مع استمرار تفاقم الأزمة المعيشية في سوريا، والغلاء المستمر لمختلف السلع والمواد الغذائية، أصبحت العائلات السورية تتجه إلى شراء المواد الغذائية المغشوشة، حيث لم تعد الجودة هي المعيار الأول لشراء الغذاء بالنسبة للسوريين، بل الأهم الحصول على أسعار تناسب دخلهم المحدود جدا.

خلال الأشهر الماضية، ازداد انتشار المواد الغذائية المغشوشة، حيث سجلت التقارير المحلية ارتفاع معدلات الضبوط المتعلقة بالمواد الغذائية، ومن بين هذه المواد كانت البهارات والقهوة ومشتقات الحليب والزيوت وغيرها، حيث يلجأ العديد من التجار إلى بيع مواد بمواصفات غير متطابقة لما يُكتب على غلاف المادة.

هذه المواد سجلت إقبالا متزايدا من قبل فئة واسعة من السوريين، الذي يبحثون عن المواد الأرخص نتيجة ضعف قدرتهم الشرائية، حيث أن شراء المواد ذات الجودة العالية أصبح يحتاج ميزانيات تفوق قدرة معظم السوريين.

غياب إدارة الجودة

تقرير لصحيفة “الوطن” المحلية الأحد، تحدث عن غياب شبه كامل لـ”إدارة الجودة” في سوريا، بسبب ضعف القدرة الشرائية للمواطن، الذي لم يعد يهتم إطلاقا بالجودة على حساب السعر، فأصبح سعر المادة هو الفيصل في اتخاذ قرار شرائها بصرف النظر عن جودتها.

“أول شي نقدر نشتري المادة بعدين نبحث عن الجودة”، قال أيمن عطار وهو صاحب محل لبيع الألبسة في السوق القديمة بمدينة حلب، مؤكدا أن معاييره في شراء المواد الغذائية تغيرت كثيرا على مدار السنوات القليلة الماضية، خاصة فيما يتعلق بالجودة والسعر.

عطار أضاف في اتصال هاتفي مع “الحل نت”، “سابقا كنت لا أشتري الزيت والجبنة مثلا إلا من أشهر المحال التجارية أو من قبل تجار أثق بهم، كانت الجودة أهم شيء في المواد الغذائية ومواد المونة، هذه المواد أصبحت أسعارها بالملايين الآن، عندما أقرر الآن شراء الزيت أو أي من المواد الغذائية تلقائيا أبحث عن الأرخص وأعلم أن بعض المواد قد تكون مغشوشة بنسبة ما، لكن الخيارات شحيحة جدا”.

من جانبه أشار مدير القياس والجودة في وزارة الصناعة السورية محمد حسام الشيخة، إلى أن تقييم الجودة يكون من خلال ضبط جودة المنتجات أو الخدمات المقدمة بأن تكون مطابقة للمواصفات السورية القياسية المعتمدة، “فكل مادة خام تدخل في المنتج لها مواصفات معتمدة، وحالة الجودة في تطور مستمر وليست ثابتة لتواكب التطور التكنولوجي في تقديم السلع والخدمات، وهي مرتبطة بالذوق الاستهلاكي، وبالاحتياج، وتغيير الأزمنة والأسواق المستهدفة”.

قد يهمك: الكهرباء تزيد من معاناة السوريين.. كيلو “البوظة” بـ 70 ألف ليرة

متجاهلا انتشار المواد المغشوشة وعجز الحكومة عن ضبطها، بين الشيخة في تصريحات نقلتها الصحيفة المحلية، أن انتشار هذه المواد تقع مسؤوليته على عاتق الشركات والمنشآت “وطالما هم يعملون على مطابقة الجودة والمواصفات حكما سيستمرون بإعطائنا منتجا مطابقا، ومن ينحرف عن مواصفات الجودة للمنتج ليخفض تكاليفه بالتالي يخفض سعره سيفقد الاستمرارية في السوق سواء كان السوق داخلياً أم خارجياً للتصدير”.

تعديلات لحماية المستهلك؟

تعديلات جديدة على “قانون حماية المستهلك” في سوريا، يُنتظر أن تقرّها الحكومة خلال الفترة القادمة، تقول إنها ستزيد من فعالية الرقابة على الأسواق، في وقت شكك فيه تجار ومستهلكون من جدوى القرارات الحكومية، خاصة وأنها على مدار سنوات طويلة فشلت في تحقيق أي حماية للمستهلك التي تتحدث عنه باستمرار.

مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك نائل اسمندر، تحدث عن تعديلات جديدة على قانون “حماية المستهلك”، معتبرا أن تغيير القانون أصبح من الضرورات للتماشي مع حاجة المستهلك في المرحلة الراهنة، وقد تصل العقوبات بحق المخالفين إلى السجن فضلا عن الغرامات المالية الكبيرة التي تتناسب مع حجم المخالفة.

اسمندر حمّل في حديثه لصحيفة “تشرين” المحلية، جزءا من مسؤولية انتشار المخالفات في الأسواق للمستهلك نفسه، وقال “متغيرات كثيرة تحدُث في الأسواق، أهمها ثقافة المستهلك التي مازالت تتعامل في معظم الأحيان تحت مقولة (خطي) بالتعامل مع المخالف بدلا من الشكوى عليه في حال المخالفات التموينية”.

التعديلات التي تحدّث عنها مدير التجارة الداخلية، لا يبدو أنها ستضمن الاستقرار في الأسواق، الذي يحتاج إلى رؤية واضحة تعالج أسباب حدوث المخالفة، بينما تتجه الحكومة لمعاقبة من تضبطهم من المخالفين فقط، الأمر الذي لا يؤدي بطبيعة الحال إلى توقف المخالفات وحالات الغش وغيرها.

الحديث عن تعديلات قانون “حماية المستهلك”، يأتي تزامنا مع فوضى غير مسبوقة تشهدها الأسواق السورية، خاصة فيما يتعلق بالسلع والمواد الغذائية، فضلا عن موجات ارتفاعٍ متتالية في الأسعار شهدتها البلاد منذ مطلع العام الجاري، ويعود هذا التخبط والتفاوت في الأسعار إلى عدة أسباب أساسية، لعل أبرزها غياب الدور الرقابي والتمويني الحكومي الحقيقي، وكذلك استغلال كبار التجار للأوضاع والظروف المتردية في البلاد.

قبل أسابيع تحدثت مصادر محلية، عن انتشار ظاهرة بيع الألبان والأجبان بسيارات متجولة في شوارع العاصمة دمشق، حيث تبيع هذه السيارات منتجاتها بأسعار أقل من السوق بنسبة تتجاوز 50 بالمئة، ما يطرح التساؤلات حول مصدر هذه المواد واحتمالية أن تكون مغشوشة وغير مطابقة للمواصفات الرسمية.

السيارات المتجولة تبيع كيلو الجبنة بسعر 12 ألف ليرة سورية، في وقت يصل سعرها في الأسواق إلى 30 ألف ليرة، كذلك تُباع اللبنة بسعر 10 آلاف ليرة للكيلو الواحد، في وقت تبيعها محلات الألبان والأجبان بأسعار تتراوح بين 18 إلى 20 ألف، وسط غياب الرقابة التموينية عن هذه المواد التي تُباع بشكل عشوائي للمستهلكين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات