يبدو أنه مع اقتراب امتحانات التعليم الأساسي “الصف التاسع” والثانوية العامة “البكالوريا” ثمة سباق مع الزمن سواء من الطلاب أو المدرّسين الذين تشملهم ظاهرة الدروس الخصوصية أو الجلسات الامتحانية. فقد ارتفعت أسعار هذه الدروس خلال الأسابيع الماضية إلى أرقام فلكية تتجاوز نصف الراتب الشهري لموظف حكومي، و تزداد تلك الأسعار ارتفاعا مع اقتراب موعد الامتحانات النهائية.

بالتالي يتكبد الأهالي معاناة وأعباء مادية كبيرة لحين حصول أبنائهم على الشهادة الثانوية في سوريا بسبب ارتفاع أجور الدروس الخصوصية المكثفة التي باتت ترهق جيوب الناس بالفعل.

أسعار تكوي الجيوب

أبٌ لطالبين في الشهادة الثانوية العلمية، قال لصحيفة “الوطن” المحلية اليوم الخميس، إنه يضطر لدفع مبالغ طائلة خلال شهر التكثيف اعتبارا من أيار/مايو الفائت الذي يسبق شهر امتحان البكالوريا، مبينا أن تكلفة تدريس ابنيه لدى المدرس الخصوصي تبلغ 280 ألف ليرة سورية للمواد العلمية فقط “رياضيات – فيزياء – كيمياء – علوم”، على حين أن باقي المواد “بيدبروها لحالن”، إذ لا قدرة له على دفع أجورها معا.

قاعة امتحانات “البكالوريا”- “سانا”

فيما بيّنت إحدى ساكنات حي الأزهري بمحافظة اللاذقية، أنها تدفع أجور الدرس الخصوصي المكثّف عند أساتذة ابنتها في مادة الفيزياء 45 ألف ليرة لكل ساعة، ولدرس الرياضيات 40 ألف ليرة، والكيمياء 35 ألفا لكل ساعة مكثفة، معتبرة أن الاستغلال وصل إلى بعض الأساتذة بسبب الأوضاع الصعبة عموما حسب حجتهم إلا أن الاستغلال بالتعليم بلغ حدا غير مسبوق، على حد وصفها.

أما تكلفة درس اللغات سواء عربية أم أجنبية يتراوح بين 20 – 25 ألف ليرة للساعة الواحدة، مبينة أن هناك بعض الأساتذة لا يقبلون تقسيم المبلغ على عدد من الطلاب وإنما يشترطون أن يكون كل طالب على حدة وذلك طمعا بالمبلغ الإجمالي ليوم المدرّس وقد يصل إلى نصف مليون ليرة نهاية اليوم الواحد.

يبدو جليا أن المعلمين والأساتذة يستغلون حاجة الطلاب في هذا التوقيت الحساس، باعتبار أن مرحلة الامتحانات النهائية لهاتين الشهادتين من أهم المراحل التي يمرّ بها الطلبة في سوريا. كما في العام الماضي وبالتزامن مع اقتراب موعد الامتحانات النهائية، زادت أسعار الدروس الخصوصية بشكل كبير، إذ وصل سعر التدريس للساعة الواحدة لنحو 50 ألف ليرة سورية، وارتفع اليوم للضعف، أي نحو 100 ألف ليرة والرقم مرجّح للارتفاع مع قرب الامتحانات أكثر فأكثر.

ارتفاع أسعار الجلسات كان موجّهً بشكل خاص للمواد الأكثر أهمية، مثل الرياضيات والفيزياء والكيمياء، للفرع العلمي إذ وصل سعر الجلسة إلى 80 ألف ليرة، ما جعل الكثير من الطلاب يشكّلون مجموعات ليتمكنوا من تسديد ثمن الجلسة الواحدة، وفق تقارير محلية.

أما مواد اللغات، كالإنكليزية والفرنسية والعربية، فبلغ سعر جلستها 100 ألف ليرة للساعة الواحدة وتعد هذه المبالغ مرتفعة بالنسبة لدخل نسبة كبيرة من الأهالي.

في المقابل، تقول إحدى السيدات في الأحياء الشعبية، إن ساعة الدرس الخصوصي لمادة الرياضيات تتراوح بين 12 – 15 ألف ليرة لطلاب المجموعات وكل درس يشمل 4 – 6 طلاب، بما يساهم في توفير مبالغ على الأهالي، لتنتشر ظاهرة تقاسم الدرس الخصوصي سواء لشهادة “التاسع” أم “البكالوريا” في معظم الأحياء الشعبية.

تهرب الحكومة من مسؤولياتها

أهالي الطلبة يبرّرون أن توجههم للدروس الخصوصية يعود لعدم قدرة المدرسين على شرح المواد بشكل صحيح في الحصص المدرسية الرسمية دون معرفة الأسباب الحقيقية لذلك، علما أن معظمهم هم الأساتذة أنفسهم الذين يعطون الدروس الخصوصية في المنازل، معتبرين أن المردود المادي للمعلمين بات غير كاف “ليعطوا من قلبهم” في المدرسة.

بدوره زعم مدير “مديرية التربية” في اللاذقية عمران أبو خليل أن المدارس تعلّم الطلاب ومن يقول غير ذلك فليتقدم بشكوى ويقول أي مدرسة لا تعطي المنهاج أو أي مدرس لا يدرّس بحق والتربية ستتصرف بحقهم وفق القانون.

لو أن كلام مدير التربية صحيحا لما صارت الدروس الخصوصية ظاهرة عامة ومنتشرة بكثرة في سوريا ومنذ سنوات طويلة، وفق بعض الآراء.

فيما يخص ظاهرة الدروس الخصوصية، بيّن أبو خليل أن الدروس الخصوصية ممنوعة ولا يوجد شيء اسمه “درس خصوصي” في القوانين والأنظمة، وبالتالي لا يوجد تسعيرة لهذه الدروس. أي أنه تهرّب بشكل غير مباشر من مسؤولية تفاقم هذه الظاهرة وبأسعار “فلكية”.

في وقت سابق، أكدت تقارير صحفية محلية، أن صعوبة المناهج وكثافتها تُجبر الأهل إلى اللجوء للدروس الخصوصية وخاصة الشهادات، بجانب أن بعض المدرسين في المدارس الحكومية يحجبون المعلومة ليضّطر الطالب إلى أخذ دروس خصوصية وبأسعار خرافية ولكنه مضّطر لذلك، في سبيل تخطي هذه المرحلة الأساسية فهي بداية انطلاقة كل طالب.

“وزارة التربية” السبب؟

سبب لجوء الطلاب إلى الدروس الخصوصية يعود لترهل الكادر التعليمي في المدارس الحكومية، في حين ما يتقاضاه المدرس من راتب شهري لا يعادل أجر ثلاث ساعات يومية يتقاضاه من الدروس الخصوصية.

قاعة الامتحانات في أحد المدارس الخاصة سوريا- “إنترنت”

مرشد اجتماعي، خلال تصريح صحفي سابق، عزا من جانبه أسباب انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية، إلى انخفاض أجور المدرسين، فضلا عن جشع بعض المعلمين والمدرسين ورغبتهم في تحسين دخلهم المالي، وسط هذا الغلاء والتضخم الهائل في البلاد.

تقرير آخر نُشر اليوم الخميس لصحيفة “الوطن” المحلية، مفاده أنه ربما يكون إهمال الأُسر لأبنائها وعدم متابعة تعليمهم أحد أسباب انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية، لكن بالمقابل لابد من الإقرار أن من بين الأسباب أيضا غياب المعالجة المناسبة لهذه الظاهرة من الجهات الرسمية وكثرة انتشار مراكز التقوية الخاصة التي باتت تقدّم العروض لاستقطاب أكبر عدد من الطلبة وبالتالي فإن “وزارة التربية” هي المعنية بهذا التقصير لأنها المسؤولة عن العملية التعليمية.

إعطاء الدروس الخصوصية مخالفة للأنظمة والقوانين المعمول بها في “وزارة التربية”، إلا أن انتشار هذه الظاهرة وأمام أعين الحكومة يدلل مدى تقاعس الحكومة مع هكذا أمور وعدم مبالاتها تجاه الطلبة في المدارس.

كذلك من يعمل في الدروس الخصوصية هم المدرسون العاملون لدى الوزارة ولذلك قضية البحث عن أسباب تفشي ظاهرة الدروس الخصوصية باتت أهم من الحديث عن آلية معاقبة من يعمل بها لأن البحث عن أسبابها يؤدي إلى إنهاء هذه الظاهرة من خلال معالجة أسباب الخلل التي أدت إلى انتشارها بشكل واسع.

المفارقة أن “وزارة التربية” ترى كما يرى الجميع كثرة انتشار إعلانات الدروس الخصوصية في كل مكان، وتعلم كما يعلم الجميع أن هذه الظاهرة تسببت في تعميق الفوارق بين الطلبة وسط ضغط متزايد على ميزانيات الأُسر المخصصة لتعليم أبنائها. بالتالي نتيجة لكل ذلك كله يبقى السؤال عن غياب الجهات المعنية بهذه الظاهرة عن معالجتها.

وسط كل ذلك، انخفض مستوى التعليم وجودته في سوريا بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، لعدة أسباب، لعل أبرزها هجرة عدد كبير من المدرسين ممن يمتلكون الخبرات والمهارات، إضافة لتدهور الوضع الاقتصادي الذي أثّر على الطرفين، المدرس الذي لم يعد مدخوله الشهري كافيا لمعيشته وأسرته، والطالب الذي لم يعد التعليم الحكومي قادرا على إيصال المواد العلمية له بالشكل اللازم، لتكون الدروس الخصوصية هي الحل الأمثل للطرفين، وإن كانت مرهقة لجيوب المواطنين، الذين باتوا يسرّحون أبنائهم من المدارس نتيجة لهذه الضغوط المادية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات