في ظل الجمود الذي يخيّم على مسارات الحل السياسي، يجري الحديث عن إعادة “اللجنة الدستورية السورية” إلى واجهة الحل السياسي في البلاد، ما يطرح التساؤلات حول إمكانية تنفيذ هذه العودة، وهل بقي ما يمكن أن تقدمه اللجنة لدفع العملية السياسية في البلاد خلال الفترة القادمة.

جولات “اللجنة الدستورية السورية” في جنيف توقفت منذ نحو عام، لأسباب عديدة أبرزها تتعلق بعرقلة روسيا انعقاد الجولة التاسعة لاجتماعات اللجنة، وبينما لم يطرأ أي جديد على عملها منذ تموز/يوليو الماضي، يجري الحديث الآن عن تغيير مكان انعقاد الاجتماعات إلى مُدن أو عواصم عربية.

المطالبات بإعادة “اللجنة الدستورية” إلى واجهة العملية السياسية في سوريا، جاءت عبر المبعوث الدولي إلى سوريا جير بيدرسن، إلا أن هنالك عوائق عديدة إزاء هذه العودة، خاصة وأن دمشق رفضت مؤخرا مطالب مماثلة، عندما تم الحديث عن نقل مكان انعقاد اجتماعات “اللجنة الدستورية” إلى القاهرة أو مسقط، لكن دمشق رفضت مؤخرا الطرح المتعلق بالقاهرة، بسبب موقف الحكومة المصرية المتعلق بشرط تنفيذ قرارات الأمم المتحدة وتحديدا القرار 2254.

الحل السياسي في مأزق؟

“العملية السياسية في سوريا وصلت إلى مأزق”، بهذه الكلمات بدأ بيدرسن إحاطته الأخيرة يوم الإثنين الفائت أمام مجلس الأمن الدولي في مدينة نيويورك الأميركية، مجددا مناشدته للأطراف الفاعلة في الملف السوري، بالانخراط مع جهوده لتنفيذ القرار 2254.

المبعوث الأممي لم يقدم أي جديد في إحاطته لمجلس الأمن، فإعادة تفعيل اجتماعات “اللجنة الدستورية السورية”، ستعني بشكل أو بآخر العودة بالزمن إلى الوراء، إذ إن اللجنة لم تحقّق أيّة نتائج ملموسة على الرغم من عقد ثمانية جولات من الإجماعات والمحادثات، التي لم تساهم بشيء يُذكر في سبيل دفع العملية السياسية بسوريا.

هذا الأمر اعترف به بيدرسن في مناسبات عدة، لكنه يعتبر الآن أن هناك فرصة متجددة باعتبار أن “اللجنة الدستورية” هي السبيل الوحيد المتوفر للوصول إلى حلّ سياسي في سوريا، كذلك فقد أعرب بيدرسن عن خيبة أمله من “الفيتو” الروسي في مجلس الأمن ضد قرار تجديد التفويض لإدخال المساعدات الإنسانية من معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، مؤكداً أن ظروف عودة اللاجئين السوريين غير متوفّرة.

قد يهمك: خطة أردنية لمكافحة تهريب المخدرات السورية.. ما دور روسيا؟

الكاتب والمحلل السياسي الدكتور باسل معراوي، أكّد أن دفع العملية السياسية في سوريا يحتاج إلى توافق روسيا أميركي، لكن هذا الأمر غير متوفر حاليا بسبب انقطاع التنسيق بين الجانبين منذ أشهر طويلة، مشيرا إلى أن عودة “اللجنة الدستورية” لاستئناف اجتماعاتها بالشكل الموجود حاليا لن يقدّم أي جديد لمسار الحل السياسي في سوريا.

معراوي، قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “انقطعت منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، كل الاتصالات بين موسكو وواشنطن. حتى الخطوط الساخنة تم ايقافها، وهناك تحرّشات عسكرية تجري في السماء السورية بينهما، لذلك لا أمل بحدوث أي تنسيق أو اتصال بينهما، وقد لاحظنا ذلك حتى بمقاربة إنسانية تمت منذ أيام ولم تنج، فقد استعمل الروس حق الفيتو لعرقلة تمديد آلية إدخال المساعدات الأممية إلى سوريا”.

التفاف على القرارات الأممية؟

الأمم المتحدة تسعى برأي معراوي، إلى إبقاء المسار الأممي للحل السوري حيّا عبر اجتماعات دورية في نيويورك، وذلك لقطع الطريق على المسارات الأخرى التي تحاول الالتفاف على القرارات الأممية، وأبرزها المسار الرباعي بين موسكو وطهران ودمشق وأنقرة، التي تحاول غض الطرف عن القرار 2254.

معراوي، أشار كذلك أن حديث بيدرسن عن عدم وجود بيئة آمنة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، هو بمثابة رسالة غربية واضحة لدمشق، بأنه لن يكون هناك رفعٌ للعقوبات أو عمليات إعادة إعمار، بدون قبول دمشق بالحل السياسي وفق القرار الأممي 2254، لكن اللجنة الدستورية بهذا الشكل لن تقدّم أي جديد بعودتها.

حول ذلك أضاف، ” ليس من المتوقع أن يسهّل الروس عقد أي اجتماع لتلك اللجنة فمنذ سنة يضعون العراقيل بوجه انعقادها كتغيير مكانها من جنيف التي لم تعد محايدة كما تدّعي موسكو، ورغبتهم بنقل الاجتماعات إلى دمشق أو أي عاصمة إقليمية أرجحها مسقط، لكن الأمم المتحدة لن توافق على ذلك وستصرّ على مكان جنيف لما له من رمزية”.

تقارير عربية أكدت مؤخرا أن الاتفاق على نقل مقر اجتماعات اللجنة بات وشيكا، حيث جرت مداولات واسعة بهذا الشأن في كازاخستان قبيل انطلاق الجولة 20 من مسار “أستانا”، بمشاركة الدول الضامنة ودمشق والمعارضة السورية، حيث تم طرح أسماء العديد من العواصم لاستكمال جولات اللجنة، إلا أنه كان هنالك رفض من دمشق للعاصمة المصرية.

نقل اجتماعات “اللجنة الدستورية السورية” إلى مُدن عربية، قد يمهّد الطريق أمام دور عربي محتمل في الحل السياسي للملف السوري، لكن ماذا يمكن للدول العربية أن تقدم للملف السوري خلال المرحلة القادمة، تزامنا مع التقارب العربي مع دمشق.

خلال الاجتماعات التي جرت على مدار السنوات القليلة الماضية للجنة، سعت روسيا إلى إفراغ حصيلة الجولات من أي نتائج مثمرة، فعرقلت جميع المحاولات الرامية لصياغة دستور جديد، أو التوصل إلى آلية حلّ من شأنه تنفيذ بنود قرار الأمم المتحدة 2254 المتعلق بالانتقال السياسي للسلطة.

مسارات أخرى

لا يخفى على أحد أن روسيا سعت إلى خلق مسارات جديدة للحل في سوريا بعيدا عن الأمم المتحدة التي أصرّت مرارا على بنود 2254، وضمان الانتقال السياسي للسلطة في سوريا، فحاولت طرح أو تحويل الحل السياسي من مسار “اللجنة الدستورية” إلى مسار “أستانا” برعاية الدول الضامنة.

من بين المسارات التي ظهرت مؤخرا فيما يتعلق بالملف السوري، المسار الأردني، حيث أجرى وزير الخارجية الأردني زيارات لوجهات متعددة، سعيا منه لإعادة إحياء المبادرة الأردنية المتعلقة بحلّ الملف السوري.

المبادرة الأردنية تقوم على مبدأ “خطوة مقابل خطوة” بشكل يشبه ما كان يطرحه المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا جير بيدرسن، وتنقسم إلى ثلاث مراحل، بدءا من التركيز على الجانب الإنساني وصولا إلى الجانب العسكري الأمني وانتهاء بالجانب السياسي النهائي. وهذا النهج الشامل يهدف إلى إعادة بناء الثقة وتحقيق استقرار حقيقي في سوريا.

تركيز الحكومة الأردنية على قطر وتركيا في زياراتها، تزيد من مستوى التساؤلات حول احتمالية أن نشهد اجتماعا خلال الفترة المقبلة بين الأردن وتركيا وقطر وسوريا برعاية الحكومة الأردنية، حيث تسعى عمّان إلى دفع العملية السياسية في سوريا بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن الذي يحمل رقم 2254.

الاجتماع الرباعي بين الأردن وقطر وتركيا ودمشق، قد يكون سببه وفق محللين في أن عمّان قد ترى أن أي تقدّم في العملية السياسية السورية، مرتبط بشكل أو بآخر بوجود علاقات أو تواصل سياسي حقيقي على الأقل بين دمشق وأنقرة، وذلك بسبب التداخل التركي الكبير في الملف السوري ووجود القوات التركية على الأراضي السورية، فضلا عن استمرار دعمها ولو جزئيا للمعارضة السورية.

ضبابيٌّ هو مشهد الحل السياسي في سوريا، فحتى الآن كل ما يجري الحديث عنه مجرد تصريحات من قبل مسؤولين من الدول المعنية والفاعلة في الملف السوري، إلا أن اهتماما حقيقيا لم يظهر حتى الآن في المبادرات المذكورة، لدفع حقيقي باتجاه تحريك العملية السياسية في البلاد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات