عالم الأموال والبنوك ينطوي على ألغاز معقدة وأسرار تثير التساؤل حول مؤسّسي البنوك السورية الذين يشكلون دورا حيويا في النظام المالي، وهل هم مجرد تجار ورجال أعمال أم هم حيتان مال، لا سيما وأن المصارف الخاصة في سوريا هي مؤسسات مالية تقوم بتقديم خدمات مصرفية متنوعة للأفراد والشركات والمؤسسات، بالتعاون مع بنك “سوريا” المركزي، الذي يُشرف على القطاع المصرفي ويحدد سياساته وضوابطه. 

منذ الأزمة الاقتصادية السورية، أصبحت المصارف ومؤسّسوها محط اهتمام وتساؤلات الكثيرين. فهم يتحكمون بتوزيع الأموال والقروض، ولهم تأثير ملحوظ على سوق العمل والاستثمار. ولكن السؤال الأكثر إلحاحا هو هل هم فعلا يحققون أرباحا حقيقية أم أن أرباحهم مجرد وهم.

في محاولة للإجابة على هذا التساؤل، يرى الخبير الاقتصادي جورج خزام، أن البنوك لا تقرض الآخرين من أموال مؤسّسيها، وهذا خطأ بخطأ؛ بل هناك جوانب معقدة في عمل البنوك السورية.

ما علاقة حيتان المال بالبنوك؟

حيتان المال هو مصطلح يُطلق على الأشخاص أو الجهات التي تمتلك ثروات ضخمة وتستخدمها للتأثير على الأسواق المالية والاقتصادية، سواء بالمضاربة أو التلاعب أو التحكم.

في سوريا يوجد عدد من حيتان المال الذين ينشطون في مجالات مختلفة، مثل التجارة والصناعة والعقارات والإعلام والسياسة. وبعض هؤلاء حيتان المال هم مؤسّسو أو شركاء في البنوك الخاصة التي تعمل في سوريا، والتي تقدم خدمات مصرفية للأفراد والشركات والمؤسسات.

علاقة حيتان المال السوريين بالبنوك هي علاقة متبادلة، فهم يستفيدون من البنوك كمصادر للتمويل والائتمان والاستثمار، وكذلك كأدوات لغسيل الأموال وإخفاء الثروات. وفي المقابل، تستفيد البنوك من حيتان المال كعملاء مهمين ومؤثرين، وكذلك كحلفاء سياسيين واقتصاديين.

البنوك قد تُعلن إفلاسها، ليس بسبب خسائرها، وإنما بفعل التوسّع في الإقراض والاستثمار في أصول متنوعة، فعندما تعجز عن تلبية طلبات عدد كبير من المودّعين في زمن قصير أو طويل، ويحدث هذا، يسبّب أزمات مالية واقتصادية، فإن البنوك تعلن إفلاسها، لأن كل قوانين المصارف في العالم تجيز لها التوقف عن ردّ الودائع عندما تعلن إفلاسها، كي تقوم بمعالجة نقص السيولة بمساعدة الحكومات والبنوك المركزية.

أما الأمر في سوريا فمختلف تماما، بحسب حديث خزام لصحيفة “البعث” المحلية، فما من بنك خلال العقود الماضية أعلن إفلاسه، وما من بنك توقف كليا عن ردّ الودائع لأصحابها، ولا علاقة لتقييد السحوبات بنقص السيولة فيها، لأن البنوك الخاصة والحكومية تعمل بأموال المودّعين، لا بأموال المؤسّسين، وبالتالي فهي تربح من المودعين ومن المقترضين، سواء أكانت نسبة التضخم صفرا أم 100 بالمئة.

البنوك السورية لا تخسر

علاقة حيتان المال السوريين بالبنوك تتعلق بالعديد من الجوانب، طبقا لحديث رجل الأعمال السوري، منير الزعبي، لـ”الحل نت”، إذ يُعتبر العديد من حيتان المال في سوريا من المستثمرين والمساهمين الرئيسيين في المصارف السورية، سواء الحكومية أو الخاصة. ويلعبون دورا مهما في تمويل القروض وتمويل الأنشطة المالية المختلفة للأفراد والشركات.

أيضا لحيتان المال تأثيرٌ على اتجاهات وسياسات المصارف من خلال تحديد أولويات الاستثمار والتمويل واتخاذ القرارات المالية الحاسمة. ولا يقوم حيتان المال بتقديم القروض والتمويل للأفراد والشركات بمعدلات فائدة وشروط تتناسب مع مصالحهم وأهدافهم، بل هذه القروض من أموال المودّعين المحليين.

فضلا عن ذلك يشمل دور حيتان المال استثمار أموالهم وإدارة الأصول في البنوك والأسواق المالية لتحقيق عوائد مالية مرتفعة. ونفوذ حيتان المال يمكن أن يكون له تأثير كبير على الاقتصاد الوطني بشكل عام، سواء من خلال دعم الاستثمارات وخلق فرص العمل أو من خلال تحديد اتجاهات الاقتصاد والنمو.

العلاقة بين حيتان المال والبنوك بحسب الزعبي، قد تختلف باختلاف السياق الاقتصادي والسياسي، وفي سوريا ليس لهذه العلاقة تأثير إيجابي لأنهم لا يدعمون التنمية أوتوفير التمويل اللازم للمشاريع الاقتصادية، بل لهم تأثير سلبي لتسببهم في تفاقم التفاوت الاقتصادي والتهميش.

أصحاب المصارف ليسوا جاهلين؛ بل يمتلكون رؤية استراتيجية دقيقة، حيث يدركون تماما أن القروض التي يقدمونها مع تسديد الأقساط، تفقد تدريجيا قيمتها الشرائية. وبما أنهم غالبا يشغلون مواقع قيادية في الأعمال التجارية المتعددة، سواء أكانت ظاهرة للعيان أم مخفية عن الأنظار، يتبنون استراتيجيات محسوبة تعتمد على تقدير منتجاتهم وخدماتهم استنادا إلى قوة سعر الصرف السائد في السوق السوداء. لذلك لا يُقدّمون قروضا من ثرواتهم الخاصة فقط لكي يستردّوها لاحقا بقيمة أقل.

خسائر برسم التحصيل؟

السبب وراء عدم تكبّد البنوك السورية أيّة خسائر يتجلى في طبيعة نشاطها، حيث تعمل على أساس أموال المودّعين بدلا من رأس المال الخاص بأصحابها. ولاحقا، يعود السؤال الذي يستحق التكرار، ماذا فعلت المصارف الخاصة فيما يتعلق بإدارة رؤوس الأموال والودائع التي وضعت في حوزتها منذ فترة طويلة.

في تقرير أصدره “اتحاد العمال” في نيسان/أبريل 2015، أشار إلى أن المصارف الخاصة قد قامت بإيداع مبلغ يقدر بحوالي 350 مليار ليرة سورية في حسابات العملات الأجنبية لدى مصارف خارجية، وذلك دون الحصول على موافقة من الحكومة أو “المركزي” السوري؛ وكانت هذه النسبة تمثل حوالي 50 بالمئة من إجمالي أصولها النقدية في ذلك الوقت.

ليس من المستبعد أن المصارف الخاصة قد قامت باستغلال أموال المودّعين الصغار عن طريق تحويلها إلى عملات دولارية وتحويلها إلى لبنان، بهدف تحقيق أرباح غير مشروعة على حساب هؤلاء الأفراد. وهذا السيناريو يستحق النظر فيه بجدّية نظرا للتداعيات الحالية والأثر السلبي على الاقتصاد والمجتمع.

تجدر الإشارة إلى أن بعض البنوك الخاصة قد قامت بمنح أعضاء مجالس إداراتها قروضا بنسب تجاوزت أكثر من 200 بالمئة من حصصهم في رأس المال المساهم به في تلك المصارف عند بداية تأسيسها. ويبدو كأن هذه البنوك أسست فقط لغرض تجميع سيولة المودّعين.

بناء على المعلومات السابقة، فإن البنوك الخاصة السورية لا تتعرض لخسائر تذكر، ويرجع ذلك إلى أن مؤسّسيها من تجار ورجال الأعمال وحيتان المال يمتلكون تجارب وخبرات واسعة في مجالات تجارية واستثمارية متعددة، وتأسيس هذه البنوك لم يكن سوى جزءا من استراتيجياتهم الشاملة. والجدولة الوحيدة لعدم خسارتهم هي عدم تحويل ملياراتهم إلى حسابات مصارف سويسرية أو أميركية بنسبة عالية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات