هواجس ومخاوف جديدة قديمة تطارد السوريين اليوم، حيث لم يعد ارتفاع الأسعار وأزمة الخبز والبنزين أكبر همومهم، فثمة مخاوف أخرى تتزايد يوما بعد يوم في المجتمع السوري وهي فكرة الخوف من مؤسسة الزواج. من ناحية، يتردد الشباب في فكرة الزواج، ومن جهة أخرى، فإن معدل عدم الاستقرار في العلاقات الزوجية آخذ في الازدياد، وكل ذلك نتيجة التدهور الدراماتيكي للظروف المعيشية في البلاد.

الانهيار الاقتصادي في البلاد، زاد من نسبة الطلاق في عمومها، فضلا عن أنه دفع بنسبة كبيرة من الشباب إلى العزوف عن الزواج رغم حصولهم على شهادات جامعية، والتي من المفترض أن تمكّنهم من الحصول على فرص عمل لائقة وتزويدهم بدخل كافٍ للمعيشة، إلا أن التضخم المرتفع والارتفاع المستمر في الأسعار مقابل تآكل الرواتب والأجور أدى إلى حدوث فجوة كبيرة يصعب التغلب عليها.

تلاشي أحلام الزواج

المجتمعات الشرقية بشكل عام، بما في ذلك المجتمع السوري، كانت دائما رغبة الوالدين فيها ولا تزال هي رؤية أبنائهم سعداء في ما يسمى بـ”عشّ الزوجية”، ومن أجلهم كانوا يدّخرون كل ما يستطيعون لإتمام هذه المسألة، وقبل نحو عشر سنوات، كان السوريون من ذوي الدخل المحدود يقومون بإقامة حفلات الزفاف في صالات المطاعم والفنادق وقاعات الأعراس المرموقة، إلا أنه وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة الحالية، تلاشت صورة الأفراح إلا للمقتدرين ماديا، وفق تقرير لصحيفة “البعث” المحلية، يوم الأحد الفائت.

عزوف الشباب عن الزواج-“سانا”

يبدو أنها حالة اجتماعية فرضتها حرب السنوات العشر التي ضيّقت الخناق على الشباب السوري وجعلت أحلامه يتلاشى ببناء أسرة، وسط غلاء مستلزمات الزواج وصعوبة تأمين وفتح بيت، بل وحتى استئجاره، فأسعار البيوت خيالية وإيجارها بأرقام غير مسبوقة لا يقدر على تحمّلها العرسان الجدد. لذا لا عجب أن يتحوّل يوم الفرح إلى كارثة مادية تطيح بأحلامهم المستقبلية وتستنفذ نقودهم ومدّخراتهم التي لم تعد لها قيمة أمام انخفاض القيمة الشرائية لليرة.

في تفاصيل طقوس الأعراس السورية يُلاحظ أنها ذات عادات وتقاليد تختلف من منطقة إلى أخرى، فالاحتفال بالزفاف قد يدوم لأكثر من أسبوع كما في المنطقة الشرقية، يتخلله يوم حنّة للعروس، وآخر لتوديعها وفيه تكثر المعازيم من أقاربها وأصدقائها الذين بدورهم يشكّلون عبئا، ثم تأتي ليلة التحضير للزفاف، وهناك عادات أخرى تُسمى عند بعض المناطق ملبوس البدن وتحضير الذهب وغيرها من التقاليد التي تحوّلت اليوم إلى حملٍ ثقيلٍ على العريس نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة.

بالنظر إلى أن ارتفاع سعر الذهب بات من أبرز العوائق أمام الزواج لنسبة كبيرة من الشباب، إلا أنهم اتجهوا لطرق الالتفاف حول هذه العادات، وبالتالي صاروا يستأجرون الذهب للتزيّن به أثناء حفل الزواج ومن ثم استرجاعه للصائغ، وذلك إرضاءً وحفاظا على العادات والتقاليد المجتمعية السائدة.

بحسب تقرير محلي مؤخرا، فإن هناك أصحاب محلات مجوهرات وصاغة يؤجّرون الصيغة الموجودة لديهم. ويقول أحد الصاغة الموجودين في دمشق إن مكاسبه من التأجير باتت تفوق مكاسبه من البيع في ظل الركود الحالي في الأسواق وعزوف عدد كبير من الناس عن الشراء أو حتى البيع.

عدد من الشبان أوضحوا أنهم باتوا مضطرين للاستدانة لشراء المحبس، حيث يصل سعر أصغر خاتم يزن 3 غرامات إلى قرابة مليوني ليرة مع أجرة صياغته. كما واشتكى بعض الشبان من تزايد الضغوط عليهم، من جراء تحوّل مهور الزواج “بين ليلة وضحاها” من الليرة السورية إلى الليرة الذهبية، ما يدفع ببعضهم إلى سحب قرض لإكمال مراسم الزواج، أو إزالة فكرة الزواج من رأسهم بالأساس.

كون الذهب يُعد سمة أساسية في الزواج بالنسبة للسوريين، أكد خبراء في علم الاجتماع، أن 60 بالمئة من الشباب السوريين عازفون عن الزواج، بسبب الخوف من المستقبل، بالإضافة إلى الدخل المتدني وارتفاع تكاليف الزواج لأرقام خيالية، فضلا عن عدم وضوح صورة المستقبل لديهم، وعدة عوامل أخرى مثل، عدم وجود مهنة محددة، ذات دخل مستقل، وهذا ما يؤجل الزواج لأجل غير محدد.

في هذا الجانب ترى أستاذة علم الاجتماع الدكتورة رشا شعبان، أن البعض يتعصّبون لفكرة التقاليد مثل شراء الذهب والملبوس وإقامة حفلة الزفاف، نظرا للظروف الاقتصادية المزرية، وهذا يمثل خطرا كبيرا على جيل الشباب لأنه سيبعدهم عن فكرة الزواج، والمطلوب على الحكومة تسهيل الفُرص أمام الشباب وتشجيعهم.

تفكك العلاقات الزوجية

في سياق متّصل، ارتفعت معدلات الطلاق بشكل مخيف في سوريا، منذ بداية عام 2011، وزادت النسبة بشكل لافت خلال السنوات الثلاث الأخيرة بسبب سوء الأحوال المعيشية الصعبة التي جعلت ربّ الأسرة عاجزا عن القيام بواجبه تجاه أسرته.

تقرير آخر لذات الصحفية المحلية يقول إن المحاكم في مختلف المحافظات، تغص بدعاوى التفريق، والمؤلم أن الأبناء والأطفال بشكل خاص هم من يدفعون الثمن. في محافظة حماة على سبيل المثال لا الحصر، أفاد مصدر في دائرة نفوس صبورة، أن معدلات الطلاق في العامين الأخيرين وصلت إلى 200 بالمئة مسجلة ارتفاعا عن الأعوام السابقة بمعدل 60 أو 70 حالة طلاق في العام، وذلك ضمن نطاق الناحية فقط، في الوقت الذي لم تكن تتجاوز في الأعوام السابقة 3 حالات سنويا.

فراس صيوم مدير الشؤون المدنية في حماة لم ينفِ من جانبه ازدياد الخلافات الزوجية نتيجة الوضع الاقتصادي المتردي والذي يؤدي بعضه إلى الطلاق، فيما الغالبية منها تنتهي بإيجاد الحلول مع بقاء العلاقة في جمود وفتور والذي يعتبر بمثابة طلاق معنوي غير مسجّل.

غلاء الذهب-“إنترنت”

المحامي بسيم الصالح اتفق مع وجهة النظر السابقة، مؤكدا أن عدم إمكانية تأمين تكاليف الحياة من أهم أسباب الطلاق، فهو بات الحل الأفضل للتخلص من ضغوط المصاريف، وخاصة للمتزوجين حديثا في ظل انكماش فرص العمل وانخفاض الرواتب والأجور مقارنة بارتفاع الأسعار، معربا عن أسفه لازدياد زيجات كبار السن من الفتيات الصغار خلال السنوات الأخيرة أمام عجز الشباب عن تأمين الحد الأدنى لمتطلبات الحياة الزوجية، بدءا من ارتفاع تكاليف حفلات الأعراس إلى أثاث المنزل ومن ثم تكاليف المعيشة اليومية، وما يليها من إنجاب الأطفال ومتطلباتهم وغيرها من مصاريف لم تعد تُحتمل.

كذلك، من الطبيعي أن تؤدي الأزمات الاقتصادية إلى ازدياد حالات الطلاق في المجتمع السوري بحسب الدكتور أحمد أديب أحمد أستاذ الاقتصاد في جامعة “تشرين”، حيث يصعب على الأُسر الاستمرار في تحمّل الأعباء المالية، مما يزيد من النزاعات الزوجية والتوترات الأُسرية، ومع ازدياد عدد الأشخاص الذين يتعرّضون للبطالة أو انخفاض الدخل، وتأثير ذلك في قدرتهم على توفير الموارد اللازمة لدفع نفقات الحياة والتعامل مع الديون المالية.

ازدياد نسبة العزوبية

الحرب في سوريا أثّرت على حياة العديد من الفتيات اللواتي لم تُتاح لهنّ حرية اختيار شريك الحياة المناسب، في ظل هجرة نسبة كبيرة من الشباب، فضلا عن العديد من الصعوبات التي طغت على المفاهيم المتعلقة بخصوصية الأفراد، ما جعلت بعض الناس يتمسكون بالعادات والتقاليد لاتخاذ القرارات.

على الرغم من أن العديد من العائلات زوجّت بناتها بتكلفة أقل نتيجة لظروف المعيشة السيئة، فقد أشارت إحصائية جديدة لوزارة الشؤون الاجتماعية في الحكومة السورية، إلى أن هناك أكثر من 3 ملايين فتاة عازبة فوق سنّ الثلاثين.

النسبة المئوية للفتيات اللاتي بقين في منزل أهاليهم، ومتأخرات في الزواج بسوريا تشكل الـ 70 بالمئة، وفقا للمعايير الاجتماعية المحلية.  

بحسب تقرير سابق لإذاعة محلية، فإنه في تجمعات المدن الرئيسية تصل نسبة العزوف عن الزواج لـ 40 بالمئة، بينما تنخفض في التجمعات التي لا زالت تحافظ على الروابط المختلفة فيما بينها، والتي تخفف بدورها من الأعباء المترتبة على الزواج، حيث أن الضغوط المادية لها دور في العزوف، لكن العامل الأساسي، هو التفكك الاجتماعي وتحول الحياة إلى فردية، حيث يواجه الفرد المشاكل لوحده.

هذا ويبدو أن الوضع الاقتصادي المتدهور في سوريا، بات ينعكس على مختلف جوانب حياة السوريين، ما دفع العديد من الشباب للتفكير وفق منطق الأولويات، وأولها الاستمرار في العيش، أما بقية تفاصيل الحياة فأصبح معظمها بمثابة رفاهية يبتعد عنها الكثيرون.

لذلك يحذّر العديد من الباحثين الاجتماعيين من حدوث فجوة خطيرة بالهرم السكاني السوري، وعدم تجدد المواليد ليتحول بعدها المجتمع السوري إلى مجتمع كهل، نظرا لعدم الإقبال على الزواج وارتفاع حالات الطلاق والتفكك الأُسري، وحوادث الموت والفقدان والهجرة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات