وضع الجامعات السورية قبل الأزمة في سوريا لم يكن بأحسن الأحوال، إذ كانت الجامعات تعاني بشكل متكرر من مشاكل عدة، منها تظلّم الطلبة في الامتحانات بسبب الأسئلة الصعبة، إلى جانب الفساد والتجاوزات بحق البعض، سواء من قبل الكوادر التعليمية أو مسؤولي الجامعات، وبالطبع كل هذا عائدٌ إلى المنظومة التعليمية الفاسدة في البلاد.

رغم تدهور الأوضاع في سوريا، لا سيما الوضع الخدمي، بما في ذلك انقطاع الكهرباء وأزمة المواصلات، إلا أن مشاكل الجامعات ما زالت مستمرة، ولعل أبرزها معضلة ارتفاع معدلات الرسوب التي تتكرر في كل فصل دراسي، وقد ظهرت هذه المشكلة إلى الواجهة اليوم من خلال راديو “المدينة إف إم” المحلية، من قبل مجموعة من طلاب كليات الهندسة المعمارية في سوريا، حيث طالبوا بإعادة تصحيح مادة التصميم في الامتحان الوطني وذلك لارتفاع معدلات الرسوب في المادة.

ضاعت الأوراق الامتحانية!

يوم أمس الأربعاء استضافت إذاعة “المدينة إف إم” المحلية، ضمن برنامج “المختار” الذي يقدمه باسل محرز، إحدى خريجات كلية العمارة بالجامعات السورية، وقالت الطالبة التي لم تذكر اسمها، إن هناك مشكلة لدى طلاب كلية “العمارة” في كل الجامعات السورية، والتي تكمن في الامتحان الموحد الذي فيه جزء نظري وجزء عملي، وقدمت الطالبة شكوى باسم مجموعة من الطلبة، بأن الجامعة أضاعت أوراق الطلاب وبطاقاتهم، ولتغطية فقدان الأوراق قامت الجامعة التي لم تسميها أيضا بوضع علامات غير منصفة وأقل بكثير من المعدل وغير طبيعية ومرسّبة للطالب، والتي هي مادة التصميم.

الطالبة طالبت عبر الإذاعة المحلية، نيابة عن عدد من الطلاب بإعادة تصحيح كامل للمادة التي رسب فيها عدد كبير من المتقدمين في الامتحان الوطني الذي جرى في الـ11 من الشهر الفائت. وأضافت للإذاعة أن جميع طلاب الجامعة السوريين تقدموا بدون بطاقة وعبر “بطاقة هوية” فقط، ما عدا “جامعة دمشق”.

سبب هذا الرسوب الكبير بالمادة، والمتداول بين الطلاب هو ضياع البطاقات وأوراق الامتحان “كراتين الرسم”، واستدركت الطالبة ذلك بأن التصحيح استغرق وقتا طويلا مع العلم أن طلبة الكليات الأخرى خضعوا للامتحان الوطني من بعدهم وظهرت نتائجهم قبلهم.

كما أشارت الطالبة إلى أن معظم الطلاب مستاؤون الآن، نظرا لرسوبهم في المادة، حيث أن نسبة الرسوب كانت 70 بالمئة، والعلامة كانت من 75 علامة، ومعظم النتائج جاءت ما بين 10 إلى 20 علامة فقط، وفي كل دورة تحدث هذه المشكلة في أحد المواد التدريسية، لذلك ليس من المعقول أن يأخذ الطالب 20 درجة في التخصص من أصل 25 علامة ويفشل نظريا بـ 15 درجة من أصل 75.

الطالبة تقول إن هذه هي المرة الثانية التي تقدم فيها الامتحان الوطني، كما أنها رسبت أيضا في مادة التصميم، ولم يكن هناك ضياع في البطاقات والأوراق الامتحانية، وكانت نسب الرسوب الكبيرة موجودةً في العام الماضي أيضا، ولكن ليس بهذا المستوى في هذه الدورة. وبالتالي فإن المشكلة تكمن في تصحيح المواد الامتحانية، والتوقعات تشير بضياع الأوراق أو أن هناك فوضى وإهمال لمسألة نجاح الطلبة في الجامعات السورية.

ردود الكادر الجامعي

من جانبه قال الدكتور رياض طيفور مدير “الهيئة الوطنية للجودة والاعتمادية”، ردا على شكاوى الطلاب، إنه يأسف لمبررات الطلبة وقصة فقدان الأوراق الامتحانية غير صحيحة، وسبب التأخير في إصدار النتائج هو اختراق موقع الهيئة، وأردف للإذاعة المحلية “ندعو أي طالب يرغب في إعادة تصحيح امتحانه لمراجعتنا، حتى لو كان ذلك خارج الأنظمة”.

طيفور لفت إلى أن الامتحان مكون من 3 أجزاء، الجزء النظري وجزء ثاني هو رسم مكوّن من قسمين؛ تخطيط وتصميم، ولا يعني أبدا إذا حصل الطالب على علامة عالية بالنظري أن يحصل على علامة عالية بالتخطيط والتصميم وبالعكس، ونوّه إلى أن قلة نسب النجاح تعود لضعف مهارات الطلبة وعدم إجابته على الأسئلة بالشكل المطلوب في السلم وليس لأسباب أخرى كالأخطاء أو كما يقولها بعض الطلبة من معايير النجاح.

علاوة على ذلك، كانت هناك شكاوى من طلبة الصيدلة في الامتحان الوطني في الفترة الماضية، من حيث صعوبة الأسئلة ومعدّلات الرسوب العالية.

كل عام تتكرر هذه المشاكل والشكاوى من قبل الطلاب، لكن مديري الجامعات السورية لا يضعون حلولا لهذه المشاكل وغيرها المتكررة بين الطلاب، مما دفع الكثيرون لترك مقاعدهم الدراسية أو اللجوء لطرق أخرى للنجاح، مثل تقديم رشاوى وواسطات للقائمين على الأمر.

المثير للدهشة أن الإذاعة لم تذكر اسم الطالبة والجامعة التي تنتمي إليها إلا عندما ذكر المذيع أنها من جامعة “حلب” حيث لم تؤكد الطالبة هذا الأمر، وهذا يعني أن هناك تخوف من الطلاب من إظهار أسمائهم أمام مدرسي المواد التعليمية ومسؤولي الجامعات، من حيث إلحاق أضرار كيدية بهم.

تراجع التعليم بسوريا

في العام الماضي، انتشرت صورة مأخوذة من “كلية الهمك في جامعة تشرين” في اللاذقية على مواقع التواصل الاجتماعي، حول أسئلة من أحد الأقسام في كلية الهندسة البحرية لطلاب سنة التخرج، وسط موجة من الاستهزاء وانتقادات على مستوى الجامعات السورية، بحسب ما ورد في الصفحات العامة المشهورة.

تراجع مستوى التعليم بسوريا- “إنترنت”

تفاعل المعلّقون بشكل مكثف مع صورة أسئلة الامتحان، حيث تم عرض خمسة أسئلة تحت عنوان “أسئلة مساعدة” للطالب، وهي “محاضرات المقرر تمت في أي قاعة!” سؤال آخر هو مؤشر فيه عن الإجابة الصحيحة بسهم من قبل أستاذ المادة.

بالإضافة إلى ثلاثة أسئلة أخرى، وكأن أستاذ المقرر يعطي الإجابة على طبق من فضة للطالب، الأمر الذي أثار موجة من السخرية بين المتابعين والمعلقين من طلبة الجامعات السورية. وشهدت الصفحات السورية المعنية بشؤون التعليم العالي، آلاف التعليقات الساخرة على صورة الأسئلة المنشورة، وقال أحد الصفحات “ إذا حب يساعد الطلاب المفروض يجبلن سؤال سهل من المقرر أو اختر سؤال وجاوب عليه، المهم شيء ضمن المادة، مو اختر A الجواب الصحيح”، ووصفوا هذا الأمر ب، “ظاهرة جديدة ومعيبة”.

هذا ومنذ فترة ليست ببعيدة، انتشر فيديو من جامعة حلب، عن طالبة تخرجت حديثا من كلية الآداب قسم اللغة الإنكليزية، حيث صدرت ترند بعنوان مسمى “هلو إيفري بدي لوشن” وبات حديث السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي. الذي بعث بموجة كبيرة من التعليقات والردود الساخرة. وردود حادة حول تراجع مستوى التعليم في الجامعات السورية.

بعد 2011 آلت حال الجامعات السورية إلى تدهور ملحوظ وباتت في أدنى المستويات نتيجة لتزايد مستوى الفساد، وقلة الموارد وجمود المناهج التعليمية، وعسكرة الحرم الجامعي وهجرة الأدمغة، وبالتالي تدمير نظام التعليم العالي برمته، وفق ما أكده العديد من الباحثين في جامعات عالمية من بينها جامعة “كامبريدج”.

خلال السنوات الثلاثة الماضية انتشرت العديد من الفضائح حول الجامعات السورية، تدل على مدى انتشار الفساد في النظام التعليمي عامة، وكان آخرها الفيديو الذي خرج من جامعة “البعث” خلال الصيف الماضي، والذي أثار جدلا، واستياء واسعا في الأوساط السورية، وكذلك وُلّد تخوفات جمة لدى العديد من العائلات السورية حول مستقبل بناتهم في المؤسسات التعليمية هذه بعد هكذا فضائح.

الفيديو المسرب من جامعة “البعث”، بمحافظة حمص، يوثق واقعة ابتزاز جنسي من قبل دكتور جامعي، لإحدى الطالبات بالصوت والصورة، لكن هذه الحادثة ليست الوحيدة بل “شبكة دعارة متسلسلة” تمتد خلفها، تستغل الطالبات في حمص، وعلى ما يبدو فإن الخلافات بدأت تشق صفوف زعماء هذه الشبكات، وفق تقارير صحفية محلية.

الوضع التعليمي في المؤسسات التعليمية السورية تدهور بشكل كبير، إلى جانب سوء وضع الخدمات في الجامعات السورية.

على الرغم من أن الحكومة السورية تخصص للجامعات سنويا مليارات الليرات السورية، إلا أن الطلاب ما زالوا يعانون من أزمات جمة، وبحسب أحد طلبة كلية العلوم التطبيقية، فإن “السكن الجامعي يفتقر إلى أبسط الضروريات الأساسية للمعيشة والتعليم، مثل عدم توفر الكهرباء والتدفئة المركزية في فصل الشتاء، بالإضافة إلى حشو أعداد كبيرة من الطلبة في الغرف السكنية، حيث لا تتسع الغرفة الواحدة لأكثر من 5 طلاب، بينما يضعون فيها أكثر من 10 طلاب.

يبدو أن نظام التعليم العالي في البلاد بات في مستويات منخفضة جدا، في حين تكافح الجامعات السورية من أجل البقاء فقط وليس تقديم تعليم يُرقى لمستوى التعليم الجامعي أو ما شابه، بحسب أكاديميين وخبراء تعليم سوريين.

في سياق تراجع التعليم بسوريا، اشتكى طلاب الشهادة الثانوية العامة “البكالوريا” من صعوبة أسئلة امتحان مادة الرياضيات، حيث لم يتمكنوا من حل جميع الأسئلة بسبب الوقت والأسئلة الصعبة والتي وصفت بأنها “موضوعة للمتميزين”.

معظم الطلاب خرجوا غير راضين من المراكز الامتحانية في دمشق وحلب وحمص واللاذقية لسببين الأول؛ إن عدد الأسئلة كثير، والاختيارية منها محدودة، وهي بمجملها تحتاج إلى تفكير أكثر، وعمليات حسابية أطول، وبالتالي فإن الزمن المحدد لا يكفي لحل جميع الأسئلة، التي تحتاج حسب ما يرى الطلاب إلى أربع ساعات في الحد الأدنى، وهذه الأسئلة وضعت للطلاب المتميزين ولا تناسب كل المستويات، وما تمت ملاحظته في مادة الرياضيات أن معظم الطلاب لم يخرجوا إلا بعد انتهاء الوقت تماما، على عكس باقي المواد الامتحانية الأخرى، وفق تقرير لصحيفة “الوطن” المحلية مؤخرا.

إحدى الجامعات السورية- “سانا”

تقارير عدة أشارت إلى تراجع مستوى الجامعات بشكل كبيرة، وحسب تصنيف “ويبوميتريس” لـ 2023. وهو نظام تصنيف يعتمد على تواجد الجامعة على الويب، ووضوح الرؤية والوصول إلى الويب. يقيس نظام التصنيف هذا، مدى تواجد الجامعة على شبكة الإنترنت من خلال مجال الويب الخاص بها، والصفحات الفرعية، والملفات الغنية والمقالات العلمية وما إلى ذلك.

جامعة “دمشق” احتلت المرتبة 3504 عالميا، وجاءت جامعة “تشرين” في محافظة اللاذقية بالمرتبة 3369، أما جامعة “حلب” التي احتلت المرتبة 4283. أما جامعة “البعث” فقد جاءت في المرتبة 5012 عالميا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات