في مشهد غير معتاد، بات السوريين في الداخل يعرفون معدلات ارتفاع الأسعار وأسبابه وحتى مبررات الجهات الحكومية حيال ذلك، وما سيواجهونه في حياتهم اليومية، وذلك من خلال تنبؤات وتوقعات لمسؤولين حكوميين حول زيادة الأسعار بشكل دوري، أو عبر توقعات الأبراج اليومية على صفحات المواقع المحلية، وبالتالي فإن التساؤل الأبرز هنا، هل بات المسؤولين منجمين أو متنبئين في معرفة الظروف المعيشية في البلاد.

هذه التصريحات الحكومية حول ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية في سوريا، ومبرراتها المعتادة حيال ذلك، غالبا ما تثير سخرية السوريين، الذين يواجهون أعباء اقتصادية جديدة بشكل شبه يومي بسبب الغلاء الفاحش الذي يعصف بالبلاد.

تهمة “التنجيم بارتفاع الأسعار”

في آخر تصريح لرئيس لجنة مربي الدواجن في “اتحاد غرف الزراعة السورية”، نزار سعد الدين، فقد توقع بزيادة أسعار الدواجن خلال الفترة القريبة، وهو ما أثار سخرية واسعة على منصات التواصل الاجتماعي.

موقع “صاحبة الجلالة” نشر تصريحا لرئيس لجنة مربي الدواجن في “اتحاد غرف الزراعة” نقلا عن صحيفة “الوطن” المحلية مؤخرا، وتوقع سعد الدين، أن يرتفع سعر الفروج خلال فترة قريبة نتيجة انخفاض الإنتاج بسبب بدء خروج نسبة من المربين عن التربية.

هذا التصريح أثار جملة من الانتقادات الساخرة من قِبل المتابعين على منصة “فيسبوك”، فكتب أحدهم “أي ولاقو حلول بديله إنشاء الله، مو ترفعوا أسعار الفروج ويضل المواطن ياكل بس مجدرة ويضل محروم من اللحوم بسبب ارتفاع الأعلاف وغيره وغيراته”.

بينما انتقد أحد المتابعين تصريح المسؤول السوري بقوله “لماذا يا أخانا أبا علاء يرتفع السعر وتبشرنا بذلك.. طالما أن مستوردات الأعلاف ستنخفض قيمة استيرادها بنسبة 40 بالمئة وهو العامل الرئيسي في احتساب تكلفة مستوردات العلف وذلك بعد أن قام المصرف المركزي بإلغاء أسلوب المنصة بالاستيراد التي كنت تدّعون دائما أنها السبب بارتفاع أسعار الأعلاف.. والآن سُمح لكم بالاستيراد المباشر والتمويل من حساباتكم المصرفية المفتوحة بالقطع الأجنبي، لماذا هذا التخبط”.

أضاف أحد المعلقين ناقدا الجهات الحكومية بشدة ” لك عمو ماعاد بدنا ياكم تربو لان تبين هي المصلحة ما شغلتكم لا بتشبعوا وبتضلوا تنقوا وضاربينا بمنية واخر شي اذا بصير مناسبة صغيرة بترفعوا الاسعار نحن مع استيراده لو من كوريا والفليبين انا بهمني أمني الغذائي وما بهمني إنتاج وطني أو مستورد ومجرد يطلع شخص مهما كانت صفته قطاع عام أو خاص وينجم بارتفاع الاسعار بدول ما فيها أي أزمة بحاكموه بتهمة التأثير على أسعار السلع الغذائية. كيف عنا صاروا بخبروا بعض برفع التسعيرة عبر شيفرات مواقع التواصل تتوقع تظن قد ربما يمكن هي كلها أدوات شعوذة هدفها التأثير السلبي على مستوى معيشة المواطن”.

أما عن أسباب ارتفاع الفروج، زعم سعد الدين للصحيفة المحلية أنه بسبب موجة الحر الشديدة التي شهدتها سوريا خلال الأيام الماضية، والتي أدت إلى نفوق نسبة كبيرة من الفروج الحي والدجاج البياض، ولا سيما أنها ترافقت مع ساعات طويلة من التقنين الكهربائي.

كما أردف سعد الدين، إن نسبة النفوق في قطعان الفروج وصلت لحدود 20 بالمئة وفي الدجاج البياض وصلت لحدود 11 بالمئة، مبينا أنه “من أجل تقليل حالات النفوق خلال موجة الحر الحالية نحتاج إلى نحو 17 ساعة وصل للكهرباء من أجل التهوية ولتشغيل المولدات وهذا الأمر غير متوافر”.

كما أشار إلى أنه “ليس هناك أي مؤشر إيجابي يبشر باستمرار المربين في عملية التربية باعتبار أن حوامل الطاقة غير متوافرة وأسعار الأعلاف في ارتفاع جنوني متواصل”. ووصلت أسعار الفروج في الأسواق السورية، إلى 16 ألف ليرة سورية للكيلو الواحد.

على إثر هذا الغلاء الجامح في أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء معا، الأمر الذي جعل السوريين أمام تحدي ابتكار وسائل جديدة، لتأمين متطلباتهم المعيشية. فبعد أن لجأ السوريون إلى “الفطر” كبديل للحوم نتيجة هذا الارتفاع غير المسبوق في الأسعار، اتجه العديد من الأهالي إلى تربية الأرانب في منازلهم، أو شرائها من مربّيها في المدن والبلدات الريفية لتكون بديلا عن اللحوم.

تصريحات تثير سخرية السوريين

أسعار اللحوم بأنواعها، شهدت ارتفاعات متكررة منذ بداية العام الجاري، حتى وصل الأمر إلى استغناء الشريحة الأكبر من السوريين عن اللحوم واتجاههم لبدائل مختلفة، في وقت خرج فيه أحد المسؤولين متحدثا عن فوائد هذه البدائل، ملمّحا إلى أن رفع أسعار اللحم فيه مصلحة صحّية للسوريين.

مدير “المؤسسة العامة للدواجن” سامي أبو دان، أفاد بأن المؤسسة حذرت منذ العام الماضي من وصول سعر البيضة إلى 1000 ليرة في حال لم تعالَج أسباب ارتفاع الأسعار، معتبرا أن المؤسسة تعمل على الحفاظ على استقرار السوق لبقاء السعر كما هو، حيث تم التواصل لتثبيته حتى عيد الأضحى بشكل مبدئي ليكون سعر طبق البيض 30 ألف ليرة بما يوازي التكلفة، علما أن تكلفة البيضة الواحدة من أرض المنشأ تتراوح بين 960-975 ليرة حسب قوله.

سوق الحميدية بدمشق- “سانا”

أبو دان أشار في تصريحات لإذاعة “المدينة إف إم”، مؤخرا، إلى عزوف العديد من المنتجين، عن إنتاج البيض بسبب الخسائر الكبيرة، حيث وصلت خسارة البيضة الواحد خلال النصف الثاني من العام الماضي إلى 125 ليرة، الأمر الذي أدى إلى خروج نحو نصف المنتجين من الأسواق.

في معرض تبريره لغلاء اللحوم أشار أبو دان إلى أن المواطن السوري، “يتمتع بوعي ويلجأ للبيض لتأمين البروتين الحيواني لأفراد عائلته، كونه أرخص من سعر اللحم الأحمر ويؤمن وجبة كاملة” حسب قوله.

تصريحات أبو دان أثارت سخرية واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث قال أحمد طه، تعليقا على تصريحات المسؤول الحكومي، “يعني منفهم من كلام المسؤول أنه الغلاء بصالحنا منشان نتوجه للبيض، ترا اللحم كمان مصدر منيح للبروتين”.

أما أسامة النجدي فعلّق على تصريحات ابو دان بالقول، “على أساس البيض أرخص يعني، حرفيا صارت البيضة بألف ليرة، من كتر ما غيرنا بالبرنامج الغذائي، ما ضل أي خيار فيه بروتينات، كل شي غالي، والمسؤولين مو شاطرين إلا بالتبرير، مستحيل حدا يطلع ويحكي فعلا خطة وحلول عملية، كلها تبريرات وهمية وما إلها أهمية”.

من جانب آخر، انتقادات ساخرة طالت للحكومة السورية بشأن ادعائها بأن سوريا شهدت نقلة نوعية بسبب التحوّل الرقمي الذي أثر على جميع جوانب الحياة اليومية، مثل إصدار ما يسمى بـ “البطاقة الذكية” وإطلاق المنصة الإلكترونية الخاصة فيما يتعلق بالحصول على جوازات سفر، الأمر الذي أثار انتقادات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي.

اعتبر البعض أن هذه الإجراءات فاقمت الأزمات في البلاد وليس العكس، وكيف يمكن لحكومة لا تمتلك كهرباء أن تعمل على المنصات الإلكترونية المرتبطة بشكل أساسي بالكهرباء والإنترنت، وهذين الخدمتين غير متاحين بسهولة في سوريا.

التنجيم ملجأ!

من المفارقة العجيبة وبسبب تبدل أسعار الدولار بشكل يومي في سوريا، لجأ بعض السوريين إلى مراقبة صفحات الحظ اليومية وتوقّعات الأبراج على جميع الأصعدة، الصحية والعاطفية والمهنية، لمواليد كل الأبراج.

ففي عالم يعجّ بالتغيرات والاضطرابات الاقتصادية، يبحث السوريون عن أي بوابة تقدّم لهم لمحة عن مستقبلهم المجهول. ومن المفارقات العجيبة التي تنشأ عن هذا الواقع المرير، وجد البعض نفسه يلجأ إلى طرق غير تقليدية للاستفسار عن مصير الدولار الأميركي، الذي أصبح مؤشرا حاسما لحياة العديد من الأشخاص في البلاد.

بعيدا عن الأسواق المالية وتحليلات الاقتصاديين، يوجد عالم مواز يعتمد على توقعات الأبراج وحظوظ اليوم. فالأشخاص يترقبون بشغف صفحات الحظ اليومية التي تُقدّم لهم قراءات عن حظهم وتوقعاتهم اليومية بناء على علم الأبراج. ولكن هنا يكمن الدور الغريب الذي يلعبه الدولار في هذا السياق غير المتوقع.

من خلال ملاحظة تذبذب سعر الدولار يوما بعد يوم، يجد البعض أنه يمكن استخدام توقعات الأبراج وتفسيراتها المختلفة للحصول على نظرة فاحصة على حركة العملة الخضراء. وعلى الرغم من أن هذه الطريقة ليست بالضرورة علمية أو دقيقة، إلا أنها تمثل محاولة مستميتة للتأقلم مع الظروف الاقتصادية المتقلبة والتخمين عن مصير الدولار.

مع هذه الأمور بات السوريون يعيشون في ظروف اقتصادية صعبة، حيث يتأثر سعر الدولار بشكل يومي ويتسبب في تقلبات مالية غير متوقعة. ومن أجل الحصول على أي مصدر يمكن أن يلقي الضوء على المستقبل المالي الغامض، يلجأ العديد إلى توقعات الأبراج وصفحات الحظ اليومية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات