انتهاكات وتجاوزات تكاد لا تُعد ولا تحصى، تمارسها ميليشيا “الحوثي” المدعومة من إيران ضمن مناطق سيطرتها في اليمن، باتت تطال كافة القطاعات ومرافق الحياة في البلد، حيث سجّل آخرها، قبل أيام قليلة بمحاولة الميليشيا، تمرير قانون جديد عبر “مجلس النواب” الخاضع لسيطرتهم في صنعاء لمنع ما أسموه “التعاملات الربوية”، الذي يمنحها الاستحواذ والسيطرة على الودائع المصرفية في البنوك.

“الحوثيون” يمضون قُدما في العمل على تمرير هذا القانون المثير للجدل، والذي رفضه ممثلو الغرفة التجارية والصناعية والبنوك واعتبروه قرارا كارثيا سيتسبب في انهيار النظام المصرفي الهشّ في اليمن، ويؤدي إلى ضياع مدّخرات أكثر من مليون يمني في البنوك.

 القانون الجديد استلهمه “الحوثيون” من نسخة ليبية مشابهة صدرت في العام 2013 قبل أن يتم تجميد العمل بها، مع إجراء بعض التغييرات غير الجوهرية في القانون التي قال خبراء اقتصاديون وماليون يمنيون إنها “مصممة لنهب مدّخرات اليمنيين في البنوك فقط، وإنها لا تتناسب مع طبيعة النظام المصرفي العالمي”.

جدل حول القانون؟

مشروع القانون قوبل برفض عضوين فقط في اللجنة القانونية المشكلة من أعضاء “مجلس النواب”، فيما رفض وزير المالية ومحافظ “البنك المركزي” اليمني، في حكومة “الحوثي” حضور أيّ جلسات نقاش حول القانون في مؤشر على رفضه، دون الجرأة على اتخاذ موقف معلن يعارض التيار العقائدي النافذ في الجماعة “الحوثية”، وفق تصريح للنائب في برلمان صنعاء أحمد سيف حاشد.

حاشد نقل عن عضو “مجلس النواب” في صنعاء خالد مجود الصعدي تعليقه على مشروع “منع التعاملات الربوية” أنه “مشروع تم تفصيله على نحو يستهدف أموال المودّعين وليس قانونا للمستقبل”. حيث عبّرت “جمعية البنوك” في رسالة إلى “مجلس النواب” في صنعاء، عن عدم قدرتها على سداد الأموال المودّعة، في الوقت الذي يرفض “البنك المركزي” التابع لـ”الحوثيين”، الإيفاء بالتزاماته الخاصة بالبنوك المحلية أو دفع فوائد سندات الخزانة التي ناهزت الخمسة مليارات دولار، بحسب صحيفة “العرب” اللندنية.

قد يهمك: على نهج “طالبان”.. قيود “الحوثي” تخنق الحرية في اليمن؟

التسريع “الحوثي” لإصدار القانون المثير للجدل حول “منع التعاملات الربوية” يستهدف بالدرجة الأولى الاستيلاء على الفوائد المستحقة للبنوك والشركات والمؤسسات المالية وهو ما يعني عجز تلك البنوك في المقابل عن دفع مستحقات أكثر من مليون مودّع، وفقا لمصادر مالية. ومنذ اجتياحها صنعاء في أيلول/سبتمبر 2014 شرعت الميليشيات “الحوثية” في اتباع سياسة لمصادرة الأموال العامة والخاصة وفرض قوانين وإجراءات تستهدف السيطرة على القطاع المالي والمصرفي ووضع اليد على أموال المودّعين في البنوك.

قانون “منع التعاملات الربوية”، انتقدته الأمم المتحدة وفريق خبراء “لجنة العقوبات” التابعة لمجلس الأمن، وفي تقريره الصادر في شباط/فبراير الماضي، حذّر فريق الخبراء من مخاطر تمرير القانون ونتائجه على الاقتصاد الهش وتعزيزه لحالة الانقسام السائدة في القطاع المصرفي والمالي في اليمن، إضافة لتعميقه المجاعة والأزمة الإنسانية التي تعصف بالبلاد.

النفوذ “الحوثي” على قطاع المصارف

ميليشيا “الحوثي” تستمد نفوذها على القطاع المصرفي من حقيقة أن معظم البنوك لا تزال تتخذ من صنعاء مقرها، وتدير معظم أعمالها في المناطق التي تسيطر عليها الميليشيا، كما أنها فرضت قانون “الحارس القضائي” والذي يخوّل ميليشيا “الحوثي” السيطرة على أموال البنوك والمؤسسات الاقتصادية والعقارات لكل من يختلف معها حينها تستخدم عصا “الحارس القضائي”، بحسب حديث رئيس مركز “الجنوب اليمني للدراسات” عمر بن غالب اليافعي، لـ”الحل نت”.

“جماعة الحوثي” منعت في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، البنوك من مشاركة سجلات بياناتهم مع “البنك المركزي” اليمني في عدن، بهدف عرقلة اليمن من الحصول على حقوق سحب مالية خاصة من “صندوق النقد الدولي”، وفق اليافعي، حيث كان “البنك المركزي” في عدن أمر في الشهر ذاته، البنوك المشاركة في المزادات، بمشاركة بيانات العمليات لضمان الامتثال لقوانين مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، شرط للحصول على 300 مليون دولار من “صندوق النقد الدولي”.

الملايين من اليمنيين، لا سيما أصحاب المعاشات التقاعدية، يعيشون على الفائدة الشهرية المكتسبة من ودائعهم المصرفية، حيث حذر خبراء اقتصاديون من أن قانون منع “التعامل الربوي” مجرد حيلة ابتكرتها الميليشيات لإلغاء الفوائد ما يؤدي إلى تقويض ثقة الناس وقد سارع الكثير من العملاء بسحب ودائعهم النقدية، خشية أن يزداد تآكل قيمتها.

القانون يجيز لـ”الحوثيين” فحص المعاملات التجارية بما يعرض أطراف أي معاملة تجارية أو مصرفية للمضايقة والابتزاز “الحوثي” واستغلال أي أحكام جزائية لصالح الميليشيات. وبما أنه لن تُدفع أي فائدة على الودائع بموجب القانون الجديد، ولا يمكن توليد الفوائد إلا من الاستثمارات التي تقوم بها المصارف، سيكون هناك عدم يقين بشأن العوائد التي يتوقعها العملاء من المصارف، بحسب تقرير فريق خبراء “لجنة العقوبات” الذي صدر في الشهر الماضي.

“أسلمة” الديون المصرفية

ليس القصد من قرار “منع التعاملات الربوية”، هي “الأسلمة”، من وجهة نظر اليافعي، لأن “أسلمة” النظام المصرفي تأتي من خلال لجان اقتصادية شرعية تقوم بعملية دراسة للواقع وتقديم حلول إسلامية بديلة في تدرج ومراحل لتفادي الخسائر وهو ما لم تقم به ميليشيا “الحوثي” مطلقا.

 “جماعة الحوثي” وضعت يدها منذ أكثر من سنة على بنك “التضامن” الإسلامي وهو بنك غير ربوي، مما يدل على أن ما يسمى بـ”أسلمة” البنوك، وفق اليافعي، ما هي إلا عملية سطو منظمة تقوم بها ميليشيا “الحوثي” استكمالا لقانون “الحارس القضائي” الذي استولت من خلاله على أموال معارضين لها وتجار رفضوا أن يدفعوا الخمس.

 لو كان القصد “أسلمة” البنوك، لشكلت ميليشيا “الحوثي” لجان من متخصصين بالاقتصاد والشريعة وأقامت مؤتمرات وندوات علانية وأشركت معها البنوك وبيوت المال، وهذا يؤكد أن الهدف هو الاستيلاء على الأموال تحت مسميات “الأسلمة” و”الحارس القضائي”، من وجهة نظر اليافعي.

من جهته يقول خبير الاقتصاد اليمني عوبلي عبد الواحد في حديثه لـ”الحل نت”، إنه “يمكن أن يكون تأثير أسلمة الديون المصرفية على البنوك كبيرا، إذ ممكن أن يؤثر إلغاء أسعار الفائدة على ربحية البنوك، وقد يجعل من الصعب عليها تقديم تسهيلات ائتمانية للعملاء، إذ من الممكن أن تكون استجابة المودّعين لهذا القرار مختلطة. فمن ناحية، قد يرحّب بعض المودّعين الذين يلتزمون بالمبادئ الإسلامية بالقرار. من ناحية أخرى، قد يعارض المودّعون الآخرون الذين يعتمدون على الفائدة المكتسبة من ودائعهم القرار”.

اقرأ أيضا: حراك عُماني لمنع تجدد التوتر باليمن.. حفاظ على الهدنة “غير المعلنة“؟

ميليشيا “الحوثي” تمنع البنوك من مشاركة سجلات بياناتها مع “البنك المركزي” اليمني في عدن، لأن الحكومة التي يسيطر عليها “الحوثيون” في صنعاء لا تعترف بالحكومة الشرعية في عدن بحسب عبد الواحد، ونتيجة لذلك، أنشأت حكومة “الحوثيين” بنكا مركزيا خاصا بها في صنعاء، وأمرت البنوك التجارية بتحويل حساباتها إلى هذا البنك. وقد أدى ذلك إلى انقسام في النظام المصرفي، حيث تعمل بعض البنوك في ظل حكومة هادي والبعض الآخر في ظل حكومة “الحوثيين”.

مركز “صنعاء للدراسات الاستراتيجية”، قد أكد في تحليل مطوّل، أن “القانون الجديد سيجبر البنوك التجارية على إنهاء الودائع بفائدة، وسيترتب عليه سحب الأفراد لودائعهم من البنوك، وضياع حقوق المساهمين وفوائد ودائع العملاء التي تلقتها البنوك التجارية، كما أنه يهدد بتكثيف أزمة السيولة في البنوك.

المركز يوضح أيضا بأن “الحوثيين” لم يعرضوا أي أدوات تمويل إسلامي بديلة لإعادة استثمار الأصول العالقة، وأن أسلمة “الحوثيين” للديون المصرفية يجعل البنوك أقل قدرة على الوفاء بالتزامات العملاء، ما يهدد بمزيد من تآكل الثقة في الخدمات المصرفية التجارية وتعريض ملاءتهم المالية للخطر.

تلاعب بحقوق البنوك والمودّعين

هدف ميليشيا “الحوثي” من قانون “منع المعاملات الربوية” هو سرقة حقوق البنوك والمودّعين التي تراكمت لدى “البنك المركزي” بصنعاء خلال السنوات الثماني الماضية، وفقا لمصرفيين، حيث قضى القانون “الحوثي” المسمى “منع المعاملات الربوية”، بإلغاء الفوائد على الودائع والقروض، وإلغاء كافة الأحكام الخاصة بالفوائد المنصوص عليها بالقوانين النافذة، وصادر استثمارات البنوك التجارية في الدّين الحكومي.

على الرغم من أن سعر الفائدة الاسمي البالغ 16 بالمئة على أذون الخزانة، اشترت البنوك المحلية 80 بالمئة من أذون الخزانة العامة المصدرة بين عامي 2010 و2016، إلا أن العائد الحقيقي على هذا الاستثمار أصبح بالسالب بسبب التدهور السريع في قيمة العملة وارتفاع التضخم الناتج عنه.

في آب/أغسطس 2019، جمّد “البنك المركزي” اليمني في صنعاء الخاضع لميليشيا “الحوثي” الفائدة المركبة على أذون الخزانة، ما تسبب بخسائر لحاملي أذون الخزانة، معظمهم من البنوك التجارية، في الفائدة السنوية المركبة البالغة 16 بالمئة، على استثماراتهم وفرصة إعادة استثمارها.

كما اتخذ “البنك المركزي” في صنعاء، في آب/أغسطس 2019، قرارا بإعادة تحديد سعر الفائدة المستحق على السندات الحكومية التي تستثمر فيها صناديق التقاعد العامة من 10 بالمئة إلى صفر. ومنذ أواخر 2016، امتنعت ميليشيا “الحوثي” عن سداد ما عليها من ديون للبنوك اليمنية وصناديق التقاعد، 3 تريليون و250 مليار ريال، المقومَة بـ 15 مليار دولار في 2014، بسعر 215 ريالًا للدولار، بحسب موقع “نيوز ماكس 1” اليمني.

لم تتمكن البنوك من استثمار الأصول المالية أي القروض المستحقة للبنوك المحلية ومؤسسات وصناديق التقاعد، المتعثرة لدى ميليشيا “الحوثي” وفوائدها، والتي تعتبر كاملة السيولة وفقا للقانون، وتراجعت القيمة الحقيقية للأموال المستحقة للبنوك وصناديق التقاعد “الدين المحلي” عند جماعة “الحوثي”، البالغة 3 تريليونات و250 مليار ريال، المقومَة بـ 15 مليار دولار في 2014، بسعر 215 ريالا للدولار، إلى 3 مليارات و250 مليون دولار نهاية 2022، بسعر 1200 ريال للدولار أي السعر الحقيقي للدولار في السوق المحلية، والمعتمد لدى البنوك والتجار في حساباتهم المالية.

إضافة إلى إلغاء الفوائد البالغة 16 بالمئة من إجمالي قروض البنوك لدى الحكومة، وبحسب سعر صرف الريال مقابل الدولار، في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليا، بلغت نحو ملياري دولار، لتبلغ إجمالي خسائر البنوك 14 مليار دولار.

الدراسات الاقتصادية والمالية تشير إلى أن تكبّد البنوك خسائر بهذا الحجم سيؤدي إلى إفلاس العديد من البنوك وأصحاب الديون، وتدمير الثقة في القطاع المصرفي اليمني والنظام المالي الرسـمي، وجعله في عزلة عن النظام المالي العالمي.

دراسة تحت عنوان “معالجة ثُقل أعباء الدين العام في اليمن” صدرت في تموز/يوليو 2022 عن مركز “صنعاء للدراسات الاستراتيجية”، أكدت بأن “الاستمرار في التخلف عن سداد أصول الدين المحلي يجعل من البنوك التجارية عُرضـة لمزيد من الخسائر المالية”.

الميليشيات “الحوثية” منذ انقلابها على الشرعية أجرت عددا من التعديلات الكارثية على المنظومة القانونية بما يعزز الانقسام ويؤسس لنظام عنصري انفصالي في بعض مناطق شمال اليمن، وستؤثر بشكل سلبي على حياة المواطنين وعلى رأس المال عموما، ويعمق المجاعة والأزمة الإنسانية التي تعيشها البلاد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.