه الأسلحة القدرات العسكرية للشركة الروسية، مما قد يؤدي إلى تصعيد العنف وتحدي أكبر للقوات الأوكرانية وجهود حفظ السلام الدولية. علاوة على ذلك، إذا عملت “فاغنر” في مناطق نزاع أخرى، فإن امتلاك أسلحة صينية يمكن أن يُزيد من زعزعة استقرار تلك المناطق ويطيل أمد الصراعات.

بحسب حديث نيجوث، تثير قدرة شركة “فاغنر” في الحصول على أسلحة صينية على الرغم من العقوبات الغربية مخاوف جدية بشأن فعالية هذه العقوبات. إذا تمكّنت “فاغنر” من تجاوز العقوبات أو التحايل عليها، فإنها تقوض الغرض المقصود منها المتمثل في كبح أنشطة الجماعات العسكرية الإجرامية مثل “فاغنر”.

التصدير والاستيراد غير المقيّد للسلع والذي تدعمه الشركات التابعة للحزب “الشيوعي” الصيني، للكيانات المرتبطة بالشركات الأمنية الروسية عبر الأسواق الدولية يظهر وفقا للمحلل السياسي بأن بكين تصرّ على دعم “فاغنر” في الخفاء والصمت في العلن على جرائمها في المناطق التي تنشط فيها، مما يجعل من الصعب معالجة التهديدات التي تشكّلها الجماعات العسكرية الخاصة بشكل فعال.

دور الصين في سلسلة التوريد الخاصة بـ”فاغنر” تساؤلات حول دوافعها، لكنه بطبيعة الحال يشير إلى مستوى من التعاون أو التواطؤ بين الكيانين، إلا أنه يلفت إلى دوافع الحزب “الشيوعي” الصيني، بما في ذلك المصالح الاقتصادية أو الاعتبارات السياسية أو الرغبة في الحفاظ على النفوذ في المناطق التي تعمل فيها “فاغنر”.

التعاون الخفي

في شباط/فبراير الفائت، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركة في الصين لقيامها بتقديم صور أقمار صناعية في أوكرانيا لمساعدة مجموعة المرتزقة “فاغنر” الروسية، التي تعرضت لضغوط أميركية متزايدة مؤخرا بسبب تقديمها مجموعة متنوعة من الخدمات للحكومة الروسية، تتراوح من التدريب إلى تقديم الخدمات الأمنية والدعم العسكري، ليتضح من ذلك أن الشركات الصينية لاعبا رئيسيا في الصراع الأوكراني.

قوات "فاغنر" في باخموت - إنترنت
قوات “فاغنر” في باخموت – إنترنت

وزارة الخزانة الأميركية أعلنت حينها عن فرض عقوبات على شركة مقرّها لوكسمبورغ تابعة للشركة الصينية “شاشا تايني” لبحوث علوم وتكنولوجيا الفضاء، لأنها جمعت صور الأقمار الصناعية فوق أوكرانيا من أجل تمكين عمليات “فاغنر” القتالية هناك.

الشراكة بين الحزب “الشيوعي” الصيني، و”الكرملين” تمتد إلى ما هو أبعد من مجرد الطاقة والشؤون العسكرية. يعمل البلدان أيضًا على تجميع مواردهما في الاقتصاد العالمي، عبر دعم مصالحهما والشركات المرتبطة بهما ولكن دون ضلوع الحكومات بشكل مباشر في هذه القضية، وهو ما حدث مؤخرا مع الشركة الصينية التي زوّدت “فاغنر” بصور جوية لمناطق في أوكرانيا من أجل تسهيل نشاط المجموعة، وأيضا استحواذ “فاغنر” على خوذ للاستخدام العسكري.

أنشطة “فاغنر”، بما في ذلك الحصول على إمدادات الأسلحة الصينية، لها آثار على الأمن والاستقرار الإقليميين وفقا لنيجوث، لا سيما في مناطق مثل إفريقيا حيث تعمل المجموعة. إن تدفق الأسلحة يعزز القدرات العسكرية للمجموعة الروسية، مما قد يمكّنها من تصعيد العنف وتأجيج الصراعات وإعاقة الجهود المبذولة لتحقيق السلام والاستقرار. ولا يؤثر ذلك على المناطق المباشرة التي تنشط فيها “فاغنر” فحسب، بل له أيضا آثار غير مباشرة، مثل نزوح السكان، وانتهاكات حقوق الإنسان، وانتشار الأسلحة في المناطق المجاورة.

إن الكشف عن إمدادات الأسلحة الصينية لـ”فاغنر” له تداعيات أوسع على الجهود الدولية لمكافحة أنشطة المجموعات العسكرية الخاصة وضمان الأمن العالمي. كما تؤكد هذه الحقائق عن الصين و”فاغنر” على الحاجة إلى زيادة الشفافية والمساءلة وتنظيم عمليات نقل الأسلحة للتخفيف من المخاطر التي يشكلها الانتشار غير المشروع للأسلحة وأنشطة الجهات الفاعلة غير الحكومية.

بعد أن كشفت التحقيقات الصحفية والتقارير الاستخباراتية التعاون الخفي للحزب “الشيوعي” الصيني وشركة “فاغنر” الروسية، فإن التعاون مع مجموعة “فاغنر” يزيد من نفوذها وبالتالي يزيد من قدرتها على ارتكاب المزيد من الجرائم. ومن خلال تزويد الصين لها بالموارد، فإن ذلك يبعث برسالة خطيرة إلى المنظمات الإجرامية الأخرى، وكذلك إلى المجتمع الدولي، مفادها أن النشاط الإجرامي مسموح به؛ لذلك من مصلحة المجتمع الدولي إدانة مجموعة “فاغنر” وأنشطتها ومحاسبتها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة