من المفارقة العجيبة وبسبب تبدل أسعار الدولار بشكل يومي في سوريا، لجأ بعض السوريين إلى مراقبة صفحات الحظ اليومية وتوقّعات الأبراج على جميع الأصعدة، الصحية والعاطفية والمهنية، لمواليد كل الأبراج.

ففي عالم يعجّ بالتغيرات والاضطرابات الاقتصادية، يبحث السوريون عن أي بوابة تقدّم لهم لمحة عن مستقبلهم المجهول. ومن المفارقات العجيبة التي تنشأ عن هذا الواقع المرير، وجد البعض نفسه يلجأ إلى طرق غير تقليدية للاستفسار عن مصير الدولار الأميركي، الذي أصبح مؤشرا حاسما لحياة العديد من الأشخاص في البلاد.

بعيدا عن الأسواق المالية وتحليلات الاقتصاديين، يوجد عالم مواز يعتمد على توقعات الأبراج وحظوظ اليوم. فالأشخاص يترقبون بشغف صفحات الحظ اليومية التي تُقدّم لهم قراءات عن حظهم وتوقعاتهم اليومية بناء على علم الأبراج. ولكن هنا يكمن الدور الغريب الذي يلعبه الدولار في هذا السياق غير المتوقع.

الأبراج مأمن للسوريين؟

من خلال ملاحظة تذبذب سعر الدولار يوما بعد يوم، يجد البعض أنه يمكن استخدام توقعات الأبراج وتفسيراتها المختلفة للحصول على نظرة فاحصة على حركة العملة الخضراء. وعلى الرغم من أن هذه الطريقة ليست بالضرورة علمية أو دقيقة، إلا أنها تمثل محاولة مستميتة للتأقلم مع الظروف الاقتصادية المتقلبة والتخمين عن مصير الدولار.

استخدام توقعات الأبراج وتفسيراتها المختلفة للحصول على نظرة فاحصة على حركة العملة الخضراء - إنترنت
استخدام توقعات الأبراج وتفسيراتها المختلفة للحصول على نظرة فاحصة على حركة العملة الخضراء – إنترنت

سعر صرف الليرة السورية، واصل انهياره  أمام الدولار الأميركي، في افتتاح تعاملات اليوم الأربعاء، وتجاوز عتبة الـ 10 آلاف ليرة سورية، حيث بلغ سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الواحد بدمشق 10150 ليرة سورية شراء، 10250 ليرة سورية مبيع.

“بنك سوريا” المركزي، والذي غيّر منذ مطلع العام الجاري أسعار صرف الدولار عدة مرات، ضمن سلسلة محاولات مستمرة للسيطرة على عمليات التصريف في السوق السوداء، حدد سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي، بـ 9200 ليرة للدولار الواحد، و اليورو بـ 10150.36 وذلك في نشرة الحوالات والصرافة الصادرة صباح اليوم الأربعاء.

الأسباب التي يذكرها الخبراء لانهيار الليرة، تمحورت حول عدم إيداع الأموال والمدخرات بالليرة السورية في المصارف الوطنية وذلك خوفا من تقييد حرية السحب عند الطلب بموجب قرار “المركزي” والتي كانت الضربة القاضية لسعر صرف الليرة السورية. 

مهام “المركزي” السوري، يراه الخبراء في دعم سعر الصرف عبر أدوات نقدية أو التدخل المباشر، وليس المضاربة والاستجابة المستمرة لسعر السوق السوداء، بذريعة المحافظة على شراء الحوالات الخارجية.

كيف يخاطبك برجك في سوريا؟

مع هذه المعطيات بات السوريون يعيشون في ظروف اقتصادية صعبة، حيث يتأثر سعر الدولار بشكل يومي ويتسبب في تقلبات مالية غير متوقعة. ومن أجل الحصول على أي مصدر يمكن أن يلقي الضوء على المستقبل المالي الغامض، لجأت خديجة الأبرص، وبعض السوريين إلى توقعات الأبراج وصفحات الحظ اليومية.

السوريين يلجأون إلى مراقبة صفحات الحظ اليومية وتوقعات الأبراج - إنترنت
السوريين يلجأون إلى مراقبة صفحات الحظ اليومية وتوقعات الأبراج – إنترنت

التوقعات الفلكية والحاجة للاستقرار المالي، هو ما قاد الأبرص التي تتلقى شهريا من زوجها المتواجد في تركيا حوالة مالية بقيمة 200 دولار لتعيل أطفالها، حيث تشير في حديثها لـ”الحل نت”، إلى أنه في ظل هذا الواقع المتقلب، أصبحت تبحث عن أي مصدر يمكن أن يعطيهم بعض الاستقرار المالي. 

على سبيل المثال، مع التوقعات التي نشرتها اختصاصية في علوم الفلك والأبراج والأرقام، غالية بكفلاوي، اليوم الأربعاء، يظهر أنها تخاطب مواليد برج “الحمل”، بقولها أن اندفاعهم المالي اليوم يلزمه بعض الانضباط، على صعيد مصاريف ومدفوعات يستعجلونها، وربما تضطرون لها بسبب تغيير على صعيد شخصي  أو واجبات اجتماعية تتطلب الإنفاق، وهذا يفسر بحسب الأبرص على أنه تحذير.

أما حول توقع مواليد برج “الثور”، بأن اليوم يحمل فرصا لتحسين أحوالهم وعليهم اغتنامها بحكمة وإدارة صحيحة، وتجاوز العراقيل الصغيرة بمرونة للوصول لأهداف أكبر، فاليوم جيد وداعم للفرح بقبول طلب أو موافقة لأمر انتظرته، هذا تفسره الأبرص والعديد من مثيلاتها بأنه فرص لتصريف العملة واستقبال الحوالة، وشراء احتياجاتها. 

قياسا على ذلك، فإن توقعات الأبراج على وسائل التواصل الاجتماعي أو حتى على البرامج التلفزيونية بحسب الأبرص، تُعتبر بوابة غير تقليدية للاستفسار عن الدولار ومصيره. فهي تقدم لهم ولو بشكل غير مباشر نظرة عن قرب على حالتهم المادية والصحية والعاطفية والمهنية، وقد يرتبط ذلك بتأثير الدولار على حياتهم اليومية.

التضخم.. أداة لجلد السوريين

قد يبدو استخدام توقعات الأبراج في تحقيق الاستقرار المالي أمرا غير عاديا، لكنه يعكس حاجة السوريين الماسة لأي مصدر يمكن أن يعطيهم بعض الأمل والتوجيه في هذا الوضع الصعب. فعلى سبيل المثال، قد يعتبرون توقعات الأبراج عن النجاح المهني أو الفرص الاستثمارية فرصا للتعافي المالي.

الاعتماد على توقعات الأبراج التي تعكس حاجة السوريين للاستقرار المالي - إنترنت
الاعتماد على توقعات الأبراج التي تعكس حاجة السوريين للاستقرار المالي – إنترنت

وفقا لأرقام كشفها ”المكتب المركزي للإحصاء”، تجاوز معدل التضخم في سوريا 16 ألفا بالمئة خلال الفترة من عام 2011 إلى عام 2023. إذ إن معدل التضخم بلغ 3852.29 بالمئة بين عامي 2011 و2021.

البيانات الصادرة عن وزارة المالية، قدّرت معدلات التضخم لعام 2022 بنسبة 100.7 بالمئة، ولعام 2023 بنسبة 104.7 بالمئة، مما يجعل معدل التضخم بين عامي 2011 و 2023 يبلغ 16137.32 بالمئة.

الأسعار بدورها ارتفعت بمقدار 40 ضعفا بين عامي 2011 و 2021، وزادت بما يتجاوز 161 ضعفا في الفترة من عام 2011 إلى عام 2023، في حين أشارت الخبيرة رشا سيروب، إلى أن السلع الغذائية والمشروبات غير الكحولية، ونفقات السكن والكهرباء والمياه، تشهد أكبر ارتفاع في الأسعار، وتمثل حوالي 75 بالمئة من إنفاق الأُسر. مؤكدة في الوقت ذاته، أن دخل الموظف في سوريا ارتفع بمقدار 10 أضعاف منذ عام 2011، ولكنه لا يزال أقل بكثير مقارنة بارتفاع المستوى العام للأسعار.

التضخم الذي يوصف بأداة لجلد السوريين، لم يمنع الأبرص والعديد من مثيلاتها في متابعة الأبراج لمعرفة متى تصرف دولاراتها أو توقيت استقبال الحوالة، وحتى موعد شرائها لاحتياجاتها المنزلية رغم التحذير من الاعتماد الكامل على توقعات الأبراج.

توقعات الأبراج بحسب العديد من الخبراء ووفقا لتقارير صحفية، ليست علمية بالمعنى التقليدي، ولا ينبغي الاعتماد الكامل عليها في اتخاذ القرارات المالية الهامة. إذ إنها مجرد توقعات قائمة على الاعتقادات الفلكية والثقافية، وقد تكون مجرد صدفة بعض الأحيان.

بدلا من الاعتماد على توقعات الأبراج، يرى الخبير الاقتصادي، ماجد الحمصي في حديثه لـ”الحل نت”، أنه يجب على السوريين البحث عن مصادر موثوقة للمعلومات المالية والاقتصادية. إذ يمكنهم اللجوء إلى المصارف والمؤسسات المالية الموثوقة للحصول على توجيهات ونصائح حول الاستثمار وإدارة المال.

الأبراج والحظ للنجاة من الواقع المعيشي؟

الأبراج بحسب ما رصده “الحل نت” في حديثه مع عدة سيدات داخل سوريا باتت وسيلة فعّالة للنجاة من الواقع المعيشي. إذ يرين أن الأبراج هي نظام من خلاله يمكنهم التنبؤ بشخصية الفرد وحياته ومستقبله بناء على تاريخ ميلادهم. ومع ذلك، لا يوجد أي دليل علمي يدعم صحة هذه الادعاءات.

السوريين يلجأون إلى مراقبة صفحات الحظ اليومية وتوقعات الأبراج - إنترنت
السوريين يلجأون إلى مراقبة صفحات الحظ اليومية وتوقعات الأبراج – إنترنت

رغم أن الواقع المعيشي يعتمد على العديد من العوامل، مثل الجهد المبذول والمهارات والفرص المتاحة والاختيارات الشخصية. إلا أن العمل الجاد والتخطيط الجيد واتخاذ القرارات الصائبة عموما التي تعد من الطرق الأكثر فعالية لتحسين الواقع المعيشي، ليست بوارد السوريين، نتيجة تقلب أسعار صرف العملة يوميا وربما عدة مرات في اليوم الواحد.

مع استمرار حجم الكارثة الاقتصادية في الانهيار، لا يسع المرء في سوريا إلا أن يلهث مرتعبا من الآثار التي تحملها، إذ يتضح جليا أن الحد الأدنى للأجور، الذي كان شريان الحياة الهزيل للعمال، قد  تقلص إلى بقايا يُرثى لها بسبب انخفاض سعر صرف الليرة، ففي عام 2011 بلغ الحد الأدنى للأجور 9000 ليرة سورية فقط، أما اليوم فما يحتاجه الموظف هو 1.5 مليون ليرة.

فوضوية تذبذب سعر الصرف، أدت إلى الاعتماد على توقعات الأبراج التي تعكس حاجة السوريين للاستقرار المالي في ظل تقلبات سعر الدولار اليومية. وعلى الرغم من أنها ليست مصدرا علميا قويا، إلا أن بعض الأفراد يجدون فيها بوابة للاستفسار عن الدولار ومصيره.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات