بعد سنوات عديدة من إصدار ما يُعرف بـ”البطاقة الذكية”، يبدو أن الحكومة السورية تستعد لرفع الدعم تدريجيا عن المواطنين السوريين. وبحسب مصادر خاصة لإحدى وسائل الإعلام المحلية، فقد أفادت بوجود نيّة لدى “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك السورية” بأن تقرر رفع الدعم عن المواد الغذائية اعتبارا من بداية شهر أيلول/سبتمبر المقبل.

تأتي هذه الأنباء وسط موجة غلاء غير مسبوقة تجتاح البلاد من جميع الجهات، نتيجة القرارات الحكومية الأخيرة التي زادت من حدة الأزمة الاقتصادية المستمرة. ولذلك فإن رفع الدعم الحكومي سيكون له آثار سلبية على الوضع المعيشي، إضافة إلى أن هذا القرار يوضح مدى عجز الحكومة عن توفير المواد الغذائية الأساسية بأسعار مدعومة، وأن عملية مشروع “البطاقة الذكية” قد فشلت، الذي لم يؤد إلا إلى انتشار الفوضى والفساد في الأسواق.

رفع الدعم عن المواد الغذائية

نحو ذلك، أفادت مصادر خاصة لإذاعة “المدينة إف إم” المحلية، يوم أمس الثلاثاء، أنباء عن عزم “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك السورية” رفع الدعم عن المواد الغذائية اعتبارا من بداية شهر أيلول/سبتمبر المقبل، وسيحق لكل أسرة الحصول على كيلو أرز بقيمة 17 ألف ليرة، وكيلو السكر بقيمة 13000 ليرة، مباشرة بدون تسجيل أو انتظار الدور مرة واحدة كل شهر.

البطاقة الذكية في سوريا-“إنترنت”

مما لا شك فيه أن هذا القرار سيؤثر على الأوضاع المعيشية لدى المواطنين، كما سيؤدي إلى خلق حالة غضب شعبية، فضلا عن فوضى في الأسواق السورية، خاصة بعد القرار الذي صدر في شباط/فبراير من العام الماضي، عندما بدأت الحكومة السورية بإلغاء الدعم عن شرائح واسعة من المواطنين، الأمر الذي أثار موجة من الغضب وحالة من الاستياء والسخط، نظرا لأن هذا الرفع كان مجحفا بحق الناس، وسط تتالي الأزمات الاقتصادية وضعف الرواتب والأجور.

البعض يرون أن رفع الحكومة الدعم عن المواد التموينية، أي الغذائية، يدلل بعجز الحكومة عن توفير أبسط المواد في أسواق مؤسساتها الحكومية وبأسعار معقولة، بجانب أنها تفتح الأبواب أمام التجار لوضع يدهم على الأسواق والتلاعب بالأسعار وفق أهوائهم، وكلما ارتفع الدولار أمام الليرة السورية.

في السابع من آب/أغسطس الجاري، قال عضو مجلس الشعب السوري صفوان قربي، إنه بعد اجتماعات اللجنة المؤلفة من مجلس الشعب السوري والحكومة، فإنه خلال الليالي القادمة سنكون أمام خطوات وقرارات حكومية جديدة فيما يخص الدعم، على صعيد رفعه عن المحروقات وتحرير أسعاره، إلى جانب سلسلة من القرارات التدريجية التي ستصدر تباعا، بالتزامن مع زيادة للرواتب من خلال الوفرة المحققة من رفع الدعم.

هذا ما يحصل بالفعل حاليا، فالأنباء اليوم تتوارد حول رفع الدعم عن المواد الغذائية، وليس مباغتا إذا تم رفع الدعم عن المشتقات النفطية من البنزين والمازوت والغاز، وحتى الخبز، أي إلغاء شيء اسمه “البطاقة الذكية” ولكن تدريجيا، وذلك لعدم تأجيج حالة الغضب في الشارع السوري، الذي في الأساس يغلي يوما بعد الآخر.

ماذا قدمت “البطاقة الذكية”؟

مطلع عام 2019، أعلنت الحكومة السورية عن إطلاق مشروع “البطاقة الذكية”، وتُمنح هذه البطاقات للعائلات في سوريا ولبعض القطاعات الخدمية العامة والخاصة، لتوفير بعض المواد الخدمية والغذائية بسعر حكومي مدعم.

تدعي الحكومة أن مشروع “البطاقة الذكية” الخاص بها يهدف إلى أتمتة توزيع المشتقات النفطية وغيرها من المواد والخدمات على المواطنين، من أجل منع تهريب هذه المواد والاتجار بها، إلا أن الفساد والاتجار بهذه المواد بات أكثر انتعاشا ورواجا من قبل إصدار ما يسمى بـ “البطاقة الذكية”.

هذا الأمر أثار جدلا كبيرا آنذاك، ووجهت انتقادات واسعة للحكومة السورية، حيث اعتبر هذا الإجراء تعبير عن عجز الحكومة  توفير مستلزمات الحياة، ومن جهة أخرى دليل على تأزم اقتصاد البلاد بشكل كبير ومحاولاتها في تحسين اقتصادها على حساب المواطنين، فضلا عن إرهاق المواطنين بمثل هكذا أساليب للحصول على الاحتياجات اليومية.

في مطلع شهر شباط/فبراير العام الماضي، أصدرت حكومة دمشق قرارا استبعدت فيه نحو 600 ألف عائلة من الدعم الحكومي المقدم سابقا، وبيعها بعض المواد الغذائية الأساسية، والمشتقات النفطية بأسعار محررة وغير مدعومة، وهو ما أثار استياءً ورفضا واسعين لدى السوريين.

الحكومة تذرعت بأن خطة رفع الدعم جاءت بهدف إيصاله إلى مستحقيه من الشرائح الأكثر احتياجا في المجتمع ومنع استغلاله وإيقاف الهدر، إلا أن مئات الآلاف تفاجؤوا باستبعادهم من الدعم رغم أنهم من الفئات المستحقة للدعم بحسب معايير الحكومة. ووفقا لذلك، جرى استبعاد نحو 596 ألفا و628 عائلة تحمل “البطاقة الذكية”، بحسب “وزارة الاتصالات السورية”.

توقعات حول إلغاء البطاقة الذكية في سوريا- “إنترنت”

بالتالي، فإن هذا يفسر أن الحكومة باتت شبه مفلسة، ولم تعد قادرة على استكمال مشروعها، الذي أطلقته قبل نحو عدة سنوات، تحت بند توزيع المواد بشكل عادل ومساعدة الفئات الضعيفة، ويجب عليها الاعتراف بفشلها هذا، وأن هذا المشروع لم يقدم سوى الفوضى والفساد في قطاع المحروقات والمواد الغذائية الأساسية وعموم الأسواق.

قرارات دمشق تُفقر المواطنين

خلال الأيام الماضية، ساهمت القرارات الحكومية في زيادة الأعباء الاقتصادية على السوريين. على قناة تطبيق “وين” في منصة “التلغرام”، انتشر مؤخرا خبران متناقضان عن “صالات السورية للتجارة” يفصل بينهما يومان فقط، والمضمون يتعلق بأكثر المواضيع حساسية لغالبية الأُسر السورية، وهي المواد الغذائية الأساسية.

في الخامس من آب/أغسطس الجاري، جاء الإعلان عن دورة جديدة بالمقنن تبدأ بداية الأسبوع القادم، وفيه قالت “صالات السورية للتجارة” إن هناك تعديلا للأسعار والكميات على بعض المواد الغذائية، وبعد نحو 48 ساعة فقط قال مديرها وتحت عنوان “تنويه” يقول فيه “لا يوجد دورة جديدة للمواد المقننة من السكر والأرز، ورفعت أسعارها أكثر من الأسعار المتداولة في الأسواق، وبالتالي ارتفعت الأسعار تلقائيا في المحال التجارية.

هذا التخبط في الإعلانات والقرارات الحكومية يؤدي إلى خلق حالة من الفوضى في الأسواق بدلا من استقرارها. ويبدو أن تحركات “صالات السورية للتجارة” خلال الأيام القليلة الماضية ساهمت بشكل كبير في تصاعد الأسعار، إضافة إلى أنها أصبحت ذريعة للمحلات لرفع الأسعار أكثر من سعر الصرف.

يشتكي العديد من المواطنين من انقطاع بعض السلع الغذائية فجأة في الأسواق وفي “صالات السورية للتجارة”، إلى جانب عدم استقرار الأسعار وكأن الجميع باتوا يسعّرون وفق سعر الصرف، حتى “السورية للتجارة” التي تُعتبر مؤسسة حكومية ولابد لها أن تبيع السلع للمواطنين بأسعار منخفضة، دون أن تنافس التجار في الأرباح.

في مقابل كل ذلك، ثمة تخوفات لدى المواطنين في سوريا من ارتفاع قريب في أسعار المواد الغذائية، وخاصة بعد سلسلة القرارات الحكومية، التي تزيد من معاناة المواطنين أكثر من تحسينه، بل يبدو أن مسلسل ارتفاع الأسعار في سوريا لن ينتهي ما دامت أسبابه الحقيقية مستمرة أيضا.

في مقابل كل ذلك، ثمة تخوفات لدى المواطنين في سوريا من ارتفاع قريب في أسعار عموم المواد الغذائية، وهو ما يؤثر تلقائيا على أسعار باقي السلع في الأسواق السورية.

هذا الانحدار في مستوى المعيشة بسوريا، يأتي في ظل عجز شبه كامل للحكومة السورية عن التدخل لتحسين الواقع الاقتصادي، لتتحول الحكومة إلى “شاهد زور” على معاناة الأهالي، بحسب رأي مختصين ومطّلعين على الوضع الاقتصادي في البلاد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات