تحرّكات وتصريحات السفير الإيراني باتت محل جدلٍ وشك، خصوصا أنه منذ بداية العام الجاري، لا ينفك أسبوعيا من الحديث أو الظهور إعلاميا، فحتى يوم الاثنين الماضي، كان حسين أكبري، أحد من بحثوا مع وزير التعليم السوري، بسام إبراهيم، أعمال اللجنة المشتركة المتعلقة بالتبادل العلمي، وبرامج التوأمة في المجالات العلمية التخصّصية.

إبراهيم، كشف عن رغبة طهران بالتركيز على تعزيز التعاون الأكاديمي المشترك بين الجامعات السورية والإيرانية، إضافة إلى تبادل الأساتذة وإقامة المؤتمرات العلمية المشتركة والنشر في المجلات العلمية المُحكمة؛ كما أشار إلى الدعم السّخي المقدّم من طهران فيما يخص تقديم المِنح الدراسية للطلاب السوريين لكي يواصلوا تحصيلهم العلمي في المرحلة الجامعية الأولى والدراسات العليا لدى الجامعات الإيرانية.

السفير الإيراني، وبحسب وكالة “مهر” الإيرانية، قَذَف كلمات سريعة خلال اللقاء، قال فيهن أن طهران حريصة لاتخاذ كل الإجراءات من أجل الإسراع بتعديل البرنامج التنفيذي ووضعه حيّز التطبيق، ولا سيما في المجال العلمي والبحثي، وتسهيل استقبال الطلاب والباحثينَ في كلا البلدين. 

هذا الحديث يخلق ألف تساؤل وتساؤل، وأبرزها: ما هي الأجندة الفارسية في سوريا؟ وكيف توظّف إيران الدبلوماسية العلمية والثقافية لتوسيع نفوذها وهوّيتها في سوريا؟

الأجندة الفارسية

لا يستبعد دكتور علم السياسة بجامعة دمشق، وئام زرزور، من أن إيران تستخدم دبلوماسيتها العلمية والثقافية لتحقيق وتعزيز مصالحها وهوّيتها في سوريا، خاصة بعد الحرب الأهلية السورية والتدخل الإيراني لدعم منظومة الرئيس السوري، بشار الأسد. 

بأنياب الموساد الإسرائيلي هكذا بدأ الأسد بأكل حلفائه الإيرانيين (1)
الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي (يسار) يلتقي برئيس النظام السوري بشار الأسد في الرياض، المملكة العربية السعودية في 11 نوفمبر 2023. (غيتي)

زرزور الذي تحدث لـ”الحل نت”، قال إن إيران تقوم بتنفيذ وتكثيف سلسلة من البرامج والمبادرات لتعزيز وتوطيد علاقاتها وتبادلاتها العلمية والثقافية مع سوريا، والتأثير على التعليم والثقافة السورية وتشكيلها وفق الرؤية والقيم الإيرانية، وهو السلاح الناعم الذي يرافق الغزو العسكري والاقتصادي.

الدبلوماسية العلمية والثقافية التي تتولى وزارة العلوم والأبحاث والتكنولوجيا الإيرانية ووزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي الإيرانية والمركز الثقافي الإيراني في دمشق تنظيمها وتنسيقها، تتضمن بحسب زرزور أدوات وأساليب مختلفة، مثل توقيع وتنفيذ برامج التبادل العلمي و التوأمة العلمية في المجالات العلمية المتخصصة، مثل الطب والهندسة والزراعة، بين الجامعات والمؤسسات البحثية الإيرانية والسورية. 

هذه البرامج، التي تستند إلى مذكّرة تفاهم تم توقيعها في عام 2021، تهدف في الظاهر إلى تطوير وتعزيز التعاون والتعاون الأكاديمي المشترك بين البلدين، وتبادل ومشاركة المعرفة العلمية والخبرات بين الأساتذة والباحثين والطلاب. 

كما أن هذه البرامج تتضمن تقديم مِنح دراسية للطلاب السوريين لمواصلة تحصيلهم العلمي في مرحلتي البكالوريوس والدراسات العليا في الجامعات الإيرانية، وتسهيل قبولهم واستقبالهم في كلا البلدين، وكل ذلك من أجل توطين الثقافة الإيرانية في سوريا، واستقطاب وتطويع المتقدمينَ دراسياً والذين لهم مستقبل داخل مؤسسات الدولة، ليكونوا ضمن النفوذ الإيراني.

أساليب طهران الملتوية

لا ينفك النظام الإيراني، عن إقامة أنشطة وفعاليات علمية وثقافية مشتركة، مثل المؤتمرات والندوات وورش العمل والمعارض والمهرجانات في مختلف المجالات والتخصصات، مثل التاريخ والأدب والفن والدّين، بين المؤسسات والمنظمات الإيرانية والسورية. 

كيف تحولت السيدة زينب من مزار ديني إلى قاعدة عسكرية إيرانية؟ (1)
صبي عراقي يبيع حقائب اليد في شارع مزدحم في منطقة السيدة زينب بدمشق، سوريا. (تصوير جون ريفورد / بلومبرج)

هذه الأنشطة والفعاليات، التي تنظّمها وترعاها السفارة الإيرانية والمركز الثقافي الإيراني في دمشق، تهدف إلى عرض الإنجازات والإسهامات العلمية والثقافية للبلدين والاحتفاء بها، حيث تركز فيها طهران على دعوة واستضافة شخصيات إيرانية وسورية بارزة ومؤثرة، مثل الوزراء والعلماء والكتّاب والفنانين والزعماء الدينيين لإلقاء المحاضرات والخطابات والتفاعل مع الجمهور.

كما تعمل الأذرع العلمية لطهران، على إرسال وتوزيع الكتب والمنتجات الثقافية الإيرانية، كالأفلام والموسيقى والمجلات، إلى المكتبات والمدارس والجامعات ووسائل الإعلام السورية وإلى عامة الناس. وهذه الكتب والمنتجات الثقافية، التي تنتجها وتنشرها الدولة الإيرانية والمركز الثقافي الإيراني في دمشق، تهدف إلى التعريف بالثقافة والفكر الإيرانيين ونشرها، ومواجهة وتحدّي الثقافة والنفوذ العربي والغربي في سوريا. 

معظم هذه الكتب والمنتجات الثقافية تشمل تدريس اللغة الفارسية وآدابها والترويج لها، وكذلك الإسلام الشيعي والثورة الإيرانية، بالإضافة إلى انتقاد وإدانة السياسات والإجراءات الإسرائيلية والأميركية في المنطقة.

الدبلوماسية العلمية والثقافية لإيران التي تستند وترتكز على التحالف السياسي والعسكري الوثيق بين طهران ودمشق، لها هدف واضح وشامل وفقا لتحليل زرزور، وهو توسيع وتأمين الوجود والنفوذ الإيراني في سوريا والمنطقة، وحماية وتعزيز المصالح والأهداف الاستراتيجية الإيرانية.

وباتت طهران لا تنكر هذا الشيء، ففي منتصف شباط/فبراير الفائت، صحيفة “القدس” الإيرانية المقرّبة من “الحرس الثوري” الإيراني، الذي يسيطر على جزء كبير من سوريا، كتبت مقالا بعنوان “يجب تطوير علاقات إيران الثقافية مع سوريا حتى لا يُسيطر عليها العرب”، وهو ما يبرهن خوف طهران من فلتان خيوط اللعبة من أيديها.

وقالت كاتبة المقال الإيرانية، زينب أصغريان: “بما أن الشعب السوري يتحدث العربية فإنّ الدول العربية تقوم بإرسال الكتب والمنتجات الثقافية العربية وهذا سيؤدي مستقبلاً إلى إيجاد تعارض في الهويّة لدى السوريين وسيتسّبب بالضرر للإيرانيين، وإذا لم يكن لدى الناس تقارب فكري وثقافي مع الدولة الحليفة، فإن عملية التعاون ستتّخذ منحىً تنازلي، ونظراً لخلو الميدان في سوريا، فإن إيران تستطيع تطوير علاقاتها الثقافية بجانب الدبلوماسية الاقتصادية”.

برأي الصحيفة، فالسوريون ليسوا عرباً بل “يتحدثون العربية” ونظرتها بأن المنتجات الثقافية العربية ستخلق “تعارضاً في الهوية لدى السوريين”.

طمس الهوية السورية.. التغلغل الناعم

الدبلوماسية العلمية والثقافية التي تحرّكها العداوة والاستياء المشترك تجاه خصوم إيران مثل السعودية والإمارات ومصر فضلا عن الولايات المتحدة وأوروبا، لها هدف محدد وطموح وهو فرض وغرس التعليم والثقافة الفارسية في سوريا، وخلق وإثارة صراع وأزمة هوية بين السوريين، والذين تربطهم علاقات وارتباطات تاريخية وثقافية مع العالم العربي والإسلامي. 

وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان (يسار) يعقد مؤتمرا صحفيا بحضور نظيره السوري فيصل مقداد في العاصمة دمشق في 23 مارس 2022. (تصوير لؤي بشارة / وكالة الصحافة الفرنسية)

ويبدو أن طهران ترنو إلى تغيير وتحويل نظام ومناهج التعليم السورية التي من شأنها أن تتحول وتميل نحو التعليم والفكر الإيراني، والتي من شأنها تهميش وإقصاء التعليم والثقافة العربية والغربية. وهذا التغيير والتحول الذي ستنفّذه وتفرضه السلطات الإيرانية والسورية، لن تبدأ آثاره بالظهور إلا مستقبلا، خصوصا مع انعدام الحل السياسي في سوريا.

تاليا، فإن خلق وزيادة التنوع والانقسام اللغوي والثقافي في سوريا، الأمر الذي سينتج عنه ويؤدي إلى ظهور ونمو اللغة والثقافة الفارسية كلغة وثقافة ثانية في سوريا، والتي ستنافس وتعارض اللغة والثقافة العربية كلغة وثقافة رسمية ومهيمنة في سوريا. وهذا التنوع والانقسام، الذي ستشجّعه وتدعمه السلطات الإيرانية والسورية، سيؤثر على الهوية والتماسك السوري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات