في وقت مبكر من انطلاق مسيرة “مجلس التعاون الخليجي”، حظي التعاون العسكري والدفاع المشترك باهتمام ورعاية قادة دول المجلس، انطلاقا من قناعة راسخة بوحدة الهدف والمصير، إضافة إلى الروابط الاجتماعية والتاريخ المشترك. حيث اتسم التعاون في المجالات العسكرية بين دول المجلس بالعمل الجاد في بناء وتطوير القدرات العسكرية الدفاعية بدول الأعضاء، وتطور التعاون بشكل نوعي وكمي منذ بدء تشكيل مجلس التعاون وحتى اليوم.
منذ الإعلان عن إنشاء قوة عسكرية موحدة ومشتركة بين الدول الأعضاء في المجلس في كانون الأول/ديسمبر 2013، لتحل محل قوات “درع الجزيرة” بهدف تعزيز الأمن الجماعي للإقليم؛ تتواصل الجهود نحو محاولة تكريس هذا الواقع الخليجي الجديد، الذي سوف يساهم في تعزيز الأمن الإقليمي.
إذ تعتبر المناورات أو التمارين في الفقه العسكري هي كل ما يخطر من حلول مستحدثة أو تحليلات للوقائع والأحداث في ميدان المعركة، وعليه فقد أظهرت خريطة المناورات الخليجية مؤخرا كثافة تحرك دول الخليج لعرض القوة ورفع الجاهزية وإيصال الرسائل المطلوبة كشكل من أشكال تعاملها مع التحديات، وفقا لموقع “الخليج أونلاين”.
توسع عسكري
التدريبات والتمارين الخليجية المشتركة، تتواصل في ظل ما تواجهه المنطقة من تحديات، حيث اطلع “فريق عمل تخطيط وتنفيذ التمارين والتدريبات بالقوات المسلحة” بدول “مجلس التعاون الخليجي”، على خطة التمارين العسكرية المشتركة بين قوات دول المجلس، والهادفة إلى رفع الكفاءة وزيادة التعاون في المجال العسكري.
إذ جرى خلال الاجتماع الرابع لفريق العمل الذي أقيم في مقر الأمانة العامة لدول “مجلس التعاون” بالرياض في 25 كانون الثاني/يناير الفائت، استكمال ما تمت مناقشته في الاجتماعات السابقة ومتابعة المواضيع المدرجة على جدول الأعمال، والاطلاع على خطة التمارين العسكرية المشتركة، التي تسهم في رفع الكفاءة وزيادة التعاون العسكري المشترك بين القوات المسلحة بدول “مجلس التعاون”، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء السعودية “واس”.
حيث كان آخر تمرين عسكري مشترك بين قوات دول مجلس التعاون الخليجي قد أقيم من قبل قوات “درع الجزيرة” في تشرين الأول/أكتوبر 2022، بمدينة الملك خالد العسكرية في محافظة حفر الباطن شرقي السعودية، وشمل مناورة برية هدفت إلى رفع الجاهزية القتالية.
المحلل العسكري إسماعيل أيوب يرى بأن دول الخليج منظمة تحكمها جغرافية واحدة وتهددها أخطار واحدة، ومن الطبيعي أن تسعى لتوسعة وتعزيز التعاون العسكري فيما بينها، لأن نفس الأخطار التي تهدد أي دولة خليجية تهدد بقية الدول الأخرى.
أيوب يضيف خلال حديثه لـ”الحل نت” بأنه من الضروري أن يتكامل مجلس التعاون الخليجي في جميع الجوانب سواء العسكرية أو الاقتصادية لمواجهة التهديدات والأخطار التي تواجهه، كون دول الخليج غنية وتملك منشآت نفط وغاز بشكل كبير، في وقت تواجه تهديدات من الطرف الآخر من الخليج.
إذ يضرب أيوب مثالا عل ذلك بالتغلغل الإيراني في اليمن من خلال الحوثيين، وفي بلدان عربية أخرى مثل سوريا ولبنان والعراق، وأيضا في البحرين، لذا يتوجب على دول الخليج أن تكون أكثر من التهديدات الإيرانية التي تحدق بها.
أيضا لا يقتصر التعاون العسكري المشترك على التدريبات الميدانية فحسب، إذ تعمل دول الخليج على توحيد الخطاب الإعلامي للقوات المسلحة، بهدف التنسيق وتبادل الخبرات في المجال الإعلامي العسكري بين القوات المسلحة بدول المجلس على نحو مؤسسي ممنهج ومتكامل، وذلك بالاعتماد الذاتي في بناء قدراتها الدفاعية من خلال الجمع بين التكنولوجيا العسكرية المتطورة وبين الكوادر الوطنية المؤهلة عبر إقامة فعاليات “التعايش الإعلامي” لوزارات الدفاع في دول الخليج.
تعايش إعلامي
“أسبوع التعايش الإعلامي العسكري الخليجي” يهدف إلى التنسيق وتبادل الخبرات في المجال الإعلامي العسكري بين القوات المسلحة بدول مجلس، من أجل المساهمة في تطوير القدرات الإعلامية العسكرية ضمن منظومة مجلس التعاون لدول الخليج.
في سياق ذلك، استضافت القوات المسلحة القطرية في شباط/فبراير الماضي وفودا بالقوات المسلحة الخليجية؛ شملت وفود مديرات التوجيه المعنوي والعلاقات العامة بدول الخليج، ووفد الإعلام العسكري للأمانة العامة لمجلس التعاون، وقسم التوجيه المعنوي في القيادة العسكرية الموحدة، وذلك بغية التنسيق وتبادل الخبرات في المجال الإعلامي العسكري ضمن الخطوات المستمرة لقيادة الجيوش الخليجية.
وزارة الدفاع القطرية صرحت بأن البرنامج يهدف إلى توطيد الشراكة والتعاون الإعلامي العسكري، وتطوير أساليب التواصل العسكرية، وتفعيل البرامج المشتركة بين دول المجلس من خلال تبادل الزيارات والمشاركة في الورش والفعاليات وتبادل مقالات الكتاب العسكريين الخليجيين، بحسب ما نقلته جريدة ” الوطن” القطرية.
من جانبها استضافت القوات المسلحة الكويتية بالعاصمة الكويتية “الكويت”، بين 20 و24 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، وفودا خليجية، في إطار التعاون الإعلامي العسكري الخليجي المشترك أيضا، وأوضح البيان الكويتي وقتها أن الاستضافة تأتي ضمن “أسبوع التعايش الإعلامي الخليجي العسكري المشترك”، بحسب ما نقله موقع “الكويت برس”.
إذ شمل البرنامج محاضرات وندوات وزيارات إعلامية مختصة، وعقد ندوة “التواصل الاجتماعي”، وورشة عمل لتبادل التجارب والخبرات، وعرضا مرئيّا عن مديرية التوجيه المعنوي والعلاقات بوزارة الدفاع الكويتية في نادي ضباط الجيش، وزيارة وكالة الأنباء الكويتية “كونا”، ومؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول مجلس التعاون، ووزارة الإعلام الكويتية، وتلفزيون وإذاعة الكويت.
أيوب يعلق على أهمية هذه اللقاءات والندوات بأنه يتم خلالها مناقشة الفرص والتحديات أمام الأداء الإعلامي العسكري لدول الخليج، ومناقشة نقاط القوة والضعف أيضا، وبالتالي الخروج بتوصيات من شأنها أن تعزز التنسيق والتعاون وتبادل الخبرات بين الجهات الإعلامية العسكرية الخليجية.
يتابع سرده قائلا، رغم الاختلاف في بعض المسائل، إلا أن آلية العمل الإعلامي العسكري لدول المجلس تحاول أن تكون واضحة ومحددة وبهدف واحد، ويضيف بأن “الحديث الآن عن وضع سلام، خصوصا بعد “قمة العلا” التي أنهت الأزمة الخليجية، وأيضا تطور العلاقات بين دول المجلس والدول القوية المشاركة في حماية منطقة الخليج مثل فرنسا وغيرها من الدول الأخرى.
“قمة العُلا” والاهتمام العسكري
مطلع العام 2021، جاءت “قمة العُلا” لتؤكد ضرورة التعاون وتوسيع العلاقات العسكرية بين دول مجلس التعاون، حيث تضمن البيان الختامي للقمة الخليجية الـ41 قرارات مهمة لتعزيز التعاون الأمني والعسكري بين دول الخليج، بحسب ما نقله موقع “الخليج أونلاين”.
من أبرز تلك القرارات موافقة قادة دول الخليج على تعديل المادة السادسة في اتفاقية الدفاع المشترك، وذلك بتغيير اسم قيادة “قوات درع الجزيرة المشتركة” التي أنشئت عام 1982 إلى “القيادة العسكرية الموحدة لدول مجلس التعاون”.
كما صدق قادة دول الخليج، بحسب البيان الختامي، على قرارات مجلس الدفاع المشترك في دورته السابعة عشرة، بشأن مجالات التكامل العسكري بين دول مجلس التعاون، وأكدوا على دعم جهود التكامل العسكري المشترك لتحقيق الأمن الجماعي لدول المجلس، وأعربوا عن ارتياحهم للخطوات المبذولة في تفعيل عمل القيادة العسكرية الموحدة.
من جانب آخر، هدفت دول الخليج خلال السنوات الماضية إلى توحيد قواتها بهدف توفير القيادة الاستراتيجية والعملياتية لكل مهام دول مجلس التعاون في المجالات كافة، وتشير مسيرة التعاون الدفاعي لدول الخليج، بداية من إنشاء قوات “درع الجزيرة” 1982 حتى القرار الأخير بإنشاء قيادة أو قوة عسكرية موحدة، إلى أن دول الخليج تسعى لإنشاء حلف عسكري.
اللافت في الشكل الجديد للقوات الخليجية، أنها تشمل أربعة مستويات أساسية من التعاون والتشغيل المتبادل وهي الاستراتيجي والعملياتي والتكتيكي والتكنولوجي، وهو ما يعني أن القوة الموحدة لدول المجلس تحتاج إلى أن تنمي التعاون المتبادل على تلك المستويات الأربعة بما يحقق الأمن لكل الدول.
من هذا المنطلق، شكلت لجنة مشتركة من الدول الأعضاء تجتمع بانتظام؛ للتركيز على طرق تطوير التعاون المشترك الفوري بكل مشتملاته، كخطوة أولى لتفعيل مزيد من التعاون، وفي مقدمته تعزيز التعاون والتمارين المشتركة.
لعل انتهاء الأزمة الخليجية مطلع عام 2021، قد ساعد بشكل كبير في تعزيز التعاون العسكري المشترك، والعمل معا على التقليل من اعتماد دول الخليج على الخارج، خصوصا في حماية أراضيها، وردع أي مخاطر قد تهددها، حيث يرى مراقبون بأن هذه الخطوة، كان من المفترض أن تكون منفذة منذ زمن طويل، خصوصا منذ تشكيل “مجلس التعاون” و”قيادة درع الجزيرة”.
- حماة تدخل بوضع جديد.. وحراك سياسي دولي بعد التطورات في سوريا
- تبعات “ردع العدوان” تظهر في دمشق ودير الزور.. ماذا جرى؟
- وسط انهيار كامل للجيش السوري.. فصائل المعارضة تتقدم في ريف حماة
- دمشق تتواصل مع السعودية ومصر وهذه آخر التطورات الميدانية بحلب
- “ردع العدوان”.. ما هي الأسباب التي أدت إلى التقدم السريع للمعارضة؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.