الوجود الإيراني في سوريا، لا يزال السبب الرئيسي والمعلن لحرب تخوضها إسرائيل منذ عدة سنوات في سوريا من خلال تنفيذ عمليات قصف جوي وصاروخي ومدفعي على الأهداف الإيرانية داخل سوريا، في محاولة للحد من هذا التواجد أو إنهائه، ولكن على الرغم من كل ذلك فلا يزال الإيرانيون متواجدين في سوريا وبقوة، خلافا لكل المعلومات التي تشير إلى عكس ذلك.

رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي، أهارون هاليفا، ربط توقف الضربات الإسرائيلية على الأراضي السورية بابتعاد الهيمنة الإيرانية على “السيادة السورية”، وقال هاليفا خلال مؤتمر لمعهد “دراسات الأمن القومي” الإسرائيلي، يوم أمس الإثنين، “حينما ستعود سوريا لتكون دولة ذات سيادة ومستقلة غير خاضعة لسيطرة الإيرانيين عليها، فأنا مقتنع بأننا سنتوقف عن الزيارات المتكررة إلى مجالها الجوي”.

تصريحات المسؤول الإسرائيلي تطرح مجموعة من التساؤلات حول جدوى مثل هذه الدعوات للانفكاك السوري عن إيران، ووجود بدائل لحكومة دمشق لتخطو هذه الخطوة، وهل فعلا تم تحفيض الوجود الإيراني في سوريا، ومستقبل المواجهات الإيرانية الإسرائيلية في سوريا.

الانفكاك غير ممكن

في تصريحات سبقت تصريحات رئيس هيئة الاستخبارات الإسرائيلية، وتحديدا في نيسان/أبريل الماضي، صرح وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، أنه يجب على الرئيس السوري بشار الأسد، قطع علاقاته مع إيران، إذا أراد أن يكون جزءا من المنطقة، وأن يعود إلى جامعة الدول العربية.

قصف إسرائيلي على سوريا “وكالات”

خلال الأشهر الماضية أيضا، حاول العديد من مسؤولي الدول العربية، وخاصة الخليجية منها إقناع الأسد بفكرة الابتعاد عن إيران، أو على الأقل الحد من هيمنتها على سوريا إلا أن جميع هذه المحاولات والدعوات فشلت في التوصل إلى أي نتيجة.

في هذا السياق، يؤكد الكاتب السياسي، صدام الجاسر، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن احتمال حدوث انفكاك سوري إيراني أمر غير وارد بالمطلق، الترابط بين البلدين قديم يعود لعشرات السنين منذ قيام ثورة الخميني في إيران، وهو ارتباط عضوي، فوجود حكومة دمشق ترتبط بوجود النظام الإيراني واستمراره، ودمشق تدرك أنه لا حليف لها سوى إيران.

الجاسر يضيف أنه في الفترة السابقة تم تقديم العديد من المغريات لحكومة دمشق من دول الخليج العربي، لتبتعد عن إيران لكنها قوبلت بالرفض أو التجاهل، فبالنسبة لحكومة دمشق لا يوجد سبب حقيقي يدفعها للابتعاد عن إيران، كما أنها تسببت بمشاكل كثيرة في المنطقة وتدرك أن ابتعادها عن إيران سيفقدها الحليف الوحيد الذي يهمه بقاء “النظام السوري” في الحكم، لذلك هي غير مستعدة لفك ارتباطها بإيران ولا يمكن لأي مغريات أو وعود أن تدفع بهذا الاتجاه.

قد يهمك:تهديدات إيرانية لواشنطن بسبب إسرائيل.. أكاذيب وأوهام طهران؟

الوجود الإيراني قوي في سوريا

رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي، أهارون هاليفا، أوضح خلال المؤتمر الذي حمل عنوان “إيران، إسرائيل والمحور الشيعي في 2023 عام من الصراع”، أن الحضور الإيراني في جنوبي سوريا على مستوى “منخفض للغاية”، وأن كمية “الوسائل القتالية الاستراتيجية الموجودة على الأراضي السورية تتراجع نتيجة الضربات الإسرائيلية”.

أيضا في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، زعم مسؤولون في وزارة الدفاع الإسرائيلية، أن القوات الإسرائيلية دمرت نحو 90 بالمئة من البنية التحتية العسكرية الإيرانية في سوريا، وقال المسؤولون، إن إسرائيل نجحت خلال السنوات الأخيرة بالحد بشكل “شبه كامل” من قدرة إيران على نقل الأسلحة إلى سوريا، وتصنيعها على أراضيها، وإقامة قاعدة فيها مع الميليشيات الموالية لها، وأضافوا أن القوات الإسرائيلية ألحقت أضرارا بالغة بمسارات التهريب الإيرانية من إيران إلى سوريا عبر البحر والجو والبر.

الجاسر يرى أنه لا يوجد تخفيض للتواجد الإيراني في سوريا بالشكل الذي يدّعيه المسؤولون الإسرائيليون، إنما تم سحب بعض المستشارين العسكريين وبعض عناصر الميليشيات التي لا يؤثر سحبها على السيطرة الإيرانية، وأيضا فإن الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، تتبع بشكل كامل لإيران، وأي انسحاب لإيران من أي منطقة يقابله انتشار للفرقة الرابعة في نفس المنطقة.

أيضا بحسب معلومات خاصة بـ”الحل نت”، فإن إيران تعمل في كل فترة على إعادة تموضع لقواتها من الجنسيات غير السورية، وتتركز في القطع العسكرية التابعة للحكومة السورية، كما أنها عادت مؤخرا لتجنيد عناصر محليين لها ليقوموا بالأعمال المطلوبة منهم.

المعلومات تؤكد أنه خلال الأيام الأخيرة، استطاعت إيران عبر جهاز المخابرات الجوية في محافظة درعا، تجنيد 100 مقاتل محلي من ريف المحافظة الشرقي، وذلك لقاء رواتب شهرية تقدر بـ 250 ألف ليرة سورية شهريا، إضافة إلى بطاقة تثبت انتسابه للمخابرات الجوية.

المصادر أكدت لـ”الحل نت”، أن خدمة هؤلاء العناصر ستكون لمدة 20 يوم في الشهر وإجازة 10 أيام للعاملين منهم في درعا، أما من سيعمل في دير الزور فسيكون عملهم لمدة 15 يوم وإجازة 15 يوم.

مستقبل المواجهة الإيرانية الإسرائيلية

المسؤول الاستخباراتي الإسرائيلي، اعتبر أن إسرائيل نجحت في تفكيك وجود وكلاء إيران في سوريا، مشيرا إلى انهيار “رؤية قاسم سليماني”، لكنه أكد أن المعركة متواصلة باستمرار لتدفق مئات الملايين من الدولارات من الأموال الإيرانية إلى ذات المجموعات أو الوكلاء، بسبب استمرار التصور الإيراني القاضي “بالحفاظ على الثورة وتصديرها إلى العراق واليمن وسوريا”، على حد قول”.

قصف إسرائيلي على ميناء اللاذقية “وكالات”

صدام الجاسر، يرى أن المواجهة الإيرانية الإسرائيلية في تزايد، وأيضا الأميركية الإيرانية، فمنذ أيام تم إيقاف المفاوضات النووية مع إيران، وهناك ضغوط أميركية وغربية على طهران، وهذا يعطي انطباعا بأن الأمور تتجه نحو التصعيد، وأن الولايات المتحدة والأوروبيين أدركوا أن النظام الإيراني سيدخل في مأزق داخلي وليس من مصلحتهم استكمال المفاوضات حاليا، بل العمل على زعزعة النظام الإيراني من الداخل.

أيضا فالدول الأوروبية وإسرائيل، ترى أنه لا جدوى من الدخول مع إيران في أي مفاوضات لتهدئة الأوضاع في المنطقة، بل على العكس لن يرتكبوا الخطأ الذي ارتكبوه في سوريا، أي سيتم رفع اليد عن النظام الإيراني وتركه لمواجهة مصيره أمام الشعب الإيراني.

أما المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران، فسوف تزداد خلال المرحلة القادمة، وستصعّد إسرائيل في سوريا لكن ليس فقط ضد تواجد القوات الإيرانية وميليشياتها، إنما أيضا ستكون هناك ضربات دقيقة وموجّهة تستهدف مستودعات الأسلحة الإيرانية في سوريا، لأنها تدرك فيما لو سقط النظام الإيراني أو بدأ بفقدان السيطرة على الميليشيات في سوريا فإن هذه الأخيرة سوف تستولي على هذه الأسلحة وبالتالي ستشكل خطرا حقيقيا على إسرائيل، فالتصعيد قادم والعمليات العسكرية سوف تزداد، حسب الجاسر.

أيضا في أيلول/سبتمبر الماضي، قدّم وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، خريطة تظهر نحو عشر منشآت للصناعة العسكرية السورية، قال إنها تُستخدم لإنتاج أسلحة متطورة لإيران وفروعها في المنطقة، وذكر غانتس أن المواقع توزعت في جميع مناطق سوريا، الجنوبية والوسطى والساحلية والشمالية، وأبرزها موقع تحت الأرض في مصياف لصناعة الصواريخ الدقيقة، وأنها تشكل “تهديدا محتملا للمنطقة وإسرائيل.

غانتس أضاف آنذاك خلال مؤتمر في نيويورك، إن إيران تبني صناعات “إرهابية” في سوريا لاحتياجاتها، ومؤخرا بدأت ببناء صناعات متطورة في اليمن ولبنان أيضا، مشيرا إلى أن العالم يحتاج إلى كبح “العدوان الإيراني”، كما لفت إلى أن إيران تسلّح فروعها في المنطقة بأكثر من مليار دولار سنويا، وأنها تسعى إلى ترسيخ وجودها في المنطقة، من خلال بناء صناعات إرهابية.

مواجهة مستمرة بين إيران وإسرائيل، فإيران لم يعد بإمكانها الانسحاب من سوريا بعد التغلغل الذي تمكنت من إنجازه خلال السنوات الماضية على كل الأصعدة، ولا يمكن لحكومة دمشق الاستغناء عن الوجود الإيراني الذي سيؤدي زواله من سوريا إلى زوالها، أي أن سياسة الاستهدافات الإسرائيلية لن تتوقف خلال المرحلة القادمة.

إقرأ أيضا:إسرائيل تكشف عن المسؤولين عن صناعات إيران العسكرية في سوريا

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة