بعد ثلاثة أيام من مقتل الشابة مهسا أميني، خرج مئات الآلاف من الإيرانيين، بمن فيهم نساء بلا حجاب، بما في ذلك طهران، ورددوا هتافات ضد النظام، وشخص المرشد علي خامنئي، وصف مراقبون الاحتجاجات الجارية بأنها الأكبر على مستوى البلاد ضد النظام بعد كانون الثاني/يناير 2018.

الاحتجاجات الإيرانية ما بين عامي 2021-2022، ازدادت بشكل كبير، خصوصا تلك التي باتت معروفة باسم “انتفاضة العطشى”، وهي احتجاجات مستمرة في إيران، تحدث غالبا بشكل متقطع، كجزء من الحركة الديمقراطية الإيرانية الأوسع، في العديد من مناطق البلاد، احتجاجا على نقص المياه وانقطاع التيار المستمر، لكنها سرعان ما قوبلت بعنف، ووحشية من جانب الشرطة، و”الحرس الثوري الإيراني”.

انتفاضة “مهسا أميني”، المستمرة منذ أيام هي أكبر تظاهرات ضد النظام الإيراني منذ عام 2018، ولكن كيف سيكون مصير التظاهرات الغاضبة من النظام الإيراني بعد مقتل الشابة مهسا أميني، هل تتسع رقعة التظاهرات في مناطق أكثر خصوصا في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور، وهل تتزايد الضغوط على النظام الإيراني في وقت يمر فيه الوضع الصحي، لعلي خامنئي، بحالة حرجة؟

التحول إلى احتجاجات سياسية في إيران

في طهران ومدن كبيرة أخرى في إيران، هتف المتظاهرون ضد المرشد خامنئي، مثل: “خامنئي قاتل ونظامه باطل” و”سنقتلك يا خامنئي وندفنك تحت الأرض”، كما هتفوا ضد رجال الدين والمسؤولين مثل، “على الملالي أن يرحلوا”، أو “إن لم تدفن الملالي فلن يصبح إيران وطنا”.

تحول انتشار الاحتجاجات في أنحاء إيران، من مناصرة لقضية إنسانية إلى سياسية مع شعارات تدعو كبار القادة إلى التنحي، وفقا لمنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، تشير إلى أن حكام إيران، الذين يكافحون من أجل الحفاظ على الاقتصاد المقعد، واقفا على قدميه في ظل العقوبات الأميركية، باتوا تحت ضغوط ربما تفقدهم مناصبهم، بحسب ما يؤكده الخبير في السياسة الخارجية الإيرانية، بيير بهلوي، لـ”الحل نت”.

يقول بهلوي، إنه منذ عام 2021 تشهد إيران موجة من الاحتجاجات القوية، بدأت في تموز/يوليو حول أزمة المياه، واستمرت تباعا حتى آخر المظاهرات في شباط/فبراير الفائت، عندما قام آلاف المعلمين في جميع أنحاء البلاد بإضراب لمدة يوم واحد بعد ثلاثة أيام متتالية من الاحتجاجات، ليتم طرح اقتراح من قِبل الضابط العسكري، حسين أشتري، بسن قانون جديد من شأنه أن يسهّل على ضباط الشرطة استخدام الأسلحة النارية، وهذا ما أثار مخاوف من أن مثل هذه الممارسة يمكن أن توفر ترخيصا للشرطة بممارسة الوحشية ضد المدنيين.

بحسب بهلوي، فإنه على مدى السنوات الأربع الماضية، كانت هناك احتجاجات واسعة النطاق للمطالبة بمطالب اقتصادية، وتزايدت الاحتجاجات والإضرابات التي نظمتها النقابات الكبرى في إيران، استجابة لتدهور مستويات المعيشة في جميع أنحاء البلاد.

ردّ قوات الأمن على هذه الاحتجاجات بالقوة المفرطة، بما في ذلك القوة المميتة، واعتقال آلاف المتظاهرين، مستخدمة الملاحقة والسجن بناء على تُهم غير مشروعة كأداة رئيسية لإسكات المعارضين البارزين والمدافعين عن حقوق الإنسان، ولأن السلطات لم تُبد أي استعداد للتحقيق في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتُكبت تحت سيطرتها، حوّلت المطالب إلى سياسية.

الاستقرار الداخلي في خطر

قبل وفاة الشابة الإيرانية، مهسا أميني، لدى الإيرانيين أسباب كافية للشعور بالغضب، منها البطالة، والتضخم، والأجور غير المدفوعة أو الهزيلة عند دفعها التي تكاد تكفي تكاليف الخبز والسلع الأساسية، ونظام يستمر في برنامج نووي، لم يكسب البلاد أكثر من العقوبات.

يرى بيير، أن نجاح مثل هذه المظاهرات، سواء الآن أو في المستقبل، غير مؤكد، إلا أن استمرار المظاهرات الأخيرة ضمن شروط سيعزز من زعزعة النظام الإيراني وربما إسقاطه، أولها تشكيل إضراب عام وخاصة في قطاع النفط، وإجراء تحول نفسي لبقية الطبقات التي تدعم النظام، ودعم الجيل الجديد في العملية السياسية؛ لأنه يعي الخطر الذي سيحيطه في حال قمعت هذه المظاهرات.

ملامح الاحتجاجات الأخيرة، وفي ظل الأنباء التي تتحدث عن تدهور صحة خامنئي، يراها بيير، أنها تقود نحو إنشاء نظام داخلي جديد، خصوصا، وأنه من الواضح أن الاضطرابات هزت خامنئي، الذي طلب من الإيرانيين “التحلي بضبط النفس والصبر والتفاؤل بالمستقبل”، رغم أنه لم يعرض سياسات جديدة، وألقى باللوم في الاحتجاجات على “حرب العدو الناعمة على الشعب الإيراني” و”أهداف العدو باستفزاز الأمة”.

الرحيل مطلب المحتجين

لم تتوقف تداعيات وفاة الشابة الإيرانية، مهسا أميني، حتى الآن في إيران، بل ازدادت موجة الغضب، وانتقلت من الشارع الغاضب إلى الإعلام “الإصلاحي”، الذي فتح النار بشدّة على “شرطة الإرشاد”.

وصلت التجمعات، والاحتجاجات على مقتل الشابة مهسا أميني، إلى العاصمة طهران، وأصفهان، ورشت، فيما لجأت القوات الأمنية إلى إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الجموع، فيما خلعت النساء المحتجات الحجاب.

وبدأت الاحتجاجات في طهران بعد ظهر أمس الاثنين، من شارع حجاب وسط العاصمة، وبحسب التقارير، فقد اعتقلت القوات الأمنية الإيرانية عددا من المحتجين في سيارات الإسعاف التي نشرتها في هذا الشارع وحوله.

وعلى الرغم من انتشار قوات الأمن بشكل مكثف، فقد أفادت التقارير الواردة بأن المتظاهرين في طهران، قاوموا واستمروا في تجمعاتهم، احتجاجا على مقتل الشابة مهسا أميني، فيما أطلق الأمن الإيراني الغاز المسيل للدموع باتجاه المحتجين.

وقد امتد تجمع المتظاهرين في العاصمة طهران، إلى ساحة ولي عصر أيضا، ورفع المحتجون في العاصمة طهران شعار: “الموت للديكتاتور”، و”الموت لخامنئي”، و”رضا شاه لروحك السلام”، و”المرأة والحياة والحرية”، و” من كردستان إلى طهران، ظلم ضد النساء”، و”اتحاد اتحاد”.

تعود قصة الاحتجاجات الأخير، عندما دخلت مهسا أميني، بغيبوبة قبل وفاتها بساعات، إثر تعذيبها من قِبل “شرطة الإرشاد” بتهمة “الارتداء السيئ للحجاب “، وتوفيت في العاصمة طهران، التي كانت تزورها مع عائلتها، وهي من كرد إيران، غربي طهران.

ومنذ الجمعة، اندلعت احتجاجات كبيرة في إيران على إثر وفاة مهسا أميني، وتصاعد غضب المحتجين لاسيما في مدينة سقز، مسقط رأس الفتاة البالغة من العمر 22 عاما، حيث اندلعت احتجاجات نسائية بخلع الحجاب في إيران، أثناء تشييع جنازة الراحلة.

وهتف المشيّعون في الجنازة ضد النظام الحاكم في طهران، وقالوا “الموت للديكتاتور”، و”الموت لخامنئي”، في إشارة إلى المرشد الأعلى لإيران، وأظهرت مقاطع فيديو بعد ذلك قوات الشرطة وهي تطلق النار على حشد من الناس.

وجرت مراسم الجنازة في بلدة سقز، مسقط رأس أميني، في محافظة كردستان الغربية بإيران، وتجمّع سكان المنطقة في الصباح الباكر من يوم السبت الفائت، لمنع قوات الأمن الإيرانية من اقتحام مراسم الدفن سرا لتجنب الاحتجاجات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة