بعد أيام من فشل انتخاب رئيسٍ جديد لجمهورية لبنان، للمرة الثانية عشرة منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وعلى وقع استمرار الأزمة السياسية والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد، ينتظر وصول المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي، إيف لودريان، إلى لبنان في زيارة يأمل فيها اللبنانيون التوصل إلى حلٍّ يفضي إلى أنهاء حالة الشغور الرئاسي التي عطّلت الدولة، وضاعفت من الأزمة الاقتصادية.

لودريان يُفترض أن يصل لبنان الأربعاء القادم، لإجراء محادثات مع المسؤولين السياسيين وسط أزمة سياسية وعجز عن انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، حسبما نقلت وكالة “رويترز” عن مصدر دبلوماسي أمس الأحد، دون أن يتم تحديد الوقت الذي سيستغرقه مبعوث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أو المسؤولين الذين سيقابلهم.

ذلك يأتي بعد أن فشل “البرلمان” اللبناني الأربعاء الماضي، للمرة الـ 12 في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، في أول جلسة لمحاولة انتخاب الرئيس منذ قرابة 5 أشهر، ما يطيل أمد أزمة الشغور الرئاسي، على وقع انقسام سياسي يزداد حدة بين “حزب الله” الذي لا يزال مستمرا في تعطيل انتخاب رئيس جديد للبلاد تحت شعار “إما فرنجية أو لا أحد”، بإشارة إلى زعيم “تيار المردة” الذي يتبنى “حزب الله” ترشحه للرئاسة، وخصومه.

ما الذي تحمله الزيارة الفرنسية إلى لبنان؟

لكن مع ذلك، لا ينتظر اللبنانيون زيارة الموفد الخاص للرئيس الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان ليروا، ما إذا كانت لديه مبادرة للخروج من أزمة الفراغ الرئاسي المستعصية، وإنما ليتأكدوا مما إذا كانت الأزمة في بلادهم لا تزال تحظى باهتمام دولي.

لودريان مبعوث ماكرون يصل لبنان الأربعاء القادم/ إنترنت + وكالات

خصوصا وأن وسائل إعلام نقلت عن مصادر سياسية، بأن لودريان لن يأتي بمخارج، كما أن زيارته لا تركز على اقتراح الحلول، بقدر ما يريد فقط أن يستمع إلى وجهات نظر أطراف الأزمة، من خلال أسئلة يطرحها عليهم، وذلك لكي يكوّن فكرة عن الواقع الذي أعقب جلسة الانتخاب يوم 14 حزيران/يونيو الماضي، والشروط التي يتمسك بها الطرفان.

على النحو هذا، يأتي الدور الفرنسي بشأن إمكانية إيجاد مخرجٍ للأزمة اللبنانية، بينما يبدو أن باقي الأطراف لا تزال تقف على مسافة واحدة من الأزمة دون إبداء أي جدّية في التدخل، وذلك بالنظر إلى معرفة أن حجم الهوة بين الأطراف المتصارعة أكبر من أن تُردم.

المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي إلى لبنان، كان قد استبق زيارته إلى لبنان بمناقشات مع وزيرة الخارجية الفرنسية الحالية كاترين كولونا، يوم الجمعة الماضي، حيث شاركته خلالها معطيات حول المناقشات التي أجرتها في الأشهر الأخيرة مع مسؤولين لبنانيين، وذلك بينما كانت الأزمة السياسية اللبنانية في صلب المحادثات بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال مأدبة غداء، على هامش زيارةٍ بدأها الأخير إلى باريس الأربعاء الماضي.

بينما ينتظر وصول وزير الخارجية الفرنسي السابق لودريان إلى لبنان، كان الرئيس الفرنسي وولي العهد السعودي، قد شددا على ضرورة وضع حد سريع للفراغ السياسي المؤسساتي في لبنان

من جهته يقول المحلل السياسي اللبناني، جاد يتيم، إن زيارة المبعوث الفرنسي الخاص للرئيس الفرنسي هي الأولى من نوعها، على اعتباره قد تمّ تعينه حديثا، ولعل أهميتها بأنها تأتي بعد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الأخيرة التي فشلت، حيث سيحاول المبعوث الفرنسي استغلال الانسداد المستمر في العملية السياسية اللبنانية لينطلق منها إلى إمكانية إيجاد حل.

صفعة لـ “حزب الله” في صالح التحرك الفرنسي

يتيم وفي حديث لموقع “الحل نت”، أشار إلى أن الجلسة الأخيرة قد أظهرت مرشح “حزب الله” وهو لا يمتلك الأغلبية، ولذلك كانت بمثابة صفعة للحزب على اعتبار أن كل قواهم كانت مجتمعة ولم تأتي سوى بـ 51 صوت وبالكاد يمكن أن يكون هذا العدد ثلث معطل في “البرلمان”، بيد أن قوى المعارضة أي الجبهة المقابلة لـ “حزب الله” قد تمكّنوا من الحصول على عدد أصوات أكبر، ما أوضح أن المعارضة أقوى في جمع الأصوات.

برلمان لبنان يفشل بانتخاب رئيسا للبلاد للمرة الـ 12/ إنترنت + وكالات

غير أنه بالرغم من ذلك، بحسب يتيم، بقي الأمر أمام انسدادين، ومن هذا المنطلق تأتي زيارة لودريان إلى لبنان على أنها في إطار البحث مع الفرقاء اللبنانيين بأنهما قد فشلا في تمرير مرشّحهما إلى الرئاسة، وهو ما يفتح المجال أمام مناقشة مرشح ثالث، لافتا إلى أن، التأثير الفرنسي يستمد قوته من عدم وجود “فيتو” أميركي أو سعودي من تحركاته.

المحلل السياسي اللبناني، أشار إلى أن، عدم وجود معارضة أميركية أو سعودية من التحركات الفرنسية، بخاصة وأن هذه الزيارة للمبعوث الفرنسي عقبت زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الى باريس، وبعد الإعلان لأول مرة بشكل واضح ومباشر عن ضرورة إنهاء الملف الرئاسي بلبنان، سيما وسابقا لم يكن الأمر بهذه الطريقة؛ كل ذلك يعطي دافعا للحراك الفرنسي بخصوص الوضع اللبناني.

يتيم، لفت في ختام حديثه عن أهمية الحراك الفرنسي بشأن لبنان وإمكانية تأثيره، بأنه سيكون لديه قدرة أكبر على تحريك الأمور إذا ما تخلى جدّيا عن دعم مرشح “حزب الله” المتمثل بسليمان فرنجيه، مبينا أن هذا الأمر سيمنحه حرية المناورة وحرية الحركة أكثر، وبالتالي يجعله قادرا أكثر على لعب دور الوسيط في تقريب وجهات النظر، مشددا على أن ذلك قد لا يكون له قيمة في نهاية المطاف ما لم يكون من خلفه دافع أميركي وسعودي.

في السابع من حزيران/يونيو، عيّن ماكرون وزير الخارجية السابق إيف لودريان مبعوثا خاصا إلى لبنان للمساعدة في إيجاد حل توافقي وفعّال للأزمة اللبنانية التي تفاقمت، خصوصا بعد انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب/أغسطس 2020

منذ أشهر، تدير البلاد حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية، في وقت يشهد لبنان منذ 2019 انهيارا اقتصاديا صنّفه “البنك الدولي” من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، حيث يشترط المجتمع الدولي إصلاحات مُلحّة من أجل تقديم دعم مالي.

في السياق، كانت قوى سياسية قد قالت حول فشل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الأربعاء الماضي، إن ضغوطات مارسها الثنائي “حزب الله” و”حركة أمل”؛ أدت إلى تغييرات في توزيع الأصوات بين المرشحين لمنصب الرئاسة، الوزيرين السابقين جهاد أزعور وسليمان فرنجية، في حين انتقدت واشنطن النخبة السياسية في البلاد، واتهمتها بإعلاء مصالحها الشخصية على مصالح الشعب.

نتائج تخالف الواقع وتحذيرات أميركية بشأن لبنان

قراءات أولية أشارت إلى أن، الأرقام التي وضعتها بعض الأطراف السياسية لتوزع الأصوات على المرشحين للرئاسة جهاد أزعور وسليمان فرنجية، لم تأتِ مطابقة للواقع، حيث حصل أزعور على 59 صوتا، فيما كانت التوقعات تشير إلى أنه سيحصل على أكثر من 60 صوتا أي ما يقارب الـ 65 وهذا ما لم يحصل، أما سليمان فرنجية فقد حصل على 51 صوتا فيما كان متوقعا حصوله على 41 صوتا فقط على أبعد تقدير.

سلمان فرنجية مرشح “حزب الله” يمين وجهاد أزعور مرشح المعارضة اللبنانية يسار/ إنترنت + وكالات

في حين شهدت جلسة “البرلمان” لانتخاب الرئيس حالة من “الهرج والمرج” خلال عملية فرز الأصوات بعدما تبين أن عدد المنتخبين هو 127 فيما حضر الجلسة 128 نائبا.

تعليقا على هذا المشهد القاتم، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، الأربعاء الماضي، إن الولايات المتحدة تعتقد بأنه يتعين على القادة والنخب في لبنان الكف عن تقديم مصالحهم وطموحاتهم على مصلحة الشعب اللبناني، حيث أعربت الخارجية الأميركية عن انزعاجها من مغادرة أعضاء البرلمان اللبناني، جلسة “البرلمان”، لمنع التصويت على انتخاب الرئيس.

وزارة الخارجية الأميركية شددت على أن قادة ونُخب لبنان يجب أن يتوقفوا عن وضع مصالحهم وطموحاتهم فوق شعبهم، ولفتت إلى أن، الشلل السياسي التام في لبنان، مشكلة لا بد لزعمائه من حلّها.

بدورها، قوى المعارضة لثنائي “حزب الله ” و”حركة أمل”، عزت هذه النتيجة لما وصفته بوتيرة الضغط القوية التي مارسها الثنائي على بعض الكتل النيابية، من بينها كتلة نواب الأرمن التابعة لحزب “الطاشناق”، وكذلك بعض النواب السّنة.

وسط هذه الحالة، لا يزال الحديث عن مدى تأثير زيارة المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي سابقا لآوانه، على الرغم مما يمكن أن تساهم فيه من حيث إعادة الزخم الدولي والإقليمي حول الأزمة المستبعد حلها في ظل المشهد الحالي الذي تسيطر عليه حالة التناحر بين القوى السياسية اللبنانية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات