في زوايا مظلمة من العاصمة السورية، تدور أحداث غامضة تشعل فتيل تلهف للحقيقة وتجذب الانتباه نحو أحداث لا يعلن عنها بصوت عال. حريق حي ساروجة الدمشقي أصبح محط أنظار المجتمع والنقاش العام، خصوصا أنها كانت أول منطقة خارج السور الدمشقي العريق.

قلب المدينة القديمة اشتعل في لهيب النيران وهو ليس بجديد بل متكرر منذ سنوات، فرغم التوقيتات المختلفة للحرائق، فإن هناك أصوات سوريين تقول إن هناك قصة مختلفة ومليئة بالريبة والشبهات، خصوصا حول أن ما حصل هو بفعل فاعل، ومن يقف وراء هذه الحرائق.

في تسجيل صوتي اطلع عليه “الحل نت”، كشف مُتحدث عن جوانب مخفية للتاريخ الحديث، إذ كانت هناك وثائق عثمانية داخل  15 موقعا أثريا تُبين بوضوح كذب الحكومات الحالية وحقائق مُدهشة حول تعاملهم مع إيران، بأنها العدو في نظرهم. وعليه تثار التساؤلات حول السر الذي يجمع بين حريق حي ساروجة وإيران.

قصة مختلفة عن إيران وتركيا

توالت الحقائق في الانتشار، بعد أن أتى حريق اندلع في سوق ساروجة العريق فجر الأحد الفائت، على منزل تراثي وسط العاصمة السورية دمشق يعود تاريخ بنائه إلى القرن الـ19، وفق مصادر عديدة بينها المدير العام للآثار والمتاحف في سوريا، نظير عوض.

خسائر حريق حي ساروجة، وصل إلى 15 موقعا أثريا - إنترنت
خسائر حريق حي ساروجة، وصل إلى 15 موقعا أثريا – إنترنت

ضمن التسجيل الصوتي الذي وصل لـ”الحل نت”، فإن المواقع الأثرية التي احترقت بالكامل كانت تحتوي وثائق عثمانية تثبت وجود خلافات بين الدولة العثمانية وإيران. وبحسب التسجيل، فإن هذه الوثائق تسمح لرعايا الدولة العثمانية بالسفر إلى جميع أنحاء المعمورة، باستثناء إيران.

منزل أمير “محمل الحج الشامي” العثماني، والذي كان دار وثائق التاريخية احترق تماما داخل الحي، وبحسب المتحدث كان المنزل له قسمان، في القسم الجنوبي منه كان هناك غرفة مليئة بمئات المجلدات العثمانية، من القطع الصغيرة إلى الكبيرة جدا.

طول المصنف فيها يقارب التسعين سنتيمتر، تضم مجلدات المحاكم العسكرية والمحاكم العادية، ومعاملات العسكر ومعاملات الرعايا، وأيضا وثائق الشراء والإيجار والوصايا والإرث. فضلا عن وصف الوثائق لكل بلدة سورية، حيث كانت الدار وجهة للباحثين في التاريخ المستشرقين والعرب منهم الأستاذ المؤرخ أكرم العلبي.

لم تحتوي تلك الوثائق على طريقة قضاء الدولة العثمانية بالمذاهب الأربعة فقط؛ بل احتوت على طريقة التوثيق بالأسماء، أي ذكر الشخص باسمه الرباعي، وبالتالي هذا كان يسهل على الباحثين في علم الأنساب، من تتبع العوائل التي في دمشق والتي تغير اسم العائلة فيها، والشجرة التي هم منها. 

“الإرث تحول إلى رماد”

من سمات هذه الوثائق بحسب التسجيل، أنها تذكر العوائل التي لها نسبة قرشية أو أنصارية أو غير ذلك. ما يعني أنها ثروة عظيمة مكتوبة كلها بخط اليد. فضلا عن توثيقها لحصر الأملاك التي سيطر عليها متنفذون في السلطة السورية، وحاولوا دفنها، ولذلك أرادوا طمس معالم الطابو العثماني؛ لأنه يثبت ملكية عوائل كبيرة في دمشق لأماكن أخذت منهم. 

التهمت النيران قصر عبد الرحمن باشا اليوسف وجزء من منزل خالد العظم أحد مؤسسي الدولة السورية - إنترنت
التهمت النيران قصر عبد الرحمن باشا اليوسف وجزء من منزل خالد العظم أحد مؤسسي الدولة السورية – إنترنت

على سبيل المثال، هناك عائلة في المهاجرين تمتلك ساحة الأمويين ومكتبة “الأسد” ومبنى الإذاعة والتلفزيون السوري، لكن الآن طمس هذا الأثر. أيضا عائلة “غفير” كانت الوثائق تثبت أنهم يمتلكون قطاعا كبيرا يمتد من جسر “فكتوريا” إلى فندق “فور سيزونز” على ضفة نهر بردى.

خسائر حريق حي ساروجة، وصل إلى 15 موقعا أثريا، إذ التهمت النيران قصر عبد الرحمن باشا اليوسف وجزء من منزل خالد العظم أحد مؤسسي الدولة السورية، وأشهر رئيس وزراء بتاريخها، بالإضافة إلى دار المجلدات والمخطوطات الأثرية والخرائط التاريخية السورية.

قصر عبد الرحمن باشا اليوسف، يعتبر تحفة معمارية تاريخية فريدة من نوعها في مدينة دمشق، بحسب المؤرخ والباحث السوري، عبد الرزاق معاذ، ويوضح طبقا لما نقله موقع “الحرة” الأميركي، أنه تم بناؤه في عهد السلطات العثماني عبد العزيز خان في عام 1866. حيث يُعد القصر واحدا من أجمل الدور الدمشقية في العصر العثماني، ويمتد على مساحة تصل إلى 2000 متر مربع.

حي ساروجة وفقا لمؤرخين، كان مركز إقامة الحكم العثماني في دمشق ومكان السكن الخاص بالقيادات آنذاك، وكان يسمى بإسطنبول الصغرى. وفيه شارع مستقيم واحد من الناحية العمرانية وأغلب المنازل فيه مزينة بصور وزخارف تركية ولوحات من مدن يالوا وبورصة وغيرها.

ماذا خسرت سوريا؟

طبقا لما تداول على منصات التواصل الاجتماعي، فهناك محاولات قديما من متداولي السلطة في دمشق لتطوير المنطقة وإزالتها، وكانت أولى خطوات ذلك بفتح شارع “الثورة” وإشادة المباني الحديثة في محيط الحي.

حي ساروجة وفقا لمؤرخين، كان مركز إقامة الحكم العثماني في دمشق - إنترنت
حي ساروجة وفقا لمؤرخين، كان مركز إقامة الحكم العثماني في دمشق – إنترنت

رئيس “الائتلاف السوري” المعارض السابق، أحمد معاذ الخطيب، كتب في حسابه الشخصي بموقع “تويتر”، أن الحريق تدمير ممنهج لسوريا ومحو لهويتها أرضا وشعبا رجالا ونساء وأطفالا، شجرا وحجرا من تدمير الغوطة إلى إحراق نصف حي سوق ساروجة مع شوامخ معالمه.

لكن الكاتب والمؤرخ السوري، سعد فنصة، عبر عن رأي مختلف عن ذلك، وذكر أن “من نفذ حريق ساروجة سبق وأن فعل ذلك في البنك العثماني وسوق مدحت باشا، وتفكيك بيت حقي العظم ونقل نفائسه المعمارية والزخرفية وبيعه إلى قطر”. 

في نيسان/أبريل 2016، التهمت النار أكثر من 80 محلا في سوق العصرونية، خلف المسجد قرب مقام السيدة رقية، وعادت الحرائق في تموز/يوليو 2017، مع نشوبها بمنطقة باب الجابية سوق “الصوف” بدمشق، ومن ثم تم تسجيل حوادث مشابهة، من بينها تلك التي ضربت منطقة البزورية، في 2020، أحد أشهر الأسواق التجارية في العاصمة.

لم تُعرف حتى الآن أسباب اندلاع الحريق على وجه اليقين، إلا أن استمرار دثر التراث السوري وغض الحكومة السورية أبصارها عمّا يجري، يؤكد للبعض أن ما يحدث هو بفعل فاعل، وآخرها ما نشر مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي، حول إهمال متعمد من السلطات لتعرض جدار ناعورة “البشريات” أحد أشهر آثار مدينة حماه للتصدع، نتيجة وجود شرخ طولاني كبير سيؤدي إلى انهيار الجدار والناعورة في حال لم يعالج على الفور.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة