بعد حوالي نصف قرن من وفاتها، قرر الملحن المصري عمرو مصطفى إحياء صوت كوكب الشرق أم كلثوم، باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي، من خلال تقديم أغنية جديدة لها من ألحانه.

عمرو مصطفى طرح بوستر يحمل صورة السيدة أم كلثوم بطريقة الذكاء الاصطناعي، وأعلن من خلاله إطلاق أغنيته الجديدة بعنوان “افتكرلك إيه”، من تأليفه وبصوت أم كلثوم، الأمر الذي أثار جدلا كبيرا حول استنساخ صوت الأخيرة، إلى جانب تعهدات من عائلة السيدة برفع دعوى قضائية ضده، معترضين على عدم حصول الملحن على إذن من ورثة أم كلثوم قبل تقديم الأغنية.

أم كلثوم تعود عبر الذكاء الاصطناعي

نحو ذلك، روّج مصطفى للأغنية المقرر طرحها خلال الفترة القليلة المقبلة عبر حساباته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، ونشر مقطعا قصيرا من الأغنية وعلَّق قائلا “على مدار 24 سنة قدّمت العديد من الألحان لنجوم الوطن العربي، ومؤخرا مع تطور التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، حبيت أسمع لو كوكب الشرق السيدة أم كلثوم غنّت من ألحان عمرو مصطفى هيكون إيه الناتج”.

مصطفى تابع في حديثه “تعالوا نسمع سوا صوت كوكب الشرق أم كلثوم من ألحان عمرو مصطفى، وقريبا هتسمعوا الأغنية كاملة”. وفي رده على سؤال أحد المتابعين عن اسم الأغنية، أجاب بأن الأغنية ليس لها وجود وأنها من ألحانه فقط بينما الصوت من أداء الذكاء الاصطناعي، وفيما انتقد البعض الجودة المتدنية للصوت، قال مصطفى أن ما نشره تجربة أولية فقط وأن الأغنية ستكون بجودة عالية قريبا.

هذا وتوفيت كوكب الشرق أم كلثوم والرائدة في الطرب العربي عام 1975 وتعتبر واحدة من أهم الفنانين في التاريخ العربي، ومازالت حتى اليوم مؤثرة في الموسيقى العربية. وتربعت السيدة على عرش الطرب الأصيل لما يزيد عن نصف قرن، وشدَت بأكثر من 320 أغنية، منها “الأطلال” أفضل أغنية تم إنتاجها في القرن العشرين، وهي الأغنية التي كتب كلماتها الشاعر والطبيب إبراهيم ناجي، 1898- 1953م، ولحنها رياض السنباطي، 1906- 1981م، وفق تقرير لموقع “الجزيرة“.

المُلقبة بـ “سيدة الغناء العربي” لعبت دور البطولة، مع الغناء في ستة أفلام سينمائية، “وداد، ودنانير، وسلامة، وثلاثتهم أفلام تاريخية، و”عايدة، وفاطمة، ونشيد الأمل”. صنفتها مجلة “رولينغ ستون” الأميركية في يناير/ كانون الثاني الماضي في الترتيب رقم 61 ضمن أعظم مئتي مطرب على مر التاريخ، وقالت المجلة إنه لم يوجد لها نظير في الغرب، وإنها عكست روح العالم العربي. وهذا الترتيب أغضب الشارع العربي، لاستحقاقها ترتيبا أعلى، رغم أنها سابقة في الترتيب لعدد من نجوم الغناء في الغرب مثل مايكل جاكسون، وآخرين.

من أشهر أغانيها، “أنت عمري، أنت الحب، فكروني، رباعيات الخيام، أراك عصي الدمع، أغدا ألقاك، أقولك إيه عن الشوق، ألف ليلة وليلة، أمل حياتي”.

أزمة بين صنّاع الموسيقى

على الرغم من التفاعل الكبير من قبل الجمهور والمتابعين مع الفيديو معبّرين عن تحمّسهم لسماع الأغنية كاملة، إلا أن المسألة طالتها انتقادات حادة، حيث اتهم البعض مصطفى بالإساءة إلى أم كلثوم، وأثير الجدل بشكل أكبر حول مدى خطورة تخليق عمل لا يوافق عليه صاحب الصوت، وطرحه بكلمات لا يعرفها، وبجودة تقلل من صوته ومكانته، وزادت حدة النقاش بخصوص التخوف من استخدام الذكاء الاصطناعي في صناعة الأغاني وغيرها من الأعمال المزيفة.

المنتج محسن جابر اعترض على خطوة الملحن المصري بشأن إعادته تقديم أغاني أم كلثوم على طريقة الذكاء الاصطناعي، موضحا أنه لا أحد يجرؤ على أن يقدم هذا الأمر لاستحضار صوت كوكب الشرق.

جابر قال في بيان له “لا يجرؤ أحد بمن فيهم الفنان عمرو مصطفى، رغم علاقتي الوطيدة به، أن يستخدم الذكاء الاصطناعي، لاستحضار صوت كوكب الشرق السيدة أم كلثوم، أو استعمال اسمها وصورتها، فهناك حقوق أدبية أبدية غير قابلة للتقادم”.

جابر أكد أنه بصدد اتخاذ الإجراءات القانونية بشأن ما أطلق عليه “مهزلة أو عبثا في صوت أم كلثوم”، فأم كلثوم على حد قوله رمز كبير لا يجوز لأحد أن ينسخه أو يشوّهه، أو يعبث به، موضحا في تصريحات تلفزيونية بإحدى الفضائيات المصرية، أنه اشترى كل تراث أم كلثوم من ورثتها، وهم يثقون به، لافتا إلى أن ما فعله عمرو مصطفى ليس “افتكاسة” أي اختراعا، حيث إنه استحضر صوت أم كلثوم بالذكاء الاصطناعي، قائلا “مش أم كلثوم اللي يحصل فيها كده الأمر يحمل إساءة لأم كلثوم، إزاي كوكب الشرق يتعمل فيها كده، ليه نلبس أم كلثوم شورت ومين اللى يختار لها”، وفق تقارير صحفية.

جابر تابع في اعتراضه بالقول “إننا لا يمكن أن نحدد إن كانت هذه الكلمات واللحن الذي اختاره عمرو مصطفى سينال إعجابها أم لا”، معتبرا أن “استحضار صوت أم كلثوم شيء من العبث، وأن الهدف من هذه الأغنية إثارة الضجة”. وتساءل المنتج “لماذا لم يقدم عمرو مصطفى أغنية للفنان عمرو دياب بالذكاء الاصطناعي؟ علشان عارف أنه هيعمل لنفسه قلق، هو شبط في أم كلثوم علشان عايز يعمل ضجة وخلاص”، مضيفا” مشواره كله عندي في شركتي وانا اللي احتضنته من أغنية خليك فاكرني، لما يطلع يكتب بوست ويقول انه هيقاضيني فهذا يحمل غلا وحقدا”.

في حين دافع مصطفى عن نفسه “لم أسطُ على حقوق أحد، وقمت بتوضيح حقيقة أن الصوت المقدم في الأغنية هو من إنتاج الذكاء الاصطناعي، وبذلك ليس من حق أحد اتهامي بالسطو على الملكية الفكرية، بخاصة أن اللحن والكلمات والصوت ليست ملك أي منتج حتى يعترض”. مؤكدا أنه “سيكمل مشروعه مع مطربين وعمالقة آخرين، ولن يهتم بمدعي الحفاظ على التراث”.

من جانبه قال الناقد الفني مصطفى حمدي، إن عمرو مصطفى يبحث عن أي مادة ليثير الجدل، بخاصة أنه لم يحظَ بالنجاح الذي يريده في أعماله الأخيرة، فلجأ إلى تلك الحيلة، لأنه يريد أن تتكلم عنه الناس بأي شكل، وفق ما نقلته “إندبندنت عربية“.

حمدي أردف بالقول، من الناحية الأخرى ما حدث يشكل أزمة حقيقية لأنه يفتح نقاشا شديد الخطورة حول استخدام تلك التقنية في الفبركة والتلفيق، لأي صوت وهذا مرعب. مشددا على المسؤولين سنّ قوانين فورية لتجريم ذلك حتى لا نجد صوت مطرب مهم مثلا على أغنية مسيئة، أو مطربة يتم استخدام بصمتها في عمل مسف لا تعلم عنه شيئا بحجة استخدام تكنولوجيا جديدة.

دعوى قضائية

إزاء هذا الطرح، علقت جيهان الدسوقي، حفيدة أخت أم كلثوم، على إعلان الملحن عمرو مصطفى تقديم أغنية لأم كلثوم عبر تقنية الذكاء الاصطناعي. وقالت في تصريحات تليفزيونية، يوم أمس الإثنين، إن الأسرة ستتخذ الإجراءات القانونية ضد عمرو مصطفى.

الدسوقي أضافت أنها ليست ضد التقدم العلمي، ولكن في مجالات أخرى، معقبة “كده ممكن نلاقي أم كلثوم بتغني مهرجانات”، مبينة أنه كان يجب على الملحن عمرو مصطفى الحصول على إذن من ورثة أم كلثوم قبل تقديم الأغنية.

أما عن الجلوس مع عمرو مصطفى قبل اللجوء إلى القضاء من أجل الوصول إلى حل، أوضحت أنها ترفض هذه الفكرة، مشيرة إلى أنها ترغب في زيادة انتشار أم كلثوم على أوسع مجال، وفق موقع “المصري اليوم“.

قبل نحو عامين أُثيرت ضجة حول صاحب الحق في استثمار تراث السيدة أم كلثوم، ما بين شركة “القاهرة” للصوتيات والمرئيات، وهي شركة حكومية وشركة المنتج محسن جابر وهي خاصة. والإشكالية إذا كان مصطفى لا يستغل أي أغنية معروفة لها، وخاضعة لحقوق الورثة، وإنما فقط يحاكي الصوت. فالأمر يشبه قديما، مع فارق التشبيه، طريقة لبلبة في أداء أغاني عبد المطلب وفهد بلان. الفرق أن المحاكاة قديما كانت هزلية، ومن أغاني الفنانين أنفسهم، لكنها الآن محاكاة تكنولوجية بكلمات وموسيقى مغايرة. وإذا قدم عمرو مصطفى فعلا أغنية كاملة بصوت أم كلثوم فإلى من تذهب عوائدها، إلى الورثة الشرعيين أم إلى منشئ الأغنية.

شركة وموقع “بومي” حسمت الأمر وقالت إن العائد يكون لمن أنشأ الأغنية. علما أن الشركة التي انطلقت قبل خمس سنوات، أنشأت حتى الآن خمسة ملايين أغنية.

مشكلات كبيرة

يبدو أن الذكاء الاصطناعي أصبح منتشرا بشكل متزايد في العديد من جوانب الحياة الحديثة، ولم يعد عالم الغناء والموسيقى العربي استثناء. في السنوات الأخيرة، كان هناك وفرة وارتفاع في استخدام الذكاء الاصطناعي في إنشاء الموسيقى وإنتاجها وتوزيعها عالميا وحتى عربيا.

إحدى الطرق الرئيسية المنتشرة حاليا لاستخدام الذكاء الاصطناعي في عالم الموسيقى العربية هي إنشاء مطربين افتراضيين، حيث يتم خلق هؤلاء المطربين الافتراضيين باستخدام خوارزميات وتقنيات التعلم الآلي، وهم قادرون على الغناء والأداء تماما مثل المطربين الحقيقيين، وغالبا ما يتم استخدامها في الإعلانات والإنتاج السينمائي والتلفزيوني وحتى العروض الحية، ولكن هل يسيطر الذكاء الاصطناعي على عالم الغناء والموسيقى بشكل كلي.

مع إرخاء العولمة بظلالها على الثقافة سواء أكانت أغان وأفلام وأدب وعروض أزياء وعادات ولغات وغير ذلك، وإحداثها تغييرا في الأغنية العربية على مستوى الأسلوب والموسيقى والكلمات، بعد أن حاولت التأقلم مع هذه التغييرات، مما أدى إلى فقدانها الهوية في بعض الأحيان، وفق “إندبندنت عربية”.

العولمة حوّلت العالم إلى قرية إلكترونية صغيرة وسمحت بالتبادل الثقافي وتجانس ثقافات العالم مع بعضها، إلا أنها في المقابل تسببت في تلاشي خصوصية كل بلد.

الناقد الفني اللبناني جمال فياض اعتبر في حديثه للصحيفة، مؤخرا، أن التقنيات الحديثة أفقدت الأغنية العربية هويتها، حيث بدأ أخيرا استخدام الذكاء الاصطناعي في تجربة فنية جديدة تمكّن من سماع أي أغنية لأي مطرب بصوت مطرب آخر.

الناقد الموسيقي محمود الرفاعي حذر من خطورة استخدام الذكاء الاصطناعي، وبيّن أنه سيتسبب في مشكلات عدة خلال الفترة المقبلة في كل أرجاء العالم وليس فقط في المنطقة العربية، وأثبت الرفاعي مخاوفه بواقعة مناشدة المطرب العالمي ستينغ للمنظمات الدولية أخيرا، إذ نبه لخطورة مشكلات استخدام تلك التقنية وأضرارها على صناع الموسيقى والفن.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات