بنتائج لم تختلف كثيرا عن سابقاتها، حصدت قوى المعارضة على النسبة الأكبر في الانتخابات التشريعية الكويتية التي أُجريت الثلاثاء الماضي، وأعلنت نتائجها أمس الأربعاء، لترسم بذلك صورة لـ “مجلس الأمة” الكويتي (البرلمان)، ربما سيكون مشابها بشكل كبير عن ذلك المجلس الذي تم حلّه من قبل ولي العهد الكويتي الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، نيابة عن أمير البلاد، في نيسان/أبريل الماضي، على إثر خلافات بين “البرلمان” والحكومة التي يترأسها. 

قوى المعارضة، حافظت تقريبا على مقاعدها في “البرلمان” الكويتي، على الرغم من تراجع عددها، حيث فاز النواب المحسوبين على كتلها المتعددة بـ 29 مقعدا من أصل 50، وهو عدد جاء أقل من العدد الذي كانت قد حققته المعارضة في المجلس السابق إذ تمتلك 38 مقعدا، في حين أن نسبة التصويت قدّرَت بحسب المراقبين بين 50 و56 بالمئة، تبعا لتقارير المندوبين في الدوائر.

بناء على تلك النتائج، فإن “البرلمان” الكويتي يشهد إعادة بناء في تركيبته، مع حضور لافت هذه المرة للشباب، في الوقت الذي تراجعت فيه نسبة حضور النساء ومقاعدها، حيث تقلص عدد مقاعدهنّ إلى مقعد واحد بخروج النائبة السابقة عالية الخالد، وفوز النائبة والوزيرة السابقة جنان رمضان بوشهري.

توزيع المقاعد في البرلمان الكويتي الجديد

إذ حصد 10 نواب جدد أغلبهم من الشباب الفرصة الأولى لعضوية “البرلمان”، كما عاد 25 نائبا سابقا، فيما احتفظ 12 نائبا جديدا من مجلس 2022 “المبطل” بمقاعدهم، وبالمجمل، قد بلغت نسبة التغيير في “البرلمان” الجديد لعام 2023 نحو 24 بالمئة، عن مجلس 2022 الذي أبطلته المحكمة الدستورية، بيد أن الانتخابات الحالية شهدت تراجعا بشعبية النواب البارزين الذين سجّل بعضهم أرقاما أقل من نصف ما سجلوه في الدورة الماضية.

كذلك أظهرت النتائج، محافظة التيارات الدينية من “السلف” و”الإخوان” على موقعها داخل “البرلمان”، مع انحسار لقوى العمل الشعبي والليبراليين والإسلاميين الشيعة، وذلك مقابل تراجع حظوظ رئيس المجلس السابق مرزوق الغانم بالرغم من فوزه بعضوية المجلس، الذي كانت المعارضة تعارض وجوده، الأمر الذي مثّل واحدة من أبرز المشكلات آنذاك.

في الانتخابات، دعي أكثر من 793 ألف ناخب إلى صناديق الاقتراع لاختيار 50 نائبا لولاية مدتها أربع سنوات، في البلد الذي يتمتع بحياة سياسية نشطة، ويحظى “برلمانه” بسلطات تشريعية واسعة، ويشهد مناقشات حادة في كثير من الأحيان، خلافا لسائر دول المنطقة.

لكن، على الرغم من إعادة الانتخابات أملا في إنهاء حالة الخلاف السياسي بين الحكومة و”البرلمان”، إلا أن النتائج التي ظهرت، تبدو أنها ستعيد الوضع إلى مربع الأزمة الأول، بخاصة بعد فوز المعارضة بغالبية مقاعد “البرلمان”، ففي السابق أيضا فازت المعارضة بالغالبية، لتفتح بابا من المواجهة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.

منذ أن اعتمدت الكويت نظاما برلمانيا في عام 1962، تم حل المجلس التشريعي حوالي اثنتي عشرة مرة، هذا ويتم تعيين وزراء الحكومة من قبل العائلة آل الصباح، التي تحكم قبضتها على جزء كبير من الحياة السياسية، وذلك بينما يُنتخب النواب.

تعليقا على ذلك، يقول الأكاديمي والباحث السياسي الكويتي عايد المناع، إن نتائج الانتخابات قد أعادت تقريبا معظم نواب “برلمان” 2022، مع تغيير بسيط، بالتالي مع تلك النتائج وفشل أغلب نواب “برلمان” 2020 من الفوز، يمكن القول إن “البرلمان” السابق قد عاد بشكل أو بآخر، لكن مع تحول بارز، وهو تراجع حظوظ “نواب المنصة”، وهم الذين كانوا يمثلون أساس الخلاف مع رئيس “البرلمان” السابق مرزوق الغانم، ورئيس الحكومة.

المناع وفي حديث لموقع “الحل نت”، يعتقد أن “البرلمان قد استوعب أن هناك مشاكل لا ينبغي التشدد في حلولها مثل قضية اسقاط القروض، بدليل حتى النواب الذين تبنوا هذه القضايا قد سقطوا في الانتخابات الحالية، أو تراجعت حظوظهم إلى المستويات الأخيرة، ما يؤشر أن الناخب الكويتي، لديه أولويات لا تقتصر على موضوع القروض والديون، وهو ما يحتم عدم التشدد فيها وترك المساحة لها للتطور إلى خلافات بهذا المستوى.

أوليات الناخب الكويتي وفرص نجاح البرلمان

فهناك قضايا جوهرية تشغل الناخب الكويتي أكثر من غيرها، بحسب المناع، مثل؛ السكن والتعليم وتنويع مصادر الدخل، والتخفيف من حدة القوانين المقيدة للحريات، والتي صدرت عن طريق “البرلمان”، كذلك ما يتعلق بزيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين التي لم تطرأ عليها زيادة منذ عام 2018،  بالإضافة إلى المطالبة بالانفتاح على العالم.

كويتيون يصوتون في الانتخابات التشريعية/ إنترنت + وكالات

المناع الذي يعتقد أن انفتاح بلاده على العالم في ظل هيمنه التيارات الإسلامية، لن يكون سريعا، يرى أن حدة الخلافات بين الحكومة و”البرلمان”، قد تهدأ، إذا ما جاءت حكومة تتناسب مع تركيبة “البرلمان”، وتمتلك برنامجا واضحا تسعى لتنفيذه، وتطلب من “البرلمان” الصبر عليها في التنفيذ.

لكن مع ذلك، لم يستبعد الأكاديمي والباحث السياسي الكويتي، احتمالية الصدام نهائيا، مشيرا إلى أن ذلك واردا في حال تباطأت الحكومة في الإنجاز، بخاصة فيما يتعلق بقضايا الفساد وغسيل الأموال وما شابه ذلك، بيد أن نسبة الخلاف بين “البرلمان” الجديد ستكون أقل من نسبة البرلمانات السابقة، لافتا في الوقت ذاته إلى ضرورة وجود معالجة إنسانية واجتماعية لقضية “البدون”، وإن لم تكن ضمن أولويات الناخب الكويتي.

الكويت تعيش منذ سنوات صراعا مستمرا بين الحكومة و”البرلمان”، عطل مشاريع الإصلاح الاقتصادي والمالي، لاسيما إقرار قانون الدين العام، حيث تعتمد الميزانية العامة على الإيرادات النفطية بنحو 90 بالمئة.

فبعد أزمة طاحنة بين الحكومة السابقة التي كان يقودها الشيخ صباح الخالد والمعارضة، قام ولي العهد، الذي يتولى معظم صلاحيات الأمير العام الماضي، بحل “برلمان” 2020 والدعوة لانتخابات جديدة، جرت في أيلول/سبتمبر وفازت فيها أغلبية من النواب المعارضين.

في آذار/مارس الماضي، قضت المحكمة الدستورية ببطلان انتخابات 2022 وإعادة “برلمان” 2020، الذي لم يكن على وفاق مع الحكومة التي يرأسها الشيخ أحمد نواف الصباح ابن أمير البلاد، وفي أول أيار/مايو تم حل “برلمان” 2020، مرة ثانية بمرسوم أميري والعودة إلى الشعب لاختيار ممثليه من جديد.

جدير بالذكر، إنه في الانتخابات الحالية، قد حققت “مجموعة السبعة” فوزا كاملا، مع تسجيل أحد أعضائها، سعود العصفور الرقم القياسي في عدد الأصوات على مستوى الكويت، بلغ 12784، وإلى جانبه، فاز كل من حمد المدلج، وأسامة الزيد، وفلاح ضاحي الهاجري، وشعيب علي شعبان، وشعيب المويزري، وعبد الله فهاد العنزي.

خارطة نتائج الانتخابات الكويتية

أما “كتلة الأربعة”، التي يمثلها الدكتور حسن جوهر ومهلهل المضف، وعبد الله المضف، ومهند الساير، عادت إلى “البرلمان” محتفظين بأرقام متقدمة في دوائرهم، في حين فاز شريكهم بدر الملا، الذي أصبح وزيرا للنفط قبل أن يستقيل ليسجل المركز العاشر في الدائرة الثانية.

مجلس الأمة الكويتي/ إنترنت + وكالات

كما فازت “حركة العمل الشعبي” المعروفة بـ “الحشد”، التي يتزعمها النائب السابق مسلم البراك، ومتعب عايد الرثعان، في حين لم يحالف الحظ المرشحين باسل البحراني، ومحمد مساعد الدوسري.

إلى ذلك، حافظت “الحركة الدستورية الإسلامية”، المتكونة من الـ “إخوان” و”حدس”، على تمثيلها السابق، بـ 3 مقاعد، لصالح: أسامة الشاهين، وحمد المطر، وعبد العزيز الصقعبي، كما فاز المقرب من الحركة فلاح الهاجري، ولم يحالف الحظ مرشحها معاذ مبارك الدويلة.

أما التيار السلفي، فقد رفع رصيده في “البرلمان” الجديد إلى 6 مقاعد، حيث فاز أعضاء “التجمع السلفي”؛ فهد المسعود، وحمد العبيد، ومبارك الطشة، بالإضافة لمرشحين سلفيين أحدهما قريب من “التجمع” هو فايز غنام الجمهور، وكذلك عادل الدمخي، ونائب “تجمع ثوابت الأمة” محمد هايف المطيري.

في حين تراجع عدد النواب الشيعة المحسوبين على التيارات الإسلامية، بفوز نائبين لـ”الائتلاف الإسلامي” هما؛ أحمد لاري، وهاني شمس، وخسارة عبد الله غضنفر، وكذلك خسارة كامل أعضاء تجمع “العدالة والسلام” الممثل بالنائبين السابقين؛ صالح عاشور، وخليل الصالح.

أيضا، تقلص حجم النواب الشيعة إلى 7 نواب، معظمهم من الليبراليين والشباب، موزعين على التكتلات المختلفة، هم؛ أسامة الزيد، وحسن جوهر، وداوود معرفي، وأحمد لاري، وشعيب شعبان، وجنان بوشهري، وهاني شمس، في حين كان عددهم 9 في مجلس 2022، و6 في مجلس 2020.

أبرز الخاسرين في هذه الانتخابات النائب السابق عبيد الوسمي، ومرزوق الخليفة، وفيصل الكندري، والصيفي الصيفي، وسعدون الحماد، وصالح عاشور، وخليل الصالح، أما النواب الجدد الذين دخلوا المجلس لأول مرة، فهم: داود معرفي، وبدر العنزي، وفهد المسعود، وحمد العليان، وجراح الفوزان، وبدر الشمري، ومتعب الزايدي، ومحمد الرقيب، وفهد العازمي، وعبد الهادي العجمي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات