تحت ظلال الأزمة الاقتصادية التي تعصف بسوريا، تبرز معضلة جديدة تضاف إلى قائمة التحديات التي يواجهها السكان السوريون، وهذه المرة تأخذ الستائر دورا محوريا في المشهد الاقتصادي وتُشعل حرب أسعار تزيد من معاناة المواطنين وتهدد استقرارهم الاجتماعي.

بعد تدهور قيمة الليرة السورية واستمرار تدهور الاقتصاد الوطني، تعكس الارتفاعات الجنونية في أسعار الأقمشة والستائر حجم الأزمة التي يواجهها السوريون في حياتهم اليومية. حيث تجاوزت الزيادة في تكاليف الأقمشة والستائر نسبة 75 بالمئة، مقارنة بما كانت عليه قبل تصاعد سعر صرف الدولار إلى المستويات المذهلة التي وصل إليها. 

لم يتأثر بالزيادة فقط المواطنين الذين يبحثون عن التجديد والتأثيث في منازلهم، بل طالت تلك الزيادة أيضا المنتجين والتجار وكل فئات المجتمع. فرغم أن الستائر تُعتبر جزءا أساسيا من تصميم الديكور والتأثيث، ومع ذلك أصبحت هذه الأشياء التي كانت يمكن الوصول إليها بأسعار معقولة في الماضي، اليوم تحمل تكاليف مرتفعة جدا تجاوزت قدرة العديد من الأُسر على تحملها.

سعر المتر بـ 65 ألفا

أبو نجم، تاجر في سوق الأقمشة بدمشق، قال في حديث لموقع “أثر برس” المحلي، أمس الاثنين، بأن أسعار الستائر أو ما تُعرف محليا باسم “البرادي” ارتبطت ارتباطا وثيقا بعمليات الاستيراد من الدول المجاورة للحصول على الأقمشة المستوردة والفخمة، المعروفة بـ”إكسترا”. وأضاف أن الأقمشة المستوردة تشكل الجزء الأكبر من الأقمشة المتوفرة حاليا، وأن سعر متر القماش المستورد يختلف حسب نوعه وبلد المنشأ.

محال في دمشق لبيع الستائر والأقمشة - إنترنت
محال في دمشق لبيع الستائر والأقمشة – إنترنت

فيما يتعلق بالأسعار، أشار التاجر إلى أن أدنى سعر للقماش الذي يُستخدم في تصنيع الملابس الفاخرة يتراوح حوالي 18- 20 ألف ليرة للمتر الواحد. وتتأثر أسعار الأقمشة بشكل مستمر نتيجة الارتباط بسعر الصرف والرسوم والضرائب المفروضة على عمليات الاستيراد. لذلك، يحدث تقلّب في أسعارها.

بحسب تاجر آخر في نفس السوق، فإن أسعار الستائر بقيت ثابتة ولم تتغير، وإنما تتأثر بسعر الصرف الذي تغير. فعلى سبيل المثال، سعر متر الستائر من نوع ساتان يتراوح بين 18 إلى 20 ألف ليرة، وهناك نوع آخر من الساتان المعروف بالسماكة المزدوجة بسعر 40 ألف ليرة للمتر، وكان سعر المتر للنوع المذكور قبل ارتفاع سعر الدولار حوالي 2000 ليرة.

أما قماش من نوع “غزال” العادي فسعر المتر منه يبلغ 25 ألف ليرة، والغزال إكسترا يبلغ 30 ألف ليرة للمتر، والشانيل بـ 45 ألف ليرة للمتر، والكتان بـ 40 ألف ليرة، وأما القماش المخمل، الذي يعتبر الأكثر طلبا، فسعر المتر منه يصل إلى 65 ألف ليرة؛ نظرا لقدرته على إخفاء الحرارة وجمال منظره وألوانه الجذابة.

المستعمل الأكثر طلبا

في سياق آخر، ذكر أبو سامر، خياط متخصص في تفصيل الستائر للموقع المحلي، أن أجرة تفصيل البرادي من القماش المستورد تتراوح حوالي 15 ألف ليرة للمتر الواحد. أما الستائر العادية فتكلفة تفصيلها تبلغ 10 آلاف ليرة، وتختلف التكاليف حسب نوع الخيط المستخدم والزخرفة الموجودة في الأطراف. بالإضافة إلى ذلك، يصل سعر الحلقات التي يتم تركيبها على الستائر إلى 5000 ليرة للحلقة الواحدة.

سوق لبيع الستائر والأقمشة المستعملة - إنترنت
سوق لبيع الستائر والأقمشة المستعملة – إنترنت

فيما يتعلق بنسبة الطلب على تركيب الستائر وأنواعها، يقوم الناس بشراء الستائر من النوع المتوسط الذي يتراوح سعر المتر الواحد منه حوالي 20 ألف ليرة سورية. وهناك بعض الأشخاص الذين يفضلون شراء الستائر المستعملة بسبب قيود الميزانية، ويقومون بإجراء بعض التعديلات وتغيير المقاسات لتناسب منزلهم الذي يرغبون في تركيب الستائر فيه.

أما بما يتعلق بالشراشف وتغطية وسادات النوم، ارتفع سعرها بناء على نوعية القماش المستخدم. فسعر المتر الواحد من الشراشف يبلغ حوالي 6000 ليرة سورية، وتُستخدم في تفصيل أوجه الطراحات والمدّ العربي، وتُستخدم أيضا في تجهيز أوجه للوسادات.

صناعة النسيج الطبيعي في سوريا تعاني من مجموعة من المشكلات التي تؤثر سلبا على قطاعها. أحد هذه المشكلات يتعلق بقلة الاستهلاك المحلي نتيجة لارتفاع أسعار الأقمشة، مما يعرقل نمو الطلب على المنتجات المحلية. علاوة على ذلك، يشهد قطاع النسيج التقليدي تراجعا في عدد المشترين، حيث يعتمد على فئة محدودة من الزبائن الذين يفضلون استخدام هذا النوع من الأقمشة في تكوين أثاثهم.

مع ذلك، يشهد هذا القطاع تحولا تدريجيا بتوجه الناس نحو الأقمشة المستعملة، وذلك بسبب تراجع القوة الشرائية للمواطنين. هذا الانتقال ينجم عن الحاجة الملحّة لتلبية احتياجاتهم بأسعار أكثر توفرا وتناسبا مع قدراتهم المالية المتناقصة بسبب تبدل أسعار الصرف اليومية. 

القضاء على صناعة النسيج في البلاد

أحد أسباب تراجع الصناعات النسيجية في سوريا، هو موافقة رئيس الحكومة حسين عرنوس على توصية اللجنة الاقتصادية، السماح باستيراد مادة القطن المحلوج للقطاع العام والصناعيين، وإعلان وزارة الاقتصاد موافقتها على استيراد الأقمشة.

مصانع النسيج في سوريا - إنترنت
مصانع النسيج في سوريا – إنترنت

صناعة الغزل والنسيج كانت تشغل قبل عام 2011 نحو 20 بالمئة من الأيدي العاملة داخل سوريا، لكنها تتهدم تباعا بسبب تراجع إنتاج القطن وتهديم المنشآت وهجرة كبار الصناعيين بهذا القطاع إلى مصر.

الصناعات النسيجية في سوريا تعود إلى قرون طويلة، حيث لعب موقعها الاستراتيجي دورا حاسما في تطورها وازدهارها على مر العصور. فمنذ الأزمنة القديمة، كان النسيج يعتبر من العوامل الحيوية التي تشكلت عليها اقتصاد الدول، وكانت أهميته تعادل أهمية النفط وقد تفوق عليها في نوعية الثروة واستدامتها.

مدير عام مؤسسة النسيج السابق، سمير رمان، ذكر في تصريحات صحفية سابقة، أن قرارات الحكومة السورية تستسهل حل أزمة أمّ الصناعات السورية، فهي تبحث عن الحلول الجاهزة، بدل إعادة إحياء هذا القطاع، معتبرا أن الحلول لا بد أن تكون من منظور اقتصادي، بالتعاون بين القطاعين العام والخاص ومشاركة رابطة المصدرين.

تاريخيا، كانت سوريا مشهورة بمهارتها في صناعة النسيج، حيث اشتهرت بإنتاج أقمشة عالية الجودة ومبتكرة في التصميم. وكانت المنتجات النسيجية السورية مرغوبة عالميا، وتصدرت الأسواق العالمية بمنتجاتها المتميزة، كما كانت صناعة النسيج توفر فرص عمل واسعة وتعزز النمو الاقتصادي والازدهار الاجتماعي في البلاد.

مع مرور الوقت، شهدت صناعة النسيج في سوريا تحديات كبيرة، حيث تأثرت الصناعة بالتغيرات في الأسواق العالمية وتحولات الطلب والعرض. فمنذ عام 2011، أُغلقت أكبر 20 منشأة غزل ونسيج سورية، كما هجرت كبرى شركات النسيج الخاصة من مدينة حلب، ما أدى إلى اشتعال حرب الأسعار في هذا القطاع التي تزيد من معاناة المواطنين وتهدد استقرارهم الاجتماعي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات