بعد أكثر من مسعى عملت من خلاله طهران على إعادة مدّ جسور علاقاتها المنقطعة مع القاهرة منذ أكثر من أربعة عقود، تقترب إيران ضمن عدة خطوات من مصر شيئا فشيء، فبعد أن لوّحت في أكثر من مناسبة وبمستويات مختلفة، كان أخرها ما صدر عن المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي، بأنه يرحّب باستئناف علاقات بلاده مع مصر؛ استقبل وزير الخارجية المصري سامح شكري نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان.

اللقاء التاريخي جدد السؤال حول إذا ما كان سيمثل نقطة تحوّل في مسار العلاقات الإيرانية المصرية، وذلك بينما بدأ الحديث عن تقارب مصري ايراني منذ أشهر بالتزامن مع توقيع اتفاق تطبيع العلاقات بين طهران والرياض، حيث أفاد رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية بالقاهرة محمد حسين سلطاني، في حزيران/يونيو الماضي، بأن طهران والقاهرة تدرسان إعادة افتتاح السفارات في البلدين.

ذلك يأتي بينما اتخذت بعض دول الشرق الأوسط، ومن بينها مصر، خطوات لتخفيف التوترات الإقليمية في الأشهر الأخيرة، حيث استأنفت السعودية وإيران العلاقات الدبلوماسية في وقت سابق من شهر آذار/مارس الماضي، بينما أصلحت القاهرة الصدع مع قطر وأعادت العلاقات مع تركيا، في الوقت الذي تتحسن فيه العلاقات الخليجية.

إيران تكثف من تحركاتها تجاه مصر

إلى ذلك، كان أحدث اختراق في العلاقات المصرية الإيرانية، هو تصريحات الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، تعليقا على اللقاء الذي عُقد في مقر بعثة مصر الدائمة لدى “الأمم المتحدة” في نيويورك، بين وزيري خارجية البلدين على هامش اجتماعات “الأمم المتحدة”، بأن اللقاء “قد يمهّد الطريق لاستعادة العلاقات بين البلدين”.

في اللقاء الأخير، أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري، أن “تشابك وتعقّد أزمات المنطقة بات يُلقي بظلال خطيرة على حالة الاستقرار والأوضاع المعيشية لجميع شعوبها دون استثناء، الأمر الذي يقتضي تعاون جميع دول الإقليم من أجل دعم الاستقرار وتحقيق السلام والقضاء على بؤر التوتر”، في حين اتفق الوزيران المصري والإيراني، على استمرار التواصل بينهما لمتابعة الحوار حول مختلف المواضيع التي تهمّ البلدين على المستوى الثنائي والإقليمي والدولي.

العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران انقطعت عام 1980، أي بعد عام واحد من نهاية حكم شاه إيران، محمد رضا بهلوي، ووصول آية الله خميني بحكم جمهوري ديني لطهران خلفا للمَلكية، عقب “الثورة الإسلامية” التي اندلعت عام 1979، وكانت طهران هي من بدأت بقطع العلاقة مع القاهرة، بأمر من المرشد الأعلى آنذاك، بسبب توقيع مصر معاهدة “كامب ديفيد” للسلام مع إسرائيل أولا، وبسبب استقبالها للشاه بعد نهاية حكمه، ثم دفنه في القاهرة بعد وفاته.

بناء على ذلك، رفضت إيران طيلة تلك السنوات الانفتاح على مصر، قبل تغيير موقفها عام 2022، عندما تحدث الإعلام العراقي الرسمي لأول مرة، عن وساطة عراقية من أجل إعادة العلاقات بين طهران والقاهرة، مشيرا إلى أن 4 عقود من القطيعة طويلةٌ جدا، ولا يجب استمرارها على هذا النحو، قبل أن يعقب ذلك تصريحاتٌ إيرانية رسمية ترحب بعودة العلاقات، أخرها ترحيب المرشد الأعلى علي خامنئي، خلال استقباله سلطان عمان هيثم بن طارق، في أيار/مايو الماضي.

وسط هذا المشهد، وفي خضم لقاء وزيري خارجية البلدين، يقول خبير العلاقات الدولية المصري محمود أبو حوش، إن العلاقات المصرية الإيرانية ترتبط بتاريخ عميق، لكن التوتر والاحتقان الذي تخلّلها طيلة الفترة ما بعد عام 2011 نتيجة التدخلات الإيرانية السافرة، في الدول العربية، تسبب في ضرر كبير لهذه العلاقات.

على إيران تقديم تنازلات كبيرة

أبو حوش، وفي حديث مع موقع “الحل نت”، أشار إلى أن طبيعة الدور المصري من تلك التدخلات الإيرانية، كان لا بدّ أن يقوم على آخذ موقف تلك التدخلات، بالتالي سبّب ذلك المزيد من التصدع في العلاقات الإيرانية المصرية، وهو ما سيكلّف إيران مجهودا كبيرا لا يقل عن الذي بذلته لإعادة علاقتها مع السعودية، من أجل إصلاح إعادة العلاقات مع القاهرة إلى طورها الأول.

وزير الخارجية المصري سامح شكري يسارا، مع نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان/ إنترنت + وكالات

خبير العلاقات الدولية المصري، يرى أن على إيران تقديم تنازلات من أجل استئناف علاقتها مع مصر، بيد أن تلك التنازلات لا تتعلق بمصر وحدها، بل بالمنطقة بأكملها، إذ يجب على طهران اعتزال فكرة التدخل في الشؤون الاقليمية العربية، كون أي تدخل في هذه الأزمات سيعود بالقلق للعلاقات المصرية الإيرانية، ذلك لأن مصر لها دور إقليمي فاعل، فإن أي تدخل في أي أزمة من الأزمات العربية سيتسبب بأزمة مصرية إيرانية مجددا.

أبو حوش، لفت إلى أن اللقاء بين وزيري خارجية البلدين، يمثّل تمهيدا لمرحلة أبعد من مرحلة تطبيع العلاقات ولو بشكل جزئي، كما يُعد تقاربا ملحوظا أو ملموسا بشكل صياغة شبه تفاهم بين طهران والقاهرة، مبيّنا أن إيران أحدثت فجوة ثقة مع دول المنطقة، بالتالي إن إعادة علاقاتها مع مصر ستكون بشكل حذر، كما هو الحال مع تركيا، فمهما كان هناك تطبيع فلن تنال الثقة الكاملة من قبل مصر ما لم تقدّم إيران ضمانات بعدم التدخل في شؤون المنطقة.

الحديث عن العلاقات المصرية الإيرانية لم يكن وليد اللحظة، فمنذ أن رعت بغداد المفاوضات الاستكشافية الأولى بين السعودية وإيران، سرعان ما بدأ التلميح إلى إمكانية تطبيع العلاقات بين القاهرة وطهران، لاسيما في ظل العلاقات العراقية المصرية التي تشهد ازدهارا منذ العام 2020.

في أيار/مايو الماضي، وجّه الرئيس الإيراني وزارة الخارجية باتخاذ الإجراءات اللازمة لتعزيز العلاقات مع مصر. وفي الشهر ذاته نقلت وسائل إعلام رسمية إيرانية عن المرشد الإيراني علي خامنئي، قوله، إن طهران ترحب بتحسين العلاقات الدبلوماسية مع مصر، وذلك خلال لقائه بسلطان عُمان هيثم بن طارق آل سعيد.

في سياق التحركات الإيرانية

ذلك يأتي وسط إصرار إيراني على ضرورة إعادة العلاقات، خاصة أن سياسة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، هي التقارب وتوطيد العلاقات مع دول الجوار، الأمر الذي تجلى في زيارته إلى عدد من دول الجوار لإبرام الاتفاقيات معها، في حين جاءت بعض الدول لإبرام الاتفاقيات مع إيران.

يشار إلى أن، التطور في الموقف الإيراني تجاه مصر، جاء بعد مباحثات بين سلطان عمان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال زيارة الأول للقاهرة في أيار/مايو الماضي، للمرة الأولى منذ تسلّمه السلطة في العام 2020، حيث شهد التباحث حول قضايا رئيسية، بينها مسار تطبيع العلاقات المصرية الإيرانية.

إذ باتت سلطنة عُمان تلعب دور الوساطة بشكل أكثر تأثيرا في المنطقة، لاسيما فيما يخص القضايا المرتبطة بإيران، فطالما أدت هذا الدور وآخر مشاهده صفقة تبادل سجناء بين طهران وبروكسل، وأيضا خلال المفاوضات النووية بين إيران وست دول غربية كبر.

غير أنه لم يبدو واضحا بعد، إذا ما كانت القاهرة مستعدة في الوقت الحالي إلى استئناف علاقاتها مع طهران، ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي إلى درجة تبادل السفراء كما حصل بين الرياض وطهران، والذي حافظت عليه مصر بمستوى رمزي طيلة سنوات القطيعة المستمرة حتى الآن، حيث إن التمثيل الدبلوماسي الحالي يقف عند وجود قائم بالأعمال، بدرجة سفير في كلا البلدين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة