منذ عام 2011 آلت حال الجامعات السورية إلى تدهور ملحوظ وباتت في أدنى المستويات نتيجة لتراجع مستوى التعليم فيها وتزايد مستوى الفساد، وقلة الموارد وجمود المناهج التعليمية، وعسكرة الحرم الجامعي وهجرة الأدمغة، وبالتالي تراجع تصنيف الجامعات السورية في مؤشر “ويبومتريكس” العالمي.

لكن خلال اليومين الماضيين انتشرت أنباء حول تقدم تصنيف جامعة دمشق بـ368 مرتبة ضمن مؤشر “ويبومتريكس” الذي نشره الموقع العالمي مؤخرا، الأمر الذي أثار موجة انتقادات ساخرة من قبل المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرين أن التصنيف الجامعي لا يزال في أواخر الترتيب العالمي.

تصنيف الجامعات السورية

نحو ذلك، حلّت جامعة “دمشق” وفق التصنيف العالمي بالترتيب الـ 3108، بعد أن كانت في المرتبة 3458 عالميا، في حين تصدرت الترتيب الأول في الجامعات السورية، وفقا لتصنيف “ويبوميتركس“، مقارنة مع التصنيف السابق الصادر خلال شباط/فبراير الماضي.

كما وجاءت جامعة “تشرين” في المرتبة الثانية محليا، بواقع 3837 نقطة مقارنة مع 4022 نقطة في التصنيف السابق، ثم جامعة “حلب” في المرتبة الثالثة بواقع 4823 نقطة مقارنة مع 4937 نقطة في التصنيف السابق. كذلك حلّت جامعة
“البعث” في المرتبة 5091 عالميا والمركز الخامس سوريا. إذ تضمن المؤشر عددا من الجامعات الخاصة السورية.

نُشر هذا الخبر على السوشيال ميديا أثار موجة انتقادات واسعة من قِبل المتابعين، فكتب أحدهم بشكل ساخر من تراجع مستوى الجامعات منذ تردي الأوضاع الخدمية والمعيشية في سوريا، قائلا “منيح انو لسا بالسلم، مين ضل ورانا بالترتيب ؟؟؟ أكيد جامعة الهنود الحمر اللي بياكلوا لحوم البشر.. كانت من 50 سنة في مقدمة جامعات العالم، يا حيف”.

لم يكن وضع الجامعات السورية قبل عام 2011 أفضل، مقارنة بالوقت الحاضر، حيث كانت الجامعات تعاني من نوع من الفساد والتجاوزات بشكل كبير، من تلقي الرشاوى إلى الابتزاز الجنسي للطالبات، سواء من قبل الكوادر التعليمية، أو من قبل أصحاب النفوذ وخاصة مسؤولي المؤسسات العسكرية من الضباط والعمداء في إطار تقديم الخدمات، والتسهيلات لطلبة الجامعات مقابل خدمات جنسية، أو مادية أو ما شابه.

بطبيعة الحال يعود كل ذلك إلى المنظومة الفاسدة بالدرجة الأولى في سدة الحكم بدمشق، التي أعطت اليد العليا للمؤسسات العسكرية ومسؤولي “حزب البعث العربي الاشتراكي”، على التحكم وفرض السُلطة على جميع مفاصل المؤسسات الحكومية وحتى القطاع الخاص إن صح القول. وبعد عام 2011 تراجع مستوى الجامعات السورية بشكل كبير، وفق ما أكده العديد من الباحثين في جامعات عالمية من بينها جامعة “كامبريدج”.

الجامعات السورية لم تحقق دورها

في سياق متّصل، جاء في تقرير حديث لصحيفة “البعث” المحلية، أن واقع الحال هو أن الجامعات السورية رغم عمرها الطويل لم تنجح حتى اليوم في ممارسة دورها الحقيقي في المجتمع كما ينبغي وبقي شعارها الرنان “ربط الجامعة بالمجتمع” مجرد كلام يُعاد في كل مناسبة.

التقرير المحلي أشار إلى أن الجامعات السورية تحولت إلى مخازن كبيرة لتكديس العاطلين عن العمل، فاليوم هناك عشرات الآلاف من الخريجين الجامعيين عاطلين عن العمل، والسبب ليس في انكماش فرص التوظيف.

بل في نوعية الشهادة الجامعية التي لم تعد تناسب حاجات ومتطلبات سوق العمل، والسبب في المناهج والمقررات الجامعية التي ما زالت تجتر معلومات عمرها عقود من الزمن.

المشكلة أنهم يتحدثون عن أن الجامعات تعمل على تحديث المناهج، لكن من يدقّق يجد أن بعضها تم تأليفه وإعداده بطريقة النسخ واللصق والاكتفاء بتغيير الغلاف وتاريخ النشر، وهنا ثمة تساؤل ملح “ماذا تفعل المديريات الجامعية التي تتابع وتراقب حركة التأليف والنشر في الجامعة؟ وكيف توافق على التأليف والنشر واعتماد الكتاب كمقرر في الكلية”.

في لقاء مع عدد من أساتذة الجامعة مع الصحيفة المحلية، كان هناك اعتراف بأن الحماس لجهة إجراء بحث أو تأليف كتاب ناتج بالدرجة الأولى عن رغبة الأستاذ لضمان ترقية علمية “أستاذ مساعد – أستاذ – بروفيسور..” غائب، والمؤسف هنا أن تكون جودة المنتج العلمي هي في آخر الاهتمامات.

لذلك لا عجب أن يتراجع تصنيف الجامعات السورية، أو أن يبقى يرواح مكانها، وطالب الأساتذة عبر الصحيفة المحلية بتحسين المستوى المعيشي لأعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات الحكومية، حيث أن ما يتقاضاه عضو الهيئة التدريسية في الجامعات الخاصة أعلى بعشرين ضعفا مما يتقاضاه عضو الهيئة التدريسية في الجامعات الحكومية، مؤكدين أن الراحة النفسية والمادية لعضو الهيئة التدريسية أمر ضروري من أجل أن يكون قادرا على الإبداع في التدريس والبحث العلمي.

فساد الجامعات السورية

في المقابل، لم يخفِ أحد الأساتذة وجود فساد ينخر في بنية المؤسسات الجامعية والمراكز البحثية، وأشار إلى أن هذا الأمر يقتل روح العلم والبحث عند الباحث مطالبا الجهات المعنية بمكافحة الفساد الإداري والعلمي الذي يظهر ببعض الجامعات.

كما أن “وزارة التعليم العالي” السورية، واللجنة العليا للاستيعاب الجامعي، تدرك جيدا أن طرق القبول في الجامعات غير عادلة وهي لا توحي بالثقة والمصداقية للبيت السوري، فالمعدلات الجامعية ترتفع كل عام لتلامس أقصى الدرجات، وبالتالي هذا يؤدي لانكماش فُرص القبول أمام الطلبة، نظرا لاعتماد العلامة كعامل رئيسي في القبول، وهذا بلا شك غير عادل لأنه يضرب بالرغبات الحقيقية والأمنيات عرض الحائط.

 لذلك على “وزارة التعليم العالي” أن تعي جيدا هذه المعضلة وتبحث عن صيغ وطرق أكثر مرونة وعدالة، أيضا بذات الوقت يجب أن تعمل على فرملة القبول في بعض التخصصات، بل إعادة النظر بمجمل السياسة التعليمية المتبعة في الجامعات السورية.

هذا وتعاني الجامعات السورية بشكل متكرر من مشاكل عدة، منها تظلّم الطلبة في الامتحانات بسبب الأسئلة الصعبة، إلى جانب الفساد والتجاوزات بحق البعض، سواء من قبل الكوادر التعليمية أو مسؤولي الجامعات، وبالطبع كل هذا عائدٌ إلى المنظومة التعليمية الفاسدة في البلاد.

في ظل تدهور الأوضاع بسوريا، لا سيما الوضع الخدمي، بما في ذلك انقطاع الكهرباء وأزمة المواصلات، ما تزال صعوبات ومشاكل هيئات التدريس الجامعية مستمرة، ولعل أبرزها معضلة ارتفاع معدلات الرسوب التي تتكرر في كل فصل دراسي، وقد ظهرت هذه المشكلة إلى الواجهة من خلال راديو “المدينة إف إم” المحلية، مؤخرا، من قبل مجموعة من طلاب كليات الهندسة المعمارية في سوريا، حيث طالبوا بإعادة تصحيح مادة التصميم في الامتحان الوطني وذلك لارتفاع معدلات الرسوب في المادة.

كل عام تتكرر هذه المشاكل والشكاوى من قبل الطلاب، لكن مديري الجامعات السورية لا يضعون حلولا لهذه المشاكل وغيرها المتكررة بين الطلاب، مما دفع الكثيرين لترك مقاعدهم الدراسية أو اللجوء لطرق أخرى للنجاح، مثل تقديم رشاوى وواسطات للقائمين على الأمر.

كذلك، في العام الماضي، انتشرت صورة مأخوذة من “كلية الهمك في جامعة تشرين” في اللاذقية على مواقع التواصل الاجتماعي، حول أسئلة من أحد الأقسام في كلية الهندسة البحرية لطلاب سنة التخرج، وسط موجة من الاستهزاء وانتقادات على مستوى الجامعات السورية، بحسب ما ورد في الصفحات العامة المشهورة.

تفاعل المعلّقون بشكل مكثف مع صورة أسئلة الامتحان، حيث تم عرض خمسة أسئلة تحت عنوان “أسئلة مساعدة” للطالب، وهي “محاضرات المقرر تمت في أي قاعة!” سؤال آخر هو مؤشر فيه عن الإجابة الصحيحة بسهم من قبل أستاذ المادة.

خلال السنوات الثلاث الماضية انتشرت العديد من الفضائح حول الجامعات السورية، تدل على مدى انتشار الفساد في النظام التعليمي عامة، وكان آخرها الفيديو الذي خرج من جامعة “البعث” خلال الصيف الماضي، والذي أثار جدلا، واستياء واسعا في الأوساط السورية، وكذلك وُلّد تخوفات جمّة لدى العديد من العائلات السورية حول مستقبل بناتهم في المؤسسات التعليمية هذه بعد هكذا فضائح.

الفيديو المسرّب من جامعة “البعث”، بمحافظة حمص، يوثق واقعة ابتزاز جنسي من قبل دكتور جامعي، لإحدى الطالبات بالصوت والصورة، لكن هذه الحادثة ليست الوحيدة بل “شبكة دعارة متسلسلة” تمتد خلفها، تستغل الطالبات في حمص، وعلى ما يبدو فإن الخلافات بدأت تشق صفوف زعماء هذه الشبكات، وفق تقارير صحفية محلية.

جامعة دمشق- “إنترنت”

الوضع التعليمي في المؤسسات التعليمية السورية تدهور بشكل كبير، إلى جانب سوء وضع الخدمات في الجامعات السورية، على الرغم من أن الحكومة السورية تخصص للجامعات سنويا مليارات الليرات السورية، إلا أن الطلاب ما زالوا يعانون من أزمات جمّة.

يبدو أن نظام التعليم العالي في البلاد بات في مستويات منخفضة جدا، في حين تكافح الجامعات السورية من أجل البقاء فقط وليس تقديم تعليم يُرقى لمستوى التعليم الجامعي أو ما شابه، بحسب أكاديميين وخبراء سوريين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات