الأسواق السورية تشهد ارتفاعا غير مسبوق للأسعار، وسط انهيار الليرة إلى مستوى تاريخي، حيث سجلت في تداولات اليوم الأربعاء 11 ألفا و200 ليرة مقابل الدولار. وكأن صعود الدولار أصبح فرصة لا تعوّض للتجار ومن يتحكمون في اقتصاد البلاد لرفع الأسعار بهذه الطريقة السريعة والمخيفة.

هذا وتصدرت السلع الغذائية والمواد الأساسية القائمة، حتى أصبحت تكلفة أبسط طبخة في البلاد تساوي نصف راتب موظف حكومي عادي، وهو ما يعني أن الأحوال المعيشية آخذة في التدهور.

أسعار كاوية

بعد أن تجاوزت تكلفة أي طبخة مكوناتها من العدس والرز أو البرغل وبالطبع دون متمماتها من السلطات وغيرها سقف الـ 40 ألف ليرة، فإن غالبية العائلات في عموم المحافظات السورية ومنها السويداء، ولاسيما من كان يدير شؤونهم من ذوي الدخل المحدود، تتبع نظام التقنين في تأمين احتياجاتهم الغذائية، على اعتبار أن ميزانيتهم المالية لم تعد تسمح وفي ظل التحليق اليومي وغير المسبوق للأسعار بالطبخ اليومي.

أحد أسواق دمشق- “فرانس برس”

على الرغم من أن أسواق مدينة السويداء متخمة بالمواد الغذائية، إلا أن الأسواق تشهد انخفاضا ملحوظا في حركة البيع والشراء، وإذا كان لابد من الشراء فالكميات جزئية ولا تتعدى الكيلو غرام الواحد، وفق ما أورده موقع “غلوبال نيوز” المحلي يوم أمس الثلاثاء.

الموقع المحلي يقول، إن الأسعار المعلنة من قبل البائعين على سلعهم في حالة تغير يومي بسبب تقلب سعر الصرف وعدم استقراره. فمثلا، تراوح سعر بيع كيلو العدس ما بين 10500 ليرة وحتى 11 ألفا، وليتفوق عليه في السعر الفاصولياء بشقيها الحمراء والبيضاء بعد وصولها إلى 15 ألف ليرة للكيلو الواحد.

كما وتصدر رز الكبسة قائمة الغلاء في المحال بعد وصول سعره إلى 23 ألف ليرة، أما الرز القصير فقد تجاوز سقف مبيعه 10 آلاف ليرة، كما لم يشفع الإنتاج المحلي للبرغل باستثنائه من قوائم الغلاء، ولاسيما بعد أن حلقت أسعاره هذا الموسم لتصل إلى 9 آلاف ليرة للكيلو الواحد.

في حين وصل سعر لتر الزيت النباتي إلى 17 ألفا بدلا من 14 ألف ليرة، وارتفعت أسعار المحارم الورقية من 10 آلاف و500 إلى 12 ألفا و500 ليرة، وفق مصادر محلية.

تحكم التجار بالأسعار

في المقابل، ورغم تصدر محافظة السويداء المرتبة الأولى بإنتاج مادة الحمص على مستوى سوريا إلا أن المتحكم ببورصة أسعارها هم التجار الذين يشترونه من الفلاحين بسعر 6 آلاف ليرة وليطرح في أسواقهم الاستغلالية بسعر 8 آلاف ليرة، يقول التقرير المحلي.

بينما لم يكن السكر بمنأى عن موجة الغلاء المخيمة على كل الأسواق، وخاصة بعد وصل سعره إلى 10 آلاف ليرة للكيلو الواحد وأحيانا أكثر في بعض المحال التجارية. ويرى العديد من السكان أن هذه الأسعار “جنونية” ولا تناسب مستوى دخل المواطنين، وإذا ما بقيت الأسعار هذه على حاله، فإن الأوضاع في البلاد ستنهار وبالتالي ستنجم عنها تداعيات اجتماعية ونفسية خطيرة على المجتمع السوري ككل.

من جانبهم، قال عدد من التجار إن المسيطرين والمتحكمين بالأسعار في الأسواق ليسوا التجار، بل الموردين، وغالبيتهم يرفضون تسليم فواتير البيع لأصحاب المحلات، بالإضافة إلى أن تكلفة نقل المواد من دمشق إلى السويداء مكلف جدا، إذ لا تقل أجرة أي سيارة تنقل البضائع عن مليون ليرة.

في مواجهة هذا الارتفاع الفاحش في الأسعار، ثمة مناشدات ومطالب من الشارع السوري لإجراءات حكومية صارمة لضبط سعر الصرف والأسعار من جهة، ورفع الرواتب والأجور بما يتماشى مع الواقع المعيشي من جهة أخرى.

أما الحكومة السورية فهي مكتفية بالصمت التام تقريبا وتنظيم الضوابط والمخالفات غير المجدية، وترى أن الأسعار معقولة في ظل ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة السورية، متناسية أن رواتب وأجور المواطنين بالليرة السورية، ومتوسط ​​الراتب لا يكاد يساوي 15 دولارا شهريا.

مصدر في مديرية “التجارة الداخلية وحماية المستهلك” في السويداء أشار للموقع المحلي إلى أن مهمة حماية المستهلك هي مقارنة أسعار المواد المعروضة في المحال التجارية والمعلن عن أسعارها مع أسعار الفواتير التي بحوزتهم، وقد سبق للدائرة وأن نظمت منذ بداية العام ولتاريخه أكثر من 400 ضبط تمويني بحق عدد من أصحاب المحال التجارية نتيجة عدم الإعلان عن الأسعار، وعدم الاحتفاظ بفواتير الشراء، واقتناء مواد منتهية الصلاحية.

التموين شريكة مع التجار

في سياق متّصل، نوّه عضو “غرفة تجارة دمشق” ياسر أكريم لصحيفة “البعث” المحلية، مؤخرا، إلى حالة من التخبط في الأسواق سواء للتاجر أو المستهلك، فيوميا هناك اختلاف بالأسعار، مما تسبب بإشكال لدى الجميع واستياء من طرفي العملية التجارية، يضاف إليه تسعيرة غير واقعية من “وزارة التجارة”، مما جعل التاجر مخالف مباشرة.

وسجلت الليرة السورية 11200 ليرة مقابل الدولار الواحد-“إنترنت”

عن الفرق بين نسبة ارتفاع سعر الصرف ونسب ارتفاع الأسعار، بيّن أكريم أن تأثير سعر الصرف يضاف إليه سعر الطاقة والمحروقات والنقل، فهي كلها كلف تراكمية، وما لم يتأثر بشكل واضح في السابق، سيزيد مستقبلا إن لم تصل الأوضاع للاستقرار.

أما عن حركة البيع والشراء، فاستبعد أكريم حالة الركود كما يشاع، كون أشهر تموز/يوليو وآب/أغسطس وأيلول/سبتمبر هي ذروة نشاط الأسواق، بوجود السائحين وزيارات المغتربين، وهي أشهر تعوّض عن غيرها، إلا أنها رغم ذلك فهي أخف مما كان متوقعا. حديثه اعتراف واضح بأن من ينعش الأسواق السورية هم سياح ومغتربون وليسوا مواطنين في الداخل.

أما رئيس “جمعية حماية المستهلك” عبد العزيز معقالي، فقد أوضح للصحيفة المحلية أن ارتفاع سعر الصرف أثر على كل السلع المحلية والمستوردة، فهو عماد الأسعار بالنسبة للتجار، ولن تلغى مبرراتهم برفع الأسعار إلا بتثبيت سعر الصرف لفترة طويلة، مضيفا أن البلاد ستشهد موجة غلاء مرافقة لاستمرارية رفع سعر الصرف.

معقالي زعم أن التحكم بالأسعار لا يقتصر على القطع وحسب، بل يجب ضبط بعض عناصر التموين الذين أصبحوا شركاءً للتجار، كما أن تسجيل عشرات المخالفات يوميا ليس حلا لأزمة السوق، بل الأجدى التركيز على توفير المواد والمنافسة، موضحا أنه من الصعب تقدير نسبة ارتفاع الأسعار بظل الانفلات ومزاجية كل تاجر وغياب الضبط الفعلي من قِبل الجهات الرقابية.

العديد من المراقبين يرون أن سبب تدهور وفوضى الأسعار يعود لفشل الخطط الحكومية والفساد المستشري في البلاد، بالإضافة إلى تدهور الليرة السورية أمام النقد الأجنبي، بجانب غياب الدوريات الرقابية الحكومية وتحكم التجار بالأسعار وفق أهوائهم.

سياسات الحكومة السورية أثبتت فشلها من الناحية الاقتصادية، إذ تقوم بسنّ قوانين، دون أن تكون هناك خطط موازية لمنع تفاقم الأوضاع المعيشية للسكان، وهذا ما أكده العديد من المراقبين وحتى المسؤولين المتواجدين ضمن هذه الحكومة نفسها.

المواطن السوري اليوم أمام واقع مرير وصعب جدا، فالحياة المعيشية في سوريا صارت من أصعب الأمور لدى مواطنيها، وهذا ما دفع بفئة كبيرة ولا سيما الموظفين منهم إلى العمل بوظيفة أو عمل ثانٍ، إلى جانب تقنينهم للمواد الغذائية حتى يتمكّنوا من الاستمرار بحياتهم اليومية.

مطلع شهر تموز/يوليو الجاري، ارتفع متوسط تكاليف المعيشة لعائلة مكونة من خمسة أفراد في سوريا إلى أكثر من 6.5 ملايين ليرة سورية، بعد أن كان في نهاية آذار/مارس الماضي نحو 5.6 ملايين ليرة، في وقت لم يتجاوز متوسط الرواتب الـ 150 ألف ليرة، بحسب دراسة نشرتها جريدة “قاسيون”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات