وسط تراجع مستوى التعليم في الجامعات السورية، وقعت عدة حوادث تؤكد مدى الفوضى الأمنية السائدة في تلك الجامعات، ولعل أبرزها مقتل طالب جامعي في إحدى الجامعات في محافظة حمص السورية. وكذلك كثرة حوادث استغلال الطلاب القاطنين في المدينة الجامعية، حيث يتم تغريمهم بدفع مبالغ مالية بحجج واهية.

ليس هذا فحسب، فمنذ عام 2011 تدهور وضع المنظومة التعليمية في سوريا بشكل ملحوظ وباتت في أدنى المستويات نتيجة عدة أسباب، منها انتشار الفوضى وتزايد مستوى الفساد، وقلة الموارد وجمود المناهج التعليمية، وعسكرة الحرم الجامعي وهجرة الأدمغة، مما يشير إلى أن مكانة الجامعات السورية في مستويات سيئة.

مقتل الطالب مراد برصوم

خلال اليومين الفائتين، ضجت صفحات التواصل الاجتماعي بخبر مقتل الشاب مراد برصوم بعد مشاجرة مع طلاب يدرسون في جامعة “الحواش” الخاصة بريف حمص عصر يوم الأحد الماضي، وفقا لما تناقلته صفحات “وادي النصارى والمزينة”، منطقة وقوع الحادثة.

في التفاصيل، أقدم عدد من الطلاب في جامعة “الحواش” الاعتداء بالضرب على الشاب مراد برصوم البالغ من العمر 33 عاما من بلدة المزينة ما أدى لوفاته، ومن ثم لاذوا بالفرار، وعقب وقوع الحادثة فرضت الجهات الأمنية المسؤولة حظر التجوال على جميع طلاب الجامعة ومنعهم من التجول نحو القرى المحيطة، ولا يزال سبب الشجار الذي أدى لقتل الشاب مجهولا حتى الآن.

بحسب “تلفزيون الخبر” المحلي قبل ساعات، تم إلقاء القبض على أحد طلاب جامعة “الحواش” المتهمين بجريمة القتل أثناء محاولة فراره إلى لبنان، وأكد مصدر محلي من منطقة وادي النصارى بريف حمص الغربي أنه تم إلقاء القبض على المدعو “ص. ح” أثناء محاولته العبور إلى لبنان عبر منطقة الدبوسية الحدودية.

المصدر ذاته أردف، أن “القاتل يدرس في جامعة الحواش الخاصة، وينحدر من محافظة الرقة، في حين أن المتوفى يسكن في بلدة المزينة وينحدر من مدينة القامشلي بريف الحسكة، وهو متزوج وله طفلة وحيدة”، مشيرا إلى أن مراد برصوم قُتل بالقرب من جامعة “الحواش” بعد ضربه على رأسه عدة مرات وبشكل وحشي من قبل مجموعة من الطلاب الذين فرّوا من المكان قبل إلقاء القبض على عدد منهم.

هذا وكانت جامعة “الحواش” الخاصة أصدرت قرارا، يوم الأحد الماضي، بتعليق الدوام حتى يوم الجمعة القادم، وفصل الطلاب الذين يثبت تورّطهم في الاعتداء. هذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها هكذا حوادث، فقد نشبت مشاجرة جماعية العام الفائت قرب جامعة “الحواش” بين عشرات الشبان، استخدمت فيها العصي ما أدى لإصابة عدد منهم بجروح ورضوض متفاوتة نُقل بعضهم على إثرها إلى مشافي المنطقة.

موجة غضب من الفلتان الأمني

بعد مقتل الشاب مراد برصوم، انتشرت صورته مع عائلته؛ زوجته وطفلته على مواقع التواصل الاجتماعي بسرعة البرق، وتضامن المتابعون معه وطالبوا الجهات المعنية بالقصاص العادل من القاتل، ووضع ضوابط وقواعد أمنية أكثر صرامة للحدّ من تكرار هكذا حوادث.

أحد أقرباء الشاب المقتول وهو من أبناء قرية المزينة كتب منشورا على منصة “فيسبوك”، عقب وقوع الحادثة منتقدا فيه حالة الفوضى الموجودة في الجامعات السورية، وأضاف “أنا حزين جدا على موت هذا الشاب وعلى الوضع الذي وصلنا إليه من الفوضى.. كان سابقا الطالب الجامعي رمزا للأخلاق والثقافة كانت المراكز الثقافية تعج بطلاب الجامعات وكذلك المكتبات، لكن الآن تعجّ المقاهي والأراكيل والمخدرات بطلاب الجامعات”.

كما وأردف، أنه “يجب أن يكون في كل  جامعة خاصة مركز للثقافة والفكر والعلم والفن، لكن مع الأسف الهدف مادي فقط لأن أصحابها أغلبهم جمعوا المال بطريقة غير مشروعة.. أهل قريتي المزينة منذ نشوء  الجامعة الخاصة بدأت تسمع بالمشاكل مع العلم أن هذه القرية تعيش بسلام منذ مئات السنين..”.

جامعة “الحواش”، أعربت في بيان رسمي عن تعازيها لأسرة الفقيد وأعلنت فصل الطلاب المتورطين ومن سيثبت تورطه لاحقا. كما أن صفحاتٍ على منصة “فيسبوك” أعلنت اسم شخصٍ على أنه الفاعل، وطالبت بتعميم صورته لإلقاء القبض عليه ومنعه من مغادرة المنطقة، والذي بالفعل تم القبض عليه لاحقا.

حتى الآن لم تُصدر الجهات الحكومية السورية، أي تعليق على الحادثة، سواء “وزارة التعليم العالي” أو أي مؤسسات أخرى.

لكن اللافت أن رئيس مجلس إدارة شركة “المشرق” المالكة لجامعة “الحواش” أمجد بدران، قال إن “مرتكبي جريمة قتل مراد برصوم، تم اعتقالهم 3 مرات بسبب إساءاتهم المتكررة، لكنهم بطريقة أو بأخرى كانوا يحصلون على حكم البراءة ويعودون للجامعة رغما عن إدارة الجامعة ورغم فصلهم”.

خلال اتصال هاتفي مع “إذاعة ميلودي” المحلية أكد بدران، يوم أمس الإثنين، أن القاتل موقوف واعترف بجريمته، مشيرا إلى أن ما حدث كان متوقعا والمشكلة الأساسية في سوريا هي عدم وجود صلاحيات للجامعات تحاسب الطلاب عند الإساءة الخارجية، لكن في هذه الحادثة منح وزير التعليم العالي كامل الصلاحيات بحق الطلاب في حال ارتكابهم مخالفات، سواء فصلهم أو أي إجراءات عقابية أخرى، على حدّ قوله.

تغريم طلاب السكن الجامعي

من جانب آخر، انهالت على صفحة “مدينة باسل الأسد الجامعية” بحمص، تعليقات طلاب من السكن الجامعي حول تغريم طلاب الوحدة رقم /11/ بمبلغ مالي قدره 10 آلاف ليرة سورية على كل طلاب، على ألا يعطى الطالب براءة ذمة مالية في حال تمنّع عن دفع الغرامة.

بحسب تواصل صحيفة “الوطن” المحلية مع عدد من الطلاب لكشف تفاصيل الواقعة، طالبين عدم ذكر أسمائهم، والذين بينوا أنهم وأثناء استلام غرفهم في الوحدة المذكورة كانت متهالكة وغير مهيأة للسكن خاصة حماماتها الجماعية، وأرسلوا صورا خاصة للوحدة أوضحوا أنها قبل استلامهم لها ومكوثهم فيها.

الطلاب ذكروا للصحيفة المحلية اليوم الثلاثاء، أنهم فوجئوا أثناء تسليم الغرف مطالبتهم من مدير الوحدة بدفع مبلغ مالي، موضحين أنهم بدلوا “لمبات” الغرف مرارا وكذلك قفل أبواب الغرف وتم تبديل “البرايز” الخاصة بالغرف مرات عدة، كما أن مدير الوحدة قام بكتابة ضبط خاص بوضع الوحدة قبل التسليم وهناك تجهيزات خاصة تم وضعها من الطلاب ولا علاقة للمدينة الجامعية بها.

كما وأكدوا أن مدير المدينة قام بجولة وبدّل فقط عددا قليلا من “برايز” الكهرباء، أما ما تبقى من تجهيزات كقفل الباب و”اللمبات” فمنهم من احضروها على نفقاتهم الخاصة، وهو ما أثار غضبهم من فرض غرامة مالية عليهم نهاية العام الدراسي.

رغم كل هذه الشهادات من طلاب السكن الجامعي، إلا أن مدير “مدينة باسل الأسد الجامعية” ماهر إبراهيم، نفى أن يكون مدير الوحدة قد طالب أي طالب بغرامة مالية وأن هذا القرار هو لمجلس الإدارة، وهي غرامة مرافق عامة حيث تم رفع تقرير عن وضع الوحدات السكنية الخاصة بالمدينة الجامعية وتم إقرار هذه الغرامة من المجلس، متهما الطلاب بتخريب “البرايز واللمبات” في الغرف.

بعض الشهادات من المدن الجامعية الأخرى أكدوا في اتصال هاتفي لموقع “الحل نت”، أن هذه الأمور تحصل في كل عام تقريبا وفي جميع الوحدات السكنية، وهو نوع من الاستغلال للطلاب، وغالبا ما يحصل فساد في هذه الأمور، فمثلا مدير أو مديرة الوحدة يأخذ الغرامات من الطلبة لجيوبهم الخاصة ويكتبون في المحاضر أن الأعطال عامة وليست بسبب الطلاب.

الشهادات ذاتها أشارت إلى أنهم عندما كانوا يستلمون الغرف حتما يكون هناك عطل أو مجموعة أعطال، وعندما يتم تقديم طلب بإصلاحه لا يتم الاستجابة من قبل هيئة الوحدة السكنية، وبالتالي يضطرون لإصلاح الأعطال مثل “لمبات وبرايز كهرباء وفقاسات وقفل باب” على نفقاتهم الخاصة، هذا فضلا عن الفساد والرشاوى التي تحصل في الوحدات السكنية، لجهة تقليل أعداد الطلبة في الغرفة الواحدة.

ترتيب جامعة دمشق العالمي

خلال الأيام القليلة الماضية انتشرت أنباء حول تقدم تصنيف جامعة دمشق بـ 368 مرتبة ضمن مؤشر “ويبومتريكس” الذي نشره الموقع العالمي، الأمر الذي أثار موجة انتقادات ساخرة من قبل المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرين أن التصنيف الجامعي لا يزال في أواخر الترتيب العالمي.

حيث حلّت جامعة “دمشق” وفق التصنيف العالمي بالترتيب الـ 3108، بعد أن كانت في المرتبة 3458 عالميا، في حين تصدرت الترتيب الأول في الجامعات السورية، وفقا لتصنيف “ويبوميتركس“، مقارنة مع التصنيف السابق الصادر خلال شباط/فبراير الماضي.

نشرُ هذا الخبر على السوشيال ميديا أثار موجة انتقادات واسعة من قِبل المتابعين، فكتب أحدهم بشكل ساخر من تراجع مستوى الجامعات منذ تردي الأوضاع الخدمية والمعيشية في سوريا، قائلا “منيح انو لسا بالسلم، مين ضل ورانا بالترتيب ؟؟؟ أكيد جامعة الهنود الحمر اللي بياكلوا لحوم البشر.. كانت من 50 سنة في مقدمة جامعات العالم، يا حيف”.

تراجع التعليم الجامعي في سوريا-“إنترنت”

لم يكن وضع الجامعات السورية قبل عام 2011 أفضل، مقارنة بالوقت الحاضر، حيث كانت الجامعات تعاني من نوع من الفساد والتجاوزات بشكل كبير، من تلقي الرشاوى إلى الابتزاز الجنسي للطالبات، سواء من قبل الكوادر التعليمية، أو من قبل أصحاب النفوذ وخاصة مسؤولي المؤسسات العسكرية من الضباط والعمداء في إطار تقديم الخدمات، والتسهيلات لطلبة الجامعات مقابل خدمات جنسية، أو مادية أو ما شابه.

بطبيعة الحال يعود كل ذلك إلى المنظومة الفاسدة بالدرجة الأولى في سدة الحكم بدمشق، التي أعطت اليد العليا للمؤسسات العسكرية ومسؤولي “حزب البعث العربي الاشتراكي”، على التحكم وفرض السُلطة على جميع مفاصل المؤسسات الحكومية وحتى القطاع الخاص إن صح القول.

بعد عام 2011 تراجع مستوى الجامعات السورية بشكل كبير. كما ووفق ما جاء في تقرير لصحيفة “البعث” المحلية مؤخرا، أن واقع الحال هو أن الجامعات السورية رغم عمرها الطويل لم تنجح حتى اليوم في ممارسة دورها الحقيقي في المجتمع كما ينبغي وبقي شعارها الرنان “ربط الجامعة بالمجتمع” مجرد كلام يُعاد في كل مناسبة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات