في ظل الأسعار المرتفعة الجامحة التي تجتاح سوريا، يلجأ السوريين إلى طرق أخرى من أجل التعايش مع الواقع الاقتصادي التعيس، وبما أن الذهب ومستحضرات التجميل يحظيان باهتمام كبير بين الفتيات والنساء، فقد واجهن ارتفاع أسعار هذه المواد بطرق تبدو غريبة بعض الشيء، حيث يستأجر بعضهن أطقم الذهب حتى قضاء حاجة ما بها، ومنهن مَن تدخر مصروفها من أجل شراء “مكياج” أو لإجراء عملية تجميل ما.

لكن وبالنظر إلى الارتفاع الكبير في الأسعار، وخاصة مستحضرات التجميل والملابس وغيرها، فقد انتشرت بسطات “المكياجات” ذات الجودة العادية على نطاق واسع في شوارع العاصمة دمشق وريفها، والتي لقيت إقبالا ملحوظا من السيدات والفتيات، بسبب أسعارها المنخفضة مقارنة بالصيدليات ومحلات التجميل الراقية، في ظل التحذيرات الطبية من خطرها على البشرة.

استئجار الذهب

ارتفاع سعر الذهب بات من أبرز العوائق أمام الزواج لنسبة كبيرة من السكان بسوريا، لدرجة أن الناس صاروا يستأجرون الذهب لإحياء حفل الزواج به ومن ثم استرجاعه للصائغ، وذلك للحفاظ على العادات والتقاليد المجتمعية السائدة.

غرام الذهب في سوريا بات يكلف أكثر من نصف مليون ليرة سورية- “إنترنت”

إحدى الموظفات طلبت من زميلتها في العمل إعارتها عقد ذهبي وسوارا من أجل ارتدائهما في حفل زفافها؛ لأن خطيبها لم يتمكن من شراء ولا غرام بعد أن تجاوز سعره الـ 565 ألف ليرة سورية، وفق تقرير لموقع “أثر برس” المحلي، يوم أمس الثلاثاء.

بحسب التقرير المحلي، فإن هناك أصحاب محلات مجوهرات وصاغة يؤجرون الصيغة الموجودة لديهم. ويقول أحد الصاغة الموجودين في دمشق إن مكاسبه من التأجير باتت تفوق مكاسبه من البيع في ظل ركود السوق الحالي وعزوف عدد كبير من الناس عن الشراء أو حتى البيع.

الصائغ أردف أن تأجير كل قطعة يختلف عن الأخرى حسب الوزن والموديل. وكلما زاد وزن القطعة زاد سعر إيجارها، حيث يبدأ إيجار القطعة من 200 ألف عن كل يوم وكل أسبوع يمر والصيغة مع العرسان يدفعون مليون ليرة، فضلا عن ضمانات أخرى، مثل الهوية الشخصية ورهن مبلغ من المال، مشيرا إلى أن معظم مستأجري الصيغة يعيدونها في اليوم الثاني أو الثالث على الأكثر حتى لا يضطروا لدفع مبالغ كبيرة.

هذا وسجّل سعر غرام الذهب في سوريا، 539 ألف ليرة سورية – عيار 18، و629 ألف ليرة سورية – عيار 21. وهذا الارتفاع مفاجئ صدم الشارع السوري، فضلا عن تهاوي الليرة بشكل تاريخي أمام الدولار الأميركي. ومع ذلك، فإن الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو التنبؤات بأن هذا المسار التصاعدي لن يتوقف عند هذه النقطة؛ بل سيواصل الذهب رحلته غير المسبوقة، ليصل إلى ارتفاعات لا يمكن تصورها.

إلى أي مدى سيرتفع سعر الذهب، هو السؤال الذي لا إجابة دقيقة له بحسب حديث سابق لأحد الصاغة، إذ إن هناك عوامل عديدة تؤثر على تقلبات الأسعار، لكن الاتجاه الصعودي سيستمر حتى الربع الثالث من العام الجاري.

العزوف عن الزواج!

عدد من الشبان أوضحوا أنهم باتوا مضطرين للاستدانة لشراء المحبس، حيث يصل سعر أصغر خاتم يزن 3 غرامات إلى قرابة مليوني ليرة مع أجرة صياغته. كما واشتكى بعض الشبان من تزايد الضغوط عليهم، من جراء تحوّل مهور الزواج “بين ليلة وضحاها” من الليرة السورية إلى الليرة الذهبية، ما يدفع ببعضهم إلى سحب قرض لإكمال مراسم الزواج.

كون الذهب يُعد سمة أساسية في الزواج بالنسبة للسوريين فإن خبراء في علم الاجتماع، أكدوا أن 60 بالمئة من الشباب السوريين عازفون عن الزواج، بسبب الخوف من المستقبل، بالإضافة إلى الدخل المتدني وارتفاع تكاليف الزواج لأرقام خيالية، فضلا عن عدم وضوح مستقبلهم، وعدة عوامل أخرى مثل، عدم وجود مهنة محددة، ذات دخل مستقل، وهذا ما يؤجل الزواج لأجل غير محدد.

رئيس “جمعية الصاغة” في محافظة اللاذقية، مروان شريقي، أوضح في تصريحات صحفية أن معظم العرسان في سوريا يضطرون للاستدانة لشراء المحابس وسط هذا الغلاء، وأن هناك زبائن تنزل سوق الذهب للسؤال عن سعر المحابس وحينما يعرفون السعر يحسبون المدة التي ستمكّنهم من جمع المبلغ لإتمام فرحتهم، ما يتسبب لهم بالإحباط.

بناء على ذلك يبدو أن ارتفاع أسعار الذهب سيؤدي حتما لحدوث فجوة خطيرة بالهرم السكاني السوري، وعدم تجدد المواليد ليتحول بعدها المجتمع السوري إلى مجتمع كهل، نظرا لعدم الإقبال على الزواج وارتفاع حالات الطلاق والتفكك الأسري، وحوادث الموت والفقدان والهجرة.

“مكياجات على البسطات”

في سياق متّصل، نظرا لغلاء الأسعار، باتت بسطات مستحضرات التجميل ملجئ الفتيات، وقالت إحداهن، لموقع “أثر برس” المحلي، يوم الإثنين الماضي، إنها تفضل شراء بعض المواد التجميلية من البسطات، لأنها أقل كلفة من غيرها التي تباع في المحال المخصصة لها، وأنها تركز في شرائها على أقلام الحمرة، وأدوات العناية بالأظافر والأقدام، وتحاول الابتعاد عن الكريمات حتى لا تضر بشرتها.

شابة أخرى وافقتها في الرأي، حيث ذكرت أنها تشتري ما يلزمها من مستحضرات التجميل من البسطات والبعض الآخر من الصيدلية. بينما كان لسيدة ثالثة رأي آخر، حيث قالت إنها لا تفضل شراء مستحضرات التجميل من البسطات، خوفاً على بشرتها من الأذى، وعلى الرغم من أنها أقل كلفة من غيرها إلا أنها قد تكون منتهية الصلاحية أو مقلدة.

صورة تعبيرية من الإنترنت

إحدى الصيدلانيات في دمشق أكدت أنه بمجرد تعرض مستحضرات التجميل لأشعة الشمس تتأكسد موادها وتنفصل عن بعضها، وبالتالي تفقد فائدتها الطبية والصحية مثل، مرهم الواقي الشمسي، الكريمات الفواحة، الشامبو، مضيفة أن مستحضرات التجميل تحتاج إلى حرارة منخفضة جدا لتحافظ على قوامها وفائدتها الصحية، ولتعطي نتائج إيجابية.

من جانبه، مدير الشؤون الصحية في “محافظة دمشق”، قحطان إبراهيم، بيّن أن المواد التجميلية التي تباع في الطرقات غير صحية، بسبب تعرضها لأشعة الشمس، ولكن الأمر متعلق بالإجراءات التي تتخذها البلدية بحق البسطات. وفي الآونة الأخيرة، انتشرت مستحضرات التجميل منتهية الصلاحية والمغشوشة، بسبب الأسعار الباهظة للسلع والماركات، والتي عادة ما تجذب ميسوري الحال.

بالتزامن مع ارتفاع تكلفة كل شيء في سوريا، الأمر الذي أثّر على عمل صالونات الحلاقة النسائية ومراكز التجميل ككل، سواء من حيث إيجار الصالونات أو أجور العاملين فيه أو تكاليف الخدمات فيه. في تقرير سابق لذات الموقع المحلي، فقد وصفت صاحبة صالون حلاقة نسائية، مؤخرا، أن “حركة الإقبال شبه جامدة، وبالكاد نعمل، حيث تأتينا زبونة أو اثنتان لإجراء بسيط كالسيشوار أو تنظيف بشرة، وخاصة بعد ارتفاع الأسعار بشكل لافت حيث أن سعر السيشوار يتراوح ما بين 10 و15 ألف في المناطق الشعبية فما بالك في الأحياء الراقية”.

أسعار الخدمات ببعض المراكز والصالونات في دمشق، وصلت لأرقام كبيرة مؤخرا، فمثلا قص الشعر بأحد الصالونات في المناطق الراقية يقدر بنحو 25 ألف ليرة سورية، وصبغ الشعر بات يكلف بين 150-200 ألف ليرة سورية حسب طول الشعر، في حين بات يكلف مع سحب لون و”هايلايت أو بلياج” من 300 ألف إلى أكثر من نصف مليون ليرة سورية، وتجهيز عروس باتت تكلفتها تصل لقرابة 3 ملايين ليرة سورية، وفي بعض الصالونات الشهيرة التي تقع في المناطق الراقية مثل الشعلان والمالكي، فالخدمات تُقدّر وفق سعر الصرف، وفي الواقع يرتاد تلك المراكز الطبقة الغنية أو المغتربين فقط.

عمليات التجميل بالملايين

بينما تلجأ بعض الفتيات والنساء إلى السلع الرخيصة، وبعضهن يلجأن إلى تأجير الذهب لحفل زفافهن، إلا أن هناك على الجانب الآخر بعض السوريات اللواتي يعطين أهمية خاصة لعمليات التجميل، رغم تدهور الأوضاع الاقتصادية بشكل عام في البلاد.

خلال السنوات الماضية، زاد معدل الاهتمام بعمليات التجميل، حتى انتشرت عيادات التجميل في مختلف المدن السورية، رغم غلاء أسعار عملياتها. والإقبال على قطاع التجميل لم يعد مقتصرا على فئة محددة من المجتمع، أو على الأشخاص المقتدرين ماديا، فقد تحولت هذه الحاجة إلى أمر أساسي، جعل فئة واسعة من محدودي الدخل كذلك يلجئون إلى عمليات التجميل في العيادات المنتشرة في البلاد.

قطاع الطب التجميلي، أصبح من أبرز القطاعات في الاقتصاد السوري مؤخرا، حتى أن قرار منع استيراد مواد التجميل، تسبب بضرر للاقتصاد، بحسب ما أكده خبراء اقتصاديون، وذلك قياسا على الإنفاق الشهري والسنوي في هذا القطاع.

تقرير آخر سابق لموقع “أثر برس” المحلي، أفاد مؤخرا بازدياد اهتمام النساء في سوريا خلال السنوات الأخيرة، بعلاجات وعمليات التجميل، إذ لم يعد الأمر مقتصرا على طبقة بعينها من المجتمع إنما أصبحت أكثر انتشارا وأصبحت العلاجات كالفيلر والبوتوكس يعرفها الجميع، حتى الرجال.

“الأسعار الغالية، لكن الأمر أصبح ضرورة”، قالت طالبة جامعية تعمل في التسويق الإلكتروني، وتعيش في العاصمة دمشق، مؤكدة أنها خضعت لعدة جلسات حقن بوتوكس، وكانت تجربة جيدة، لكنها لم تخفي صدمتها من ارتفاع أسعار هذه العمليات خلال الفترة الأخيرة.

بحسب التقرير المحلي، فقد تراوحت تكلفة حقن البوتوكس في سوريا، بين 200 إلى 400 ألف ليرة سورية، أما الفيلر فيختلف سعره حسب نوعيته حيث يبدأ من 200 ألف للسنتميتر الواحد، وهناك فيلر كوري نخب أول ممتاز يصل سعره إلى 300 ألف للسنتميتر الواحد، وهناك أنواع تتجاوز الـ 700 ألف.

العاصمة دمشق-“إنترنت”

أما جلسات الليزر، فقد تكون أكثر من عشر جلسات ويختلف هذا حسب نوعية وطبيعة الجسم لذلك غالبا ما تعلن المراكز عن عروض لهذا النوع مثلا جلستين والثالثة مجانا أو حسم 15 بالمئة، وغير ذلك وتبلغ كلفة الجلسة الواحدة 30 ــ 50 ألفا حسب الجهاز المستعمل.

صحيفة “الوطن” المحلية، قدّرت الإنفاق الشهري للسوريين على قطاع التجميل بمليارات الليرات، مشيرة إلى أن “معظم هذا الإنفاق يُصرف على الإجراءات التي تعتمد على الحقن والحشوات، وكلاهما لا تشملهما قائمة المواد المسموح باستيرادها، فأصبحت تُعامل معاملة الممنوعات مع العلم أنها لا تُنتج محليا وليس لها بديل“، وفق تقرير سابق.

اختصاصي الجراحة التجميلية، وأمين سر الرابطة السورية لأطباء الجراحة التجميلية والترميمية، الدكتور رزق الفروح، قال في تصريحات سابقة، إن “عمليات التجميل في الآونة الأخيرة، شهدت إقبالا كبيرا من الرجال والنساء، فربما لم تعد مساحيق التجميل كافية لتلبية الرغبة في إظهار الجمال أو تغطية العيوب“.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات