الإشارات الإيجابية التي تصدر تباعا من باكو ويريفان، شكلت بارقة أمل بالتوصل إلى اتفاق سلام دائم بين أذربيجان وأرمينيا، ينهي صراعا بين البلدين الجارين في منطقة جنوب القوقاز بدأ منذ تسعينيات القرن الماضي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، بسبب الخلاف على إقليم ناغورني قره باغ.

بعد أيام قليلة من إعلان رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، استعداد بلاده للاعتراف بإقليم ناغورني قره باغ وهي المناطق التي استعادتها أذربيجان بعد أن خسرتها في التسعينيات، على أنها ضمن سيادة أذربيجان، إذا ضمنت الأخيرة أمن السكان ذوي الأصل الأرمني، قال الرئيس الأذري إلهام علييف إنه من الممكن التوصل إلى اتفاق سلام مع أرمينيا، خاصة وأن الأخيرة اعترفت بـ قره باغ المتنازع عليها جزءا من أذربيجان.

علييف أكد أن هناك إشارات لتطبيع العلاقات بين البلدين على أساس الاعتراف بوحدة أراضي كل منهما، ورد مسؤول أرمني بأن أذربيجان سترد على هذه الخطوة بالاعتراف بوحدة أراض لأرمينيا في حدود 29 ألفا و800 كيلومتر مربع.

مصادر ترجع المواجهات بين البلدين وآخرها في العام 2020، إلى حقبة تاريخية بعيدة، حيث الصراعات بين الإمبراطوريات الفارسية والعثمانية والروسية، وتوضح أنه بعد انهيار تلك الإمبراطوريات انهيار ومع نهاية الحرب العالمية الأولى وسط سعي أذربيجان وأرمينيا للاستقلال دعمت روسيا أرمينيا، مقابل دعم تركيا لأذربيجان، وكان إقليم قره باغ قلب الصراع منذ البداية، حيث تضم هذه المنطقة تجمعا بشريا مختلطا من الأرمن والأذريين.


تسوية أذرية أرمينية مدفوعة بتقاطع المصالح؟

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعرب عن أمله مؤخرا، في عقد اجتماع ثلاثي مع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، وهو ما يؤشر إلى رغبة مصالحية روسية للتوصل إلى توافق قد يحمي لها مصالح منها المعلن ومنها غير المعلن في منطقة الصراع.

المحلل السياسي أسامة بشير يعتقد في حديثه لـ”الحل نت”، أن العلاقات الروسية- التركية تتطلب في الوقت الحالي تفكيك كل الملفات الخلافية، وفي مقدمتها النزاع الأذربيجاني – الأرميني، ويقول: “لن تعطل موسكو أي تفاهم بين باكو ويريفان، وكذلك الأمر بالنسبة لتركيا حليفة أذربيجان”.  


بشير يؤكد أن “روسيا المنشغلة بغزو أوكرانيا لا ترغب في التعامل مع تبعات صراع جديد بين أرمينيا وأذربيجان، وهي ليست في الموقع الذي يمكنها تقديم الدعم العسكري لأرمينيا، ولذلك لا تمانع التسوية”.

لكن المتحدث باسم الرئاسة الروسية “الكرملين” ديميتري بيسكوف، امتنع عن الإدلاء بأي توقعات بشأن نتائج اجتماع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأذري إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، وأضاف حسب وكالة “تاس” الروسية ردا على سؤال إن كان الكرملين يتوقع التوصل إلى اتفاقات، بقوله: “لا يمكن أن تكون هناك توقعات”.

أما عن تركيا، فيرى المحلل السياسي لـ”الحل نت” أن “أنقرة لن تعارض أي تسوية تضمن حصول حليفتها باكو على حقوقها، وبالتالي هي تريد من خلال التسوية أيضا تحسين علاقتها مع أرمينيا عدوها التاريخي”.

أذربيجان تزود تركيا بالغاز الطبيعي والنفط الخام عبر خطوط الأنابيب التي تمر على الحدود بين أذربيجان وأرمينيا، ولذلك انحازت تركيا إلى جانب أذربيجان في نزاع قره باغ مرارا.

بحسب بشير، لم يبق أمام أرمينيا إلا الاعتراف بسيادة أذربيجان على المنطقة المتنازع عليها، لأنها على يقين بأن أي حرب قادمة مع أذربيجان ستكون خاسرة، في ظل حضور الدعم التركي، وغياب الدعم الروسي، حيث تعاني الأخيرة من نقص مخزون السلاح بسبب استنزاف جيشها في أوكرانيا”.

بطبيعة الحال، لا يعني اعتراف أرمينيا بسيادة أذربيجان على قره باغ خسارة جديدة ليريفان، لأن المنطقة أساسا تحت سيطرة أذربيجان، وفي الوقت ذاته هي غير قادرة على استعادتها، وعليه نحن أمام حالة تقاطع مصالح الجميع على إنهاء صراع امتد ثلاثة عقود.

باكو ويريفان نحو مرحلة جديدة؟

“نحن على مشارف مرحلة جديدة من العلاقات بين أذربيجان وأرمينيا”، هكذا يقرأ الكاتب والباحث في شؤون آسيا الوسطى و القوقاز، الدكتور باسل الحاج جاسم، ملامح المرحلة القريبة القادمة، بعد الرسائل الإيجابية الصادرة عن باكو ويريفان.

في حديثه لـ”الحل نت” يقول: ” إن إعلان يريفان الاستعداد باعتراف قره باغ يتماشى مع القوانين الدولية، والعديد من قرارات مجلس الأمن الدولي التي تعترف بهذه المنطقة ضمن الأراضي الأذرية”.

في حال التوصل لاتفاق فإن باكو مطالبة بإعادة فتح ممر لاتشين من أجل الحالات الإنسانية، رضوخا لمطالب المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أصدرت في 21 أيلول/سبتمبر الماضي حكما يطالبها بإعادة فتح ممر الذي أغلقته السلطات الأذرية.

أذربيجان سيطرت في عام 2020 على مناطق كانت تسيطر عليها أرمينيا في قره باغ عقب عملية عسكرية، ومنذ ذلك الحين أغلقت باكو بشكل دوري الطريق الوحيد (ممر لاتشين) الذي يربط قره باغ بأرمينيا، وذلك على الرغم من أن الدولتين توصلتا في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 إلى اتفاق لوقف إطلاق النار تستعيد باكو بموجبه محافظات كانت تسيطر عليها يريفان في قره باغ.

باكو ويريفان حاجة اقتصادية

ثمة حسابات اقتصادية تدفع الجانبين الأذربيجاني والأرميني إلى التوصل لاتفاق سلام، وهو ما يمكن تلمسه من خلال إعلان الأخيرة استعدادها فتح جميع خطوط النقل والعلاقات الاقتصادية في المنطقة.

جاء في تقرير نشره موقع “إندبندنت” عربية، خلال اندلاع المواجهة العسكرية الأخيرة بين أذربيجان وأرمينيا في العام 2020، أن “النزاع منذ 30 عاما يمنع تكاملا اقتصاديا بين دول جنوب القوقاز الثلاث التي نشأت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي (جورجيا وأذربيجان وأرمينيا)، كما أن عمليات شراء الأسلحة أثقلت موازنات الأطراف المتحاربة”.

الاقتصادي والسكرتير التنفيذي لحزب المعارضة الأذربيجاني ناتيغ دجافرلي يقول: إن “الإنفاق العسكري للبلدين يمكن أن يخصص لتأمين تحصين اجتماعي للسكان والنمو الاقتصادي”.

لكن المحلل المتخصص في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، ليون رادسيوسيني، يرى أنه “منذ اندلاع الحرب بين أرمينيا وأذربيجان مطلع التسعينيات، كانت المعارك تنتهي بهدن هشة واتفاقات غير كاملة، سرعان ما يتم نقضها لتعود المعارك بدون أن تحسم الوضع عسكريا بالإقليم، وهو ما جعله منطقة ملتهبة قابلة للاشتعال مجددا خاصة مع تداخل أطراف دولية ورغبة كل طرف في الضغط على الآخر عبر مناطق النفوذ”.

رادسيوسيني أضاف في تقرير لقناة “سكاي نيوز”، أنه “بعد حرب 2020، يقود الاتحاد الأوروبي عملية تطبيع بين البلدين تشمل الانخراط في محادثات سلام وترسيم الحدود، تخللتها عدة لقاءات واتفاقات بين الجانبين على الميل نحو السلام إلا أنها لم تفض لسلام دائم وسريعا ما كانت تشتعل المعارك مع سقوط أول قتيل من أي من الجانبين”، معتبرا أن “الأزمة تتخطى الجوار الجغرافي والحل غير وارد في ظل صراع دولي حول السيطرة والنفوذ بهذه المنطقة بين روسيا وتركيا وإيران وحتى أمريكا في ظل محاولة الأخيرة توسيع جبهات الحرب أمام موسكو، مصالح دول الجوار هي التي تحدد إما إنهاء الأزمة أو تصعيدها”.

المحلل لمح إلى أن الاتحاد الأوروبي أيضا يسعى إلى مكاسب من أذربيجان الغنية بالنفط والغاز والمطلة على بحر قزوين في ظل أزمة الطاقة وتنويع مصادر الطاقة وإنهاء الاعتماد على الغاز الروسي.

مع أن كل ما سبق يدعم احتمالية التوصل إلى اتفاق سلام بين باكو الغنية ويريفان الفقيرة، فإنه لا يمكن الجزم بحتمية تحقق ذلك، وخاصة أن الصراع في هذه المنطقة يجذب القوى الإقليمية والدولية، وخاصة المعادية لروسيا التي تمتلك قاعدة عسكرية في أرمينيا، في الوقت الذي تهدد فيه الاشتباكات المحدودة التي لا تكاد تتوقف على الشريط الحدودي للدولتين باندلاع مواجهات جديدة. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات